رمضان أقبل… فلنتعرَّض لنفحاته

أخرج الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك، افترض الله عليكم صيامه، يفتح فيه أبواب الجنة، ويغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، مَن حرم خيرها فقد حرم”.
اعلم أيها الفاضل أنه ليس مَن رغب إلى الله كمن رغب عن الله، وليس من بقي مع الله كمن بقي عن الله، وليس مَن عمره كله رمضان، كمن عمره كله للجشاء والطعام، فمن الناس قوم قبل رمضان يأخذون بحظّ أنفسهم من الشهوات والأكل ويقولون: هي أيام توديع للأكل والطعام، وربما لم يقتصر كثير منهم على اغتنام الشهوات المباحة، بل يتعدى إلى المحرمات، وذاك هو الخسران المبين.
فمن كانت هذه حاله، فالبهائم أعقل منه: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس، لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها، أولئك كالأنعام بل هم أضل، أولئك هم الغافلون}، فهؤلاء السفهاء يستثقلون رمضان لاستثقالهم العبادات فيه، من الصلاة والصيام، فكثير من هؤلاء الجهال لا يصلي إلا في رمضان إذا صام، وكثير منهم لا يجتنب كبائر الذنوب إلا في رمضان، فيطول عليه ويشق على نفسه مفارقتها لمألوفها، فهو يعد الليالي ليعود إلى المعصية، وهؤلاء مصرون على ما فعلوا وهم يعلمون.
فلنغتنم إخواني أعمارنا ولنبادر بالصحة سقمنا، ولنحفظ أمانة التكليف لمن أمّننا، فأين حالنا من قوم كان دهرهم كله رمضان، ليلهم قيام، ونهارهم صيام! مما يروى أن بعضهم اشترى جارية، فلما قرب شهر رمضان رأتهم يتأهبون له ويستعدون بالأطعمة وغيرها، فسألت فقالوا: نتهيأ لصيام رمضان، فقالت: وأنتم لا تصومون إلا رمضان، لقد كنت عند قوم كل زمانهم رمضان، ردوني إليهم.
لقد كان عليه الصلاة والسلام يبشّر أصحابه بقدوم رمضان، كيف لا يبشر المؤمن بفتح أبواب الجنان، كيف لا يبشر المذنب بغلق أبواب النيران، كيف لا يبشر العاقل بوقت يغل فيه الشيطان. يقول معلى بن الفضل: كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يُبَلّغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبّل منهم، وقال يحيى بن أبي كثير: كان من دعائهم: “اللهم سلّمني إلى رمضان، وسلّم لي رمضان وتَسَلمه مني متقبلا”.
اعلم أيها الفاضل، أن الناصح لنفسه لا تخرج عنه مواسم الطاعات وأيام القُربات عطلا؛ لأن الأبرار ما نالوا البر إلا بالبر، فضع نصب عينيك قول نبيك: “إن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها، لعل أحدكم أن يُصيبه منها نفحة لا يشقَى بعدها أبدا”.
فمرحى بشهر طيب كريم مبارك، شهر نزول القرآن، شهر الشفاعة بالصيام والقرآن، شهر التراويح والتهجد، شهر التوبة وتكفير الذنوب، شهر تصفيد الشياطين، شهر غلق أبواب الجحيم، شهر فتح أبواب الجنان، شهر الجود والإحسان، شهر العتق من النيران، شهر ليلة القدر، شهر الدعاء، شهر الجهاد، شهر مضاعفة الحسنات، شهر الصبر والشكر. فيا باغي الخير أقبِل، ويا باغي الشر أقصِر.. والله ولي التوفيق.
إمام مسجد عمر بن الخطّاب
بن غازي براقي