اخر الاخبار

رمضان فرصة لتصحيح المسار

 ها هو شهر رمضان يحلّ ضيفا علينا بعد عام مضى من حياتنا، حدث فيه الكثير، أحسن فيه من أحسن، وقصر من قصر، ورحل من رحل، والمسلم الحق هو من يتعظ بغيره، ويستفيد من الفرص في حياته.

شهر رمضان فرصة لمن فرط وقصر، وتعدى على حدود ربه، فرصة لمن كذب وزوّر وخان، وتنصل من المسؤولية، فرصة لمن كان فعله وسلوكه سببا لفساد المجتمع، وانتشار الرذائل، وترويع الآمنين، فالمحروم في رمضان من حُرم فيه الخير، رمضان فرصة عظيمة لتقوية الإيمان، والتزوّد من الطاعات، والتوبة النصوح لرب الأرض والسماوات، ومن هنا ينبغي أن يكون رمضان الجديد مختلفا عن غيره مما فات، حتى لا يستمر التفريط والتقصير، وينتقل الإنسان إلى الدار الآخرة وليس له من العمل الصالح ما يبلغه رضوان مولاه: {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا}.

ينبغي لمن أراد أن يستفيد من رمضان أن يركّز على أولويات من الأقوال والأعمال، ويعزم على القيام بها، ويربي نفسه عليها حتى تستقيم حياته، ويسعد في أخراه، فهو شهر الخيرات والنفحات، وقد كان صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدومه فيقول: “قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك، افترض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم”.

وأهم الأولويات التي يجب القيام بها هي التوبة من الذنوب، ورد الحقوق والمظالم إلى أهلها، والعزم على عدم العودة إلى ذلك، فالتوبة هي شعار المتقين، ودأب الصالحين. يقول الإمام الغزالي رحمه الله في الإحياء: طوبى لمن إذا مات ماتت معه ذنوبه، والويل الطويل لمن يموت وتبقى ذنوبه، مائة سنة ومائتي سنة أو أكثر، يعذب بها في قبره، ويسأل عنها إلى آخر انقراضها، قال تعالى: {إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآَثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين} أي: نكتب ما أخروه من آثار أعمالهم، كما نكتب ما قدموه.

ومن الأولويات في رمضان المحافظة على الصلاة جماعة، والإكثار من القرآن قراءة وفهما، فكم من مسلم هجر كتاب ربه، فتحوّلت حياته إلى تعاسة، وفقد الطمأنينة من قلبه، فها هو رمضان فرصة لتجديد العهد مع كتاب ربك، اجعل منه وردا يوميا، نهارا وليلا، فرمضان موسم مدارسة القرآن، فقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن.

ومن العبادات التي ينبغي للمسلم أن يحافظ عليها في رمضان صلاة التراويح، وقيام الليل، جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وصليت الصلوات الخمس، وصمت الشهر، وقمت رمضان، وآتيت الزكاة، فقال صلى الله عليه وسلم: “من مات على هذا كان من الصدّيقين والشهداء”.

ومن أعمال المسلم في رمضان الإنفاق قلَّ أو كثُر: {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة}، فكم من بطون جائعة، وكم من محتاج ويتيم ومسكين، ينتظر من يقف بجانبه، فقد كان رسول الله أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فلَرسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة.

ومن الأولويات في هذا الشهر استغلال الأوقات بالعمل الصالح، والانضباط في الأخلاق والسلوك: “والصيام جُنَّة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابَّه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم”، وليس هذا الامتثال جبنا ولا ضعفا ولا خورا، بل هو عظمة وسمو، ومن ذلك الانضباط في العمل والوظيفة، فالصيام ليس مناسبة للنوم والكسل والتأخر عن الدوام، والتقصير وتعطيل مصالح الناس.

*إمام مسجد عمر بن الخطاب بن غازي براقي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *