أمد/ واشنطن: نشر رجل الأعمال الأمريكي البارز جوناثان باس المقرب من الرئيس دونالد ترامب مقتطفات من اللقاء الذي جمعه بالرئيس السوري أحمد الشرع مؤخرا بالعاصمة دمشق.
ويقول جوناثان باس في مقاله الذي نشره على أعمدة صحيفة “Jewish” Journal”: “في قلب دمشق المدينة التي صمدت أمام الحصار والحزن والظلام والزمن، التقيت بالرئيس السوري المنتخب حديثا أحمد الشرع.. دار حديثنا في قصر الأسد الفخم السابق الذي أعيد تسميته الآن بقصر الشعب، في تناقض صارخ مع المباني المتواضعة المحيطة به.. دمشق هي أقدم مدينة حية حيث يهمس التاريخ من كل جدار.. كانت مكانا مناسبا لحوار ليس حول السلطة، بل حول إعادة البناء والمصالحة وعبء قيادة أمة محطمة منذ زمن طويل”.
ويضيف باس: “قال لي الشرع نحن لا نبدأ من الصفر، بل نبدأ من الأعماق.. لقد ورثنا أكثر من مجرد أنقاض.. ورثنا الصدمة وانعدام الثقة والإرهاق.. لكننا ورثنا أيضا الأمل.. هش نعم.. ولكنه حقيقي”.
ويتابع بالقول: “الرئيس الشرع الذي تولى منصبه عقب سقوط بشار الأسد، يتصرف بثقة تامة.. كلامه هادئ وكل كلمة تأتي بتأنٍ.. صوته لا يحمل أي نبرة انتصار، بل مجرد إلحاح”.
ويفيد كاتب المقال: “لعقود، حكمت سوريا بنظام خلط بين الولاء والصمت، والتعايش والكراهية، والاستقرار والقمع.. حكمت عائلة الأسد بقبضة حديدية مستخدمة الخوف والإعدامات لترسيخ سيطرتها، بينما ذبلت مؤسسات البلاد، وتحولت المعارضة إلى صراع دموي”.
ويردف بالقول: “لدى الشرع رؤية واضحة بشأن التركة التي سيرثها.. ويقول الرئيس إنه من غير النزاهة الحديث عن صفحة بيضاء.. الماضي حاضر في عيون كل إنسان، في كل شارع، في كل عائلة، لكن واجبنا الآن هو عدم تكراره حتى بصورة مخففة.. يجب أن نبتكر شيئا جديدا كليا”.
ويوضح رجل الأعمال الأمريكي البارز: “كانت خطوات الشرع المبكرة حذرة وإن كانت رمزية للغاية.. فقد أمر بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، وبادر بحوار مع جماعات المعارضة التي كانت منفية أو مكممة، وتعهد بإصلاح جهاز الأمن السوري.. تتمثل رؤيته في مجتمع نابض بالحياة، متعدد الثقافات، وتعددي.. وهو يدعم حق العودة لجميع السوريين يهودا ودروزا ومسيحيين وغيرهم ممن صودرت ممتلكاتهم في عهد نظام الأسد واقترح إنشاء وزارة مُخصصة لمعالجة مصير المفقودين والقتلى”.
وللكشف عن حقيقة المقابر الجماعية في سوريا، يدرك الشرع ضرورة الشراكة مع الولايات المتحدة لتوفير تقنيات ومعدات الطب الشرعي، بدءا من إنشاء قواعد بيانات الحمض النووي وصولا إلى ضمان تعاون المسؤولين عن الفظائع الماضية.
وينقل الكاتب على لسان الشرع قوله: “إذا كنت وحدي من يتحدث فسوريا لم تتعلم شيئا.. نحن ندعو جميع الأصوات إلى طاولة الحوار العلمانية والدينية والقبلية والأكاديمية والريفية والحضرية.. على الدولة أن تستمع الآن أكثر مما تأمر”.
لكن هل سيعود الناس إلى الثقة؟ هل سيصدقون وعود حكومة تنهض من رماد الدكتاتورية؟، أجاب الشرع: “لا أطلب الثقة، بل أطلب الصبر والتدقيق، حاسبوني، حاسبوا هذه العملية، هكذا تنبع الثقة”.
وعندما سألت الرئيس عما يحتاجه السوريون أكثر في الوقت الحالي، أجاب دون تردد: “الكرامة بالعمل.. السلام بالهدف”.
وفي المدن التي أفرغتها الحرب والقرى التي لا تزال تعاني من ندوب الصراع، لا ينادي الناس بالسياسة بل بالعودة إلى الحياة الطبيعية وفرصة إعادة بناء المنازل، وتربية الأطفال، وكسب لقمة العيش في سلام، والشرع يدرك هذا الأمر فهو يطالب ببرامج اقتصادية طارئة تركز على خلق فرص العمل في الزراعة والصناعة والبناء والخدمات العامة.
قال لي الشرع: “لم يعد الأمر يتعلق بالأيديولوجيا، بل بإعطاء الناس سببا للبقاء، وسببا للعيش، وسببا للإيمان”.
وأكد على أهمية الشراكة مع المستثمرين الإقليميين ومنح المشاريع الصغيرة للعائدين، والتدريب المهني للشباب الذين لم يعرفوا سوى الحرب.
وذكر أن الرئيس السوري قال: “لن تبنى سوريا المستقرة بالخطابات أو الشعارات بل بالأفعال في الأسواق، وفي الفصول الدراسية، وفي المزارع، وفي ورش العمل.. سنعيد بناء سلاسل التوريد. ستعود سوريا مركزًا للتجارة والتبادل التجاري”.
ووفق ناشر المقال: “تكمن وراء هذه الرؤية الاقتصادية رؤية أعمق: بعد جيل من الخسارة سئم السوريون من الصراع ويتوقون إلى السلام ليس فقط غياب الحرب، بل أيضا إلى وجود الفرص”.
وصرح الشرع: “كل شاب يعمل يقلل من خطر التطرف.. كل طفل في المدرسة هو صوت للمستقبل”.
العلاقة المستقبلية بين سوريا وإسرائيل
وفي أحد الأجزاء الأكثر حساسية من حديثنا، تناول الشرع العلاقة المستقبلية بين سوريا وإسرائيل وهو الموضوع الذي ظل يؤرق المنطقة منذ عام 1948، واشتد مع كل غارة جوية، وعملية سرية، واتهامات بالحرب بالوكالة.
وقال الشرع في السياق: “أريد أن أكون واضحا.. يجب أن ينتهي عصر القصف المتبادل الذي لا ينتهي.. لا تزدهر أي دولة عندما يسود الخوف سماؤها.. الحقيقة هي أن لدينا أعداء مشتركين ويمكننا أن نلعب دورا رئيسيا في الأمن الإقليمي”.
وحسب باس، “أعرب الشرع عن رغبته في العودة إلى روح اتفاق فك الارتباط لعام 1974 (اتفاق دوفا) ليس فقط كخط لوقف إطلاق النار ولكن كأساس لضبط النفس المتبادل وحماية المدنيين وخاصة المجتمعات الدرزية في جنوب سوريا ومرتفعات الجولان”.
وذكر الشرع خلال اللقاء وفق ما جاء في المقال: “دروز سوريا ليسوا بيادق.. إنهم مواطنون عريقة جذورهم.. مخلصون تاريخيا ويستحقون كل حماية بموجب القانون.. وسلامتهم غير قابلة للتفاوض”.
وفي حين امتنع عن اقتراح التطبيع الفوري، أشار الشرع إلى انفتاحه على محادثات مستقبلية تقوم على القانون الدولي والسيادة، مضيفا: “يجب أن يكتسب السلام بالاحترام المتبادل لا بالخوف، سنعمل حيثما وجد الصدق ومسار واضح للتعايش ونبتعد عن أي شيء أقل من ذلك”.
وأفاد الشرع في سياق الحديث الذي جمعه مع رجل الأعمال الأمريكي بأنه “مهما كانت الصورة التي يرسمها الإعلام لترامب فإنه يراه رجل سلام.. ترامب يفهم جيدا النفوذ والقوة والنتائج.. سوريا بحاجة إلى وسيط نزيه قادر على إعادة ضبط الحوار.. إذا كانت هناك إمكانية للتوافق الذي يسهم في تحقيق الاستقرار في المنطقة والأمن للولايات المتحدة وحلفائها، فأنا مستعد لإجراء هذا الحوار.. إنه الرجل الوحيد القادر على إصلاح هذه المنطقة، وجمع شملنا، خطوة بخطوة”.
وهنا يعلق جوناثان باس: “لقد كان هذا التصريح مذهلا ليس فقط بسبب صراحته، بل بسبب ما ينطوي عليه من معنى ضمنا وهو أن سوريا الجديدة لا تخشى القيام بخطوات غير تقليدية سعيا إلى تحقيق السلام والاعتراف”.
وشدد الشرع وفق باس، على أن سوريا “لن تكون بيدقا، ولن تكون حصنا منيعا.. ستكون دولة تحكم بالشرعية لا بالسيطرة فحسب.. تريد من الولايات المتحدة أن تتعاون معها في مكافحة الفساد، وبناء مؤسسات قائمة على النزاهة والشفافية”.
ويذكر الكاتب أن الكثير من السوريين لا يرون في الشرع شخصا ثائرا بل مرمّما، شخص قادر على إعادة بناء أمة أنهكتها الحرب ومزقتها الهوية، ولعل طبيعته البسيطة ورفضه لعب دور الرجل القوي رغم حياته السابقة، هي ما يجعله رجل الساعة.
وأفاد رجل الأعمال البارز بأنه وعند قرب نهاية الحديث قال له الشرع: “لم أكن أسعى لهذا المنصب لأحكم البلاد.. قبلت به لأن سوريا يجب أن تطوي الصفحة.. وأفضل المساهمة في كتابة هذا التاريخ مع آخرين على أن أراه يُمزق من جديد.. ليس أمامنا خيار سوى النجاح.. يجب أن نجعل سوريا عظيمة من جديد”.
وهنا، يوضح جوناثان قائلا: “أعتقد أن ماضيه المتطرف والعنيف علمه كيفية التعامل مع المستقبل.. يمكنك التغيير.. يمكنك النمو.. لقد تعلم من التجربة ورؤيته الثاقبة تمنحه الوضوح اللازم لصياغة ما سيأتي.. تاريخه مع التطرف جعله قادرا على الدفاع عن سوريا من الداخل ضد داعش ومن يسعون إلى تقويض التقدم الهش الجاري.. لقد تطور من الثورة إلى الحكم وأعتقد أنه قادر على قيادة المستقبل الحقيقي لهذا البلد والتأثير فيه.. إنه يريد بناء مستقبل لشعبه، وللمنطقة، ولسوريا لكي تخرج من الظلام وتأخذ مقعدها الصحيح وراء طاولة العالم”، مختتما بالقول: “الزمن وحده هو الذي سيخبرنا بذلك”.