رمضان 2023.. استثنائي
تميزت الحياة السياسية والحزبية كالعادة في شهر رمضان بحالة من الفتور وكأنها هي أيضا تصوم عن النقاش والجدال وتفضل السكون والخلود، على الرغم من أن الساحة الوطنية شهدت طرح حزمة من مشاريع القوانين الهامة، على غرار قانون الإعلام، وقانون النشاط النقابي، وقانون الصرف والنقد، والقانون الناظم للعلاقة بين الحكومة والبرلمان، وأيضا وقوع أحداث دولية لها امتدادات وتأثيرات واسعة، على غرار الاعتداءات الصهيونية ضد المرابطين في المسجد الأقصى، وتحرك المياه الراكدة بين بعض الدول العربية والتصعيد الأمني بين الفرقاء في السودان.
مقابل ذلك، سيطرت قطاعات أخرى على المشهد السياسي، خاصة ما تعلق ببعض القضايا الطارئة اجتماعيا، كارتفاع أسعار السلع، وشح الأمطار ومراجعة بعض قوانين أسلاك الوظيفة العمومية وتحسين معاشات المتقاعدين والبطالين، في سياق تدخل السلطات العمومية لحماية القدرة الشرائية وحفظ كرامة المواطن، وهي القرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون مؤخرا في اجتماع مجلس الوزراء.
وفيما غابت “كورونا” وعادت حياة الجزائريين إلى سابق عهدها، فإن نوعا آخر من الفيروسات سجل حضوره في جشع التجار وظواهر المضاربة والاحتكار، الذين سعوا لتسميم رمضان الجزائريين، لما عرفته بعض المواد الغذائية والاستهلاكية من غلاء من الصعب تبريره أو اقتناع المستهلكين به، على غرار اللحوم الحمراء والبيضاء، وحتى البصل الذي فاق سعره المعقول، بالرغم من الإجراءات الحكومية المتعددة لاستقرار الأسواق، على غرار استيراد أطنان من اللحوم الحمراء الطازجة وضخ كميات من المنتوج الفلاحي من غرف التبريد. لكن تبقى يد العابثين بقوت الجزائريين تتربص في كل مرة وبحاجة أكثر إلى ضرورة قطعها بتكثير أعوان الرقابة وضرب المخالفين بيد من حديد.
ولم تسلم رحلات العمرة من المضاربة والتهاب الأسعار في شهر رمضان هذا، بفعل نقص الرحلات الجوية نحو البقاع المقدسة والإقبال الكبير للمواطنين ورغبتهم في أداء مناسك العمرة بعد رفع القيود الصحية لجائحة كورونا. وكان مشروعا للجزائريين، طرح السؤال: هل كان رمضان لهذا العام أكثر غلاء؟ أم أن الظروف الخارجية وتأثيراتها التضخمية قد رمت بثقلها وكانت وراء هذه الموجة العالمية التي مست كل دول وشعوب العالم.
ومع كل عام، ينقضي شهر رمضان مسجلًا أرقامًا صادمة في حوادث سير مأساوية تعود أسباب وقوعها بالدرجة الأولى إلى السرعة المفرطة والمناورات الخطيرة والإرهاق والتعب ونقص التركيز والانتباه، حيث حصدت الطرقات عبر الوطن أكثر من 139 قتيل، وإصابة 633 بجروح في ما يفوق 444 حادثا .
على الرغم من حلول شهر رمضان المبارك، إلا أن تجار ومروجي المخدرات لم يتخذوا الشهر الكريم نقطة لتغيير مسار حياتهم، حيث استمروا في ممارسة نشاطهم كما يمارسوه في باقي الشهور الأخرى. بالموازاة مع ذلك، تزداد وتيرة الحملات الأمنية التي تستهدف توقيف مروجي هذه السموم بأنواعها.
لكن رغم هذا الجانب القبيح، فإنه لا يمكنها تغطية أشياء جميلة مرت خلال الشهر العظيم وتركت في نفوسنا مشاعر مختلطة عاشها جميع الجزائريين، لحظات عشناها بخضوع ذلك الإمام الهادئ الخاشع وتلك القطة التي أحبت كلام الله، ولحظات أخرى مزقت قلوبنا ألما وحزنا على فارس الهلال الأحمر الذي ترجل صائما في عمر الزهور.
رياضيا، كان رمضان هذه السنة شاهدا على استحقاقات الكرة الجزائرية، حيث حسم فيه المنتخب الوطني الأول تأهله إلى نهائيات كاس أمم إفريقيا 2023 بكوت ديفوار مبكرا، بعد تغلبه بهدف دون رد على مضيفه منتخب النيجر بملعب رادس بتونس يوم 27 مارس الماضي. ورغم عامل الصيام، إلا أن رفقاء القائد رياض محرز حققوا الهدف المنشود بتصدرهم المجموعة السادسة بمجموع 12 نقطة بأربعة انتصارات متتالية، موجهين رسالة تبعث بالتفاؤل حول مستقبل المنتخب
ولم يقتصر استحقاق الكرة الجزائري خلال الشهر الفضيل لدى المنتخب الأول؛ بل عرفت الأندية الجزائرية المشاركة في المنافستين الإفريقيتين، رابطة الأبطال وكأس الكاف، تألقها من خلال بلوغها الدور ربع النهائي، ويتعلق الأمر بشباب بلوزداد وشبيبة القبائل في رابطة أبطال إفريقيا، واتحاد الجزائر في منافسة كأس الكاف.
ومع اقتراب ساعات الحسم في المنافسات الكروية الجزائرية، عاد النقاش الحاد إلى مختلف المنابر بخصوص التحكيم الجزائري ومدى قدرته على الحفاظ على مصداقية المنافسة الكروية في البلاد.
عرف الموسم الرمضاني لهذا العام، انتعاشة كبيرة، حيث شكلت الدراما الجزائرية والعربية الاستثناء، وجاء إنتاج رمضان 2023 وفيرا، وشغلت الدراما الجزائرية لأول مرة في تاريخها مواقع التواصل الاجتماعي الجزائري والعربي.
ورغم كل هذه الظروف، فإن رمضان مر بردا وسلاما على الجزائريين، لأن النفوس الخيّرة التي تكاتفت بين كل القطاعات والشرائح الاجتماعية، قد أعطت للعيد كل معانيه السامية وجعلت الفرحة والابتسامة تعلو في سماء الجزائر على أمل أن يكون العيد القادم أحسن وأفضل وأجمل.