أمد/ إلى فخامة الرئيس محمود عباس،
رئيس دولة فلسطين
رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية
رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية
رئيس حركة فتح
حفظكم الله
فخامة الرئيس،
أتوجه إليكم بهذه الرسالة في وقت بالغ الدقة والحساسية، حيث تعيش فلسطين بأكملها من شمال الضفة الغربية وجنوبها ووسطها إلى قطاع غزة أزمة وجود وطنية وإنسانية متراكبة، تتطلب قيادة استثنائية ورؤية إنقاذ شاملة، تتجاوز الحسابات الفصائلية، إلى المسؤولية التاريخية التي تفرضها مكانتكم التاريخية والدولية في رأس الشرعية الفلسطينية.
أولاً: قطاع غزة… مسؤولية وطنية رغم الحرب والحصار
رغم الحرب المفتوحة التي تتعرض لها غزة منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، وتوالي الاعتداءات الإسرائيلية وجرائم الحرب، ما زال الشعب هناك صامدًا، لكنه مجوَّعٌ، مُحاصَرٌ، ومحروم من الحد الأدنى من الحياة. ووفق تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، فإن:
> “أكثر من 80% من سكان قطاع غزة يعتمدون على المساعدات الإنسانية، فيما تعاني 95% من المياه من التلوث، وتقلص الوصول إلى الكهرباء إلى أقل من ساعتين يوميًا.”[^1]
وفي تقرير مشترك لوكالة الأونروا وبرنامج الأغذية العالمي:
> “يعاني 1.1 مليون فلسطيني في غزة من انعدام الأمن الغذائي، وأكثر من 45% من الأطفال مصابون بسوء تغذية مزمن.”[^2]
ورغم بشاعة الحصار، لا تزال غزة جزءًا من الوطن الفلسطيني، وتقع تحت مسؤولية القيادة الشرعية، سياسيًا وأخلاقيًا. وهي ليست عبئًا، بل واجبًا وطنيًا وأخلاقيًا لا يسقط بالتقادم ولا بالحرب.
ثانيًا: شمال الضفة الغربية… حصار خفي ومعاناة صامتة
في طولكرم وجنين وسائر شمال الضفة الغربية، لا تقل المعاناة عن غزة، لكن بأساليب مختلفة: بوابات حديدية، حواجز دائمة، اجتياحات ليلية، تدمير للبنية التحتية، وانهيار اقتصادي متسارع. ووفق مركز بتسيلم الإسرائيلي لحقوق الإنسان:
> “تم إغلاق أكثر من 25 طريقًا ومفترقًا رئيسيًا في شمال الضفة خلال الأشهر الماضية، ما أدى إلى شلل اقتصادي كامل في جنين وطولكرم ونابلس.”[^3]
أما عن الواقع الصحي، فقد رصدت منظمة الصحة العالمية (WHO) في تقريرها نصف السنوي:
> “أن المستشفيات في شمال الضفة تعاني من نقص في الأدوية الحيوية بنسبة 40%، ونقص الكوادر الطبية بنسبة 32%.”[^4]
هذه الأوضاع تُترجم إلى معاناة يومية تشمل:
تعطيل آلاف الطلاب عن التعليم.
تأخير وصول المرضى للعلاج.
إغلاق مئات المحلات التجارية.
انهيار الصناعات الصغيرة والزراعية في سهل مرج ابن عامر.
ثالثًا: أزمة اقتصادية واجتماعية شاملة في الضفة
الضفة الغربية، رغم عدم خضوعها للحصار العسكري الكامل، تعاني من تفكك اقتصادي وهيمنة مالية خانقة. ويُلاحظ:
ارتفاع الأسعار بنسبة 28% خلال عام واحد فقط، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني[^5].
نسبة بطالة عامة تصل إلى 29%، ترتفع في صفوف الشباب إلى ما يفوق 40%[^6].
تغول البنوك في فرض الفوائد المركبة، وتحويل الموظفين إلى رهائن للاقتراض.
هذه السياسات أفرزت طبقة اقتصادية ضيقة مستفيدة، مقابل تآكل شامل للطبقة الوسطى، ما أدى إلى تصاعد التذمر الشعبي في الخليل وطولكرم ونابلس ورام الله وحتى المناطق المصنفة (ج) الخاضعة فعليًا لهيمنة المستوطنين.
رابعًا: المطلوب من القيادة الوطنية
فخامة الرئيس،
إننا إذ نؤمن بمكانتكم الدولية ، وتجربتكم النضالية، وقدرتكم على اتخاذ قرارات مصيرية، فإننا نناشدكم بمسؤولية وموضوعية إلى:
1. إعلان حالة طوارئ إنسانية في غزة وشمال الضفة، وتخصيص ميزانية طارئة وطنية لمعالجة الكارثة الصحية والاقتصادية، بدلاً من الاكتفاء بالإدانة اللفظية للدول أو انتظار تدخل دولي لا يأتي.
2. إعادة هيكلة السياسة الاقتصادية الداخلية، ومراجعة دور البنوك والمؤسسات المالية تحت رقابة وطنية مستقلة، تحفظ كرامة المواطن وتحاصر الجشع الاقتصادي.
3. تفعيل لجنة وطنية دائمة للأزمات في المحافظات الشمالية بإشراف رئاسي مباشر، تشرف على تنفيذ خطة طوارئ متعددة القطاعات.
4. إطلاق حوار وطني شامل لا يستثني أحدًا، تحت مظلة منظمة التحرير، لبحث إعادة بناء المشروع الوطني، بما يشمل مراجعة شاملة لمجمل الأوضاع الفلسطينية من كافة جوانبها، وخيارات ما بعد “حل الدولتين”.
5. مصارحة الشعب بالحقيقة، وخوض معركة الكرامة الوطنية بموجب خارطة طريق تعيد للشعب الفلسطيني الثقة والكرامة ونحن على يقين أن سيادتكم لن يدخر ذخرا في تحقيق المشروع الوطني والحفاظ على الثوابت الوطنية ورفض كل المخططات التي لا تلبي الطموحات المشروعة للشعب الفلسطيني وفي مقدمتها حق تقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بحدود الرابع من حزيران وعلى مرجعية قرار محكمة العدل الدولية الصادر في حزيران 2024 وقرار الشرعية الدولية وجميعها تقر بحق الشعب الفلسطيني بممارسة كافة حقوقه كاملة غير منقوصه
فخامة السيد الرئيس،
لسنا أمام أزمة عابرة، بل أمام لحظة مصيرية تهدد المشروع الوطني في جذوره. والشعب الفلسطيني، الذي صبر طويلاً، لم يعد يحتمل الإهمال، ولا يستطيع أن يقاتل وحده بينما يُترك للجوع أو للذل. وسيادتكم الأقدر على ملامسة احتياجات الشعب الفلسطيني واتخاذ القرارات المناسبة لانقاذ ما يمكن انقاذه
أنتم رأس الشرعية الفلسطينية، ورمز تمثيل الشعب، ووجودكم القيادي يحمِّلكم عبء القرار التاريخي.
وإننا نثق بأنكم لن تقبلوا أن يُسجَّل في التاريخ أن المرحلة التي كنتم فيها قائدًا، كانت نهاية الحلم الفلسطيني. لابل تحقق قيام دولة فلسطين المستقله وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين
دمتم للوطن، ولشعبنا الحق في الحياة بكرامة تحت راية موحدة.
المخلص لكم
المحامي علي أبو حبلة
رئيس تحرير صحيفة صوت العروبة
الهوامش:
[^1]: OCHA Occupied Palestinian Territory Humanitarian Update, June 2025.
[^2]: UNRWA and WFP Joint Food Security Report, May 2025.
[^3]: B’Tselem Field Updates, JuneJuly 2025.
[^4]: WHO West Bank Health Facilities Report, MidYear 2025.
[^5]: الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني تقرير التضخم السنوي، حزيران 2025.
[^6]: الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني تقرير سوق العمل، الربع الثاني 2025.