اخر الاخبار

دحلان والقواسم المشتركة: خيار المصلحة العليا للشعب الفلسطيني

أمد/ كلما طالت الحرب وتعقدت مشهدية الاحتلال، كلما ازدادت الحاجة للتوافق والتفاهم على شخصية وطنية يمكن القبول بها لقيادة المشهدية الانتقالية لمرحلة ما بعد الهدنة وجلاء الاحتلال.

إنَّ من أبجديات الحالة السياسية التي درجنا عليها بشكل عام أنَّ من يتصدر مشهد الرؤية في الحلبة النضالية هو الفصيل الأكثر قبولاً، من حيث العطاء والدعم والتعايش مع واجهة التمثيل السياسية المحركة لإدارة شؤون المرحلة، والقادرة على الخروج بشعبنا من وضعية النكبة إلى إعادة تثبيت الوجود واستحقاقاته على أرض الوطن.

وبعيداً عن التفكير العاطفي والتجربة الفصائلية المثقلة بالحزبية والأنا؛ والتي تراوحت مخرجاتها بين التفريط والحماقة، والتي أوصلت شعبنا إلى الكفر بكل ما يمت إلى هذه الفصائل؛ فإنَّ من سيطرح اسمه من الشخصيات الفلسطينية للمرحلة الانتقالية يجب أن يكون شخصية مخضرمة في عالم السياسة ولديها علاقات منفتحة على الجميع ويتمتع بإطلالات متقدمة مع دول الجوار العربي، وبإمكانه كسب صداقات المحيط الإسلامي والدولي، وما يعزز كذلك من فرص اختياراته نشأته وترعرعه في قطاع غزة، وأنه وجهٌ معروف في مشهدية الدول العربية الفاعلة في المنطقة، ولديه القدرة على استجلاب الدعم والتأييد منها، بعيداً عن الشيطنة واتهامات التطرف والإرهاب، إذ لا يمكن لإسرائيل أن تنجح في إلباسه “قبعة الشيطان” وشلّ حركته السياسية.

اليوم..

وإذا ما قلَّبنا النظر في مسميَّات الفصائل التي تملك وجوهاً مرشحة لهذا الاختيار، فإنَّ هناك أربعة منها قادرة على المنافسة وطرح الأسماء، ولكنها في الوقت نفسه وهنا مربط الفرس وبيت القصيد لن تلتقي في مربع القواسم المشتركة، بسبب اتساع مساحة التباعد والتلاعن والخلاف.

وعليه؛ فإنَّ الشخص الذي يمكن أن تتقبله منطقة القواسم المشتركة في حسابات وأجندات كلِّ طرف، والقدرة على احتواء تباينات المزاجيات السياسية العامة هو من وجهة نظري النائب والسياسي السابق محمد دحلان.

صحيحٌ، إنَّ دحلان الذي خرج بتياره الواسع والنخبوي من حركة فتح، وشكَّل واجهة من كوادر وعظام رقبة حركة فتح، بعضها ظهر من خلال التيار الإصلاحي الديمقراطي الذي يقوده النائب المخضرم محمد دحلان، ويوجه سياساته القيادِي في التيار سمير المشهراوي، وهناك المئات من النخب الفتحاوية الأخرى التي تخفي ولاءها لدحلان، ولكنَّ عزائمها إذا جدَّ الجد تميل إلى جانبه.

في الحقيقة، إنَّ التيار الإصلاحي الديمقراطي اليوم، وبما أظهره من همَّة وتحرك في سياق الجهود الإنسانية والإغاثية، التي أبرزت طاقته التنظيمية وحيويته العالية، غدا يتمدد سراً بين شرائح فتح وقلاعها الواسعة، التي تشرذمت وصارت لها عدة هياكل وعناوين تطل من خلالها عبر خطاباتها السياسية.

صحيح؛ أن فتح أبو مازن ما تزال بيدها مفاتيح القلعة، وأنَّ الكثير من منتسبيها لم يخلعوا العباءة التي فرضتها السلطة كزي رسمي، ويفرض عليها أبو مازن نفسه كرئيسٍ حتى الممات!

في الواقع، إنَّ هذا التيار الفتحاوي الواسع ليس لديه إشكالية حقيقية مع دحلان.

إنَّ دحلان ولمن يعرفونه، لن يتخلى عن فتحاويته، وهو حريص أشد الحرص على جمع الشمل الفتحاوي في إطار الواجهة التي تجمع المشهد الوطني، بعيداً عن أيدولوجيات الدين والسياسة وتوطيداً للهوية الوطنية.

لا شك أن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ليس له خلاف مع دحلان كأحد أبرز وجوه السياسة، وهو ومنذ خلافه مع الرئيس عباس واضطراره للخروج إلى الإمارات، وتكريس جهده بين المواقف السياسية التي كان يطلقها لإصلاح ذات البين بين الفصائل الفلسطينية وبين حشد الدعم للأعمال الإنسانية للمؤسسات التعليمية والصحية والإغاثية.

دحلان اليوم؛ هو الرجل الذي أحال تياره الإصلاحي إلى واجهات متفرغة لأداء واجهها الإنساني في إغاثة مئات آلاف النازحين من شمال القطاع إلى جنوبه، عبر الكثير من الحملات والقوافل التي تحمل المساعدات من الطعام والشراب وكلِّ مستلزمات الإيواء من خيام وملابس وبطاطين وفرشات، وتقديم العلاج للمرضى والجرحى، وإيصال الدواء للمشافي والنقاط الطبية.

في مشهدية ساحات الأيواء لا تغيب اعلام الإمارات عن تجمعات الخيام، وأيضاً عن التكايا التي تمدها بالطعام، ومراكز توزيع الخبز، هذا فضل يحسب في أكثره لدحلان ولدولة الامارات التي تصدرت ومنذ بدء الحرب على غزة حملات الإغاثة لتعزيز صمود شعبنا وإسناده في وجه سياسة التجويع والحصار.

من المعروف أن إسرائيل ومن يقف خلفها من الأمريكان وبعض دول الغرب، لن تسمح لحركة حماس أن تعاود رسم المشهد السياسي والميداني من جديد.

 إن على حركة حماس أن تكون من الذكاء للخروج بواجهة سياسية تُخذِّل عنها وتخرجها من دائرة المطاردة والتضييق  الدولي الملاحق لها لشطبها من خارطة العمل السياسي المقاوم.

في اعتقادي إن دحلان لم يكن أكثر من خصم سياسي مع حماس،

وهذه الخصومة مقدور عليها في ظل التآمر الكبير لشطب قضية فلسطين. 

إنَّ حماس لن تكون عقبة في وجه دحلان، فقد جرت مياه كثيرة عبر نهر الخلاف تمَّ تجاوزها، وتعززت بعدها صداقات التيار الإصلاحي مع حركة حماس، بل  إنَّ التقارب في الرؤية ضمن إحداثيات القواسم المشتركة والأهداف الاستراتيجية قد تعاظمت.

وبناء على ذلك، فإن المرحلة الانتقالية إذا جاءت بدحلان كخيار فصائلي وشعبي ستشجع استعداد دحلان لتحمل المسؤولية بأمانة وطنية، والعمل على تهيئة الساحة إذا ما استقرت الأمور لانتخابات وطنية حرة لا قبضة للاحتلال عليها.

إن الذي يؤهل دحلان أكثر من غيره اليوم، كونه أصبح رجل دولة، وشخصية واقعية في قراءاتها للسياسة، ويحظى بعلاقات عربية رسمية، وليس لدى الأعداء ما يُمكِّنهم من شيطنته، كما سبق أن نجحوا مع عرفات وقيادات حركة حماس.

ختاماً..  فيما قمة الرياض والقمة العربية على الأبواب، والطروحات لشكل اليوم التالي أو الرؤية العربية لمثل هذا الطرح ستكون ضمن الأولويات، فإن اختيار الشخصية التي ستدير المشهد السياسي والأمني وتحقيق الاستقرار ومباشرة إعادة الإعمار سيتم تداولها خلال تلك اللقاءات وخاصة في قمة الرياض.

إنَّ من واجبنا كنخب فكرية وسياسية وفصائل وتيارات فلسطينية، أن يكون لنا صوتٌ في تحديد هوية الشخص الذي سيتم اختياره للمرحلة الانتقالية، وإن كانت الخيارات كما ذكرنا تدور حول شخصين أو ثلاثة، أبرزهم في سياق الأفضليات هو النائب محمد دحلان؛ باعتبار أنَّ رؤيته الوطنية وانفتاحه على الكلِّ الفلسطيني وعلاقاته العربية الواسعة مع مصر ودول الخليج، والقبول الدولي تمثل قاسماً مشتركاً، يمكن أن يلتقي حوله الجميع، على النهج الذي قامت عليه منظمة التحرير الفلسطينية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *