اخر الاخبار

راتبة العشاء قبل التراويح

إن تعظيم شعائر الإسلام من أهم مقاصد أهل الإيمان، وإن الحرص على أداء الفرائض من غير نقص هو مطلوب رب العباد، وإن تسييج وحماية هذه الفرائض من الخلل أو النقص هو ما حرصت عليه شريعة الإسلام، وذلك من خلال سن مندوبات تتفاوت في قوتها بحسب تعلقها، ومن ذلك رواتب الصلاة الإثني عشر، وهي اثنان قبل ظهر، واثنان بعده، واثنان قبل العصر، واثنان بعد المغرب، واثنان قبل العشاء، واثنان بعد العشاء. وهذه الرواتب جاء الترغيب والحث على المواظبة عليها، بل وحتى قضاؤها، وهذا في الحالات العادية.

 مع حلول شهر رمضان، والبدء في صلاة التراويح، أصبح يقع خلل وحرج عند من كانوا يواظبون على هذه الرواتب، خاصة الركعتين اللتين بعد العشاء مباشرة. وما ترتب على ذلك من صراع في المساجد بين مقبل عليها ومعرض، فأقول وبالله التوفيق إن حكم الرواتب سنة، ولا شيء على من تركها، ويجوز قضاؤها. وإن الفقهاء قرروا على أنه يجوز التشريك في النية بين النوافل، إذا لم تكن تلك النافلة مقصودة لذاتها، فهي سنة مستقلة عن صلاة التراويح، وهي ليست من مطلق النوافل وإنما من الرواتب الإثني عشر.

وإن من السنن المهجورة صلاة ركعتي راتبة العشاء قبل صلاة التراويح، فالأصل أنه يترك زمنا يسير بين صلاة العشاء وصلاة التراويح ليتسنى للمصلين الإتيان بها، ولكن جرى العمل على عدم الإتيان بها، وأصبح تقام بعض المعارك الجانبية في بعض المساجد بين من يرون أنه من السنة الإتيان بها مباشرة، وبين من يرون أنها عبادة فردية، ولها متسع من الوقت، في الإتيان بها.
فما هو العمل في ظل عدم وجود فسحة للإتيان بها، وربما الدخول في خصام مع الإمام أو بعض المصلين؟

إذا كان الإمام ممن يأتي بها، فقد خرجنا من الإشكال والحرج. إذا كان الإمام لا يأتي بها، وجئتَ متأخرا، فعليك أن تصلي عشاءك ثم تصلي راتبتك، ثم تدخل مع الإمام في تراويحك. أما إذا كانت صلاة التراويح تقام مباشرة بعد العشاء، فله مسلكان: أن يقرن نية الراتبة مع ركعتي التراويح وهذا جائز. أو أن يترك الراتبة إلى ما بعد صلاة التراويح.

وأما المشهور في المذهب المالكي هو عدم الإتيان بهذه الراتبة لا قبل العشاء ولا بعده. والمسألة اجتهادية في المذهب، لأنه لم يثبت فيها سماع عن الإمام مالك رحمه الله، وسكت عنها الشيخ خليل في مختصره. قال خليل في مختصره في الفقه المالكي: (نُدب نفل وتأكد بعد مغرب كظهر وقبلها كعصر بلا حد). قال الشيخ أحمد الدردير: (بلا حد يتوقف عليه الندب بحيث لو نقص عنه أو زاد فات أصل الندب، بل يأتي بركعتين وبأربع وبست، وإن كان الأكمل ما ورد من أربع قبل الظهر وأربع بعدها، وأربع قبل العصر وست بعد المغرب).

 بها، ولكن محض السكوت ليس دليلا، وإعمال السنة القائمة، أولى من السكوت المجرد، بل يمكن أن نقول كما هو مقرر في المذهب أن السكوت إذن.

وللمالكية توجيه عزيز، هو أن صلاة الوتر، تغني عن الراتبة، إذ الوتر لا حد له، ثم يختم بركعة. وإن كان مشهور المذهب أن المقصود بالوتر، هو ثلاث ركعات فما فوق، بشرط أن تكون مختومة بوتر.

فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر: ما ترى في صلاة الليل؟ قال: “مثنى مثنى، فإذا خشي الصبح صلى واحدة، فأوترت له ما صلى”، وإنه كان يقول: “اجعلوا آخر صلاتكم وترا؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به” رواه مالك. وروى عن نافع عن بن عمر أنه كان يسلّم بين الركعتين والركعة في الوتر، حتى يأمر ببعض حاجته. (الواضحة:ص68).

إذا كان يترتب على صلاة هذه الراتبة التي فيها فسحة وهي تؤدى في المسجد أو في البيت، مقرونة مع صلاة التراويح أو بعدها، كلها لا حرج فيها، بشرط ألا يترتب على صلاتها إحداث فتنة في المسجد. وفي هذا يمكن استحضار القاعدة التي قررها ابن تيمية في كتابة “مجموع الفتاوى”، عند حديثه عن جلسة الاستراحة، فيقول: (ترك المستحب تأليفا للقلوب).

فننصح إخواننا المصلين ممن يرون بسُنية إحياء هذه السنة المهجورة، ألا يكون على حساب وحدة الصف والكلمة، فإن الإتيان بها مستحب، واجتماع كلمة المسلمين واجب، وإذا تعارض مستحب مع واجب قدم الواجب قولا واحدا، خاصة أنه من قواعد المذهب المالكي التي دعت ودفعت إلى استقراره، وهو ما يسمى بالعمليات أو بالمجاريات، وهي ما جرى العمل به في كل قطر من الأقطار.

عضو مجلس أمناء الاتحاد
العالمي لعلماء المسلمين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *