خلق صناعة كروية بالمغرب.. مركز دراسات يقدم تصوره للمشروع اليوم 24
أعد مركز أوميغا للأبحاث الإقتصادية والجيوسياسية ورقة تحليلية حول مشروع خلق صناعة كروية بالمغرب، ويؤكد المركز على ضرورة وضع آليات مسبقة لتقنين الممارسة ورفع مستواها قبل إطلاق هذا المشروع الكبير بعد أربعة أشهر.
فيما يلي نص الورقة:
ثورة كروية قادمة.. من الهواية إلى الصناعة
منذ سنوات انتقلت كرة القدم من الهواية المبنية على الفرجة إلى صناعة قائمة بذاتها تتوخى التسويق والربح دون أن تفرط في مادتها الخام ألا وهي الفرجة. في أوروبا وبدرجة أقل بأمريكا اللاتينية، صار النادي مقاولة مدرجة بالبورصة يمتلك مستثمرون جزء من أسهمها، ولعله الأغلبية، فيما يتبقى جزء قيد التداول الحر بالسوق المالي مفتوح للعموم وللمستثمرين الصغار. المقاولةالنادي تضم كل مقومات الشركات العصرية من امتلاك أصول عبارة عن بُنى تحتية رياضية و عقارات تدر أموالاً لدعم الأصول. و التفاصيل صارت كتاباً مكشوفاً بإمكان الجميع أن يطلع عليها و الإقتداء بما هو إيجابي فيها عند الحاجة.
بالمغرب، كانت هناك رغبة سياسية من أعلى سلطة في البلد للإنتقال بالكرة المغربية من الهواية للإحتراف عبر مراحل، و لتلك الغاية تم إخراج قانون للوجود هو قانون 3009 سنة 2009 أي سنة واحدة بعد الرسالة الملكية الشهيرة للعام 2008.
هذا السياق العام مهم و لابد من استحضاره لفهم مآلات الإحتراف والأرضية التي يجب أن يُبنى عليها. وهنا سنعرض للمشروع الكروي الكبير الذي سيرى النور بعد نهاية الموسم الكروي أي في يوليوز 2024، لكن قبل ذلك لابد أن نضع المتلقي في الصورة بخصوص الشركة الرياضية للأندية، بين ما نص عليه قانون 3009 وبين الواقع الذي تعيشه جل الأندية المغربية لنفهم جيداً في أي محيط سيتم إطلاق المشروع الثوري للتكوين و لتدبير الفئات الصغرى و تقييم حظوظ نجاحه .
حتمية الإنفتاح على الإستثمار الرياضي
في سنة 2009 تم إطلاق قانون 3009 و الذي ينص باختصار شديد على ضرورة خلق شركات رياضية من طرف أندية كرة القدم الإحترافية هدفها تدبير الفريق الأول و ترك تدبير الفئات الصغرى للجمعية الرياضية. و قد وقع ارتباك بين النسختين العربية و الفرنسية. ففي الأولى نفهم أن الشركة الرياضية بإمكانها اقتناء ثلثي حصص النادي و يبقى الثلث للجمعية فيما النسخة الفرنسية تشير ل 70% للشركة و 30% للجمعية. و رغم مرور 15 سنة على هذا القانون لم يتم تعديل النسخة الفرنسية لتتطابق مع النسخة العربية التي هي الأصل (اللغة الرسمية).
لكن يبقى هذا تفصيل صغير أمام أهمية جوهر القانون الذي يُجبِر الأندية للإنتقال لمرحلة الشركة الرياضية. إلا أن الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم سواء على عهد علي الفاسي الفهري أو فوزي لقجع وجدت صعوبة كبيرة في إقناع الأندية بهذا الإصلاح.
فرؤساء الأندية وهم المصوتون على أي انتخابات في الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، بحكم أنهم أعضاء هذه الجمعية، كانوا يمارسون ضغطاً رهيباً لعدم تطبيق هذا القانون. وحتى لما فهموا أن لا مناص من ذلك، لجأوا لطريقةِ التسويف والتماطل مما جعل رئيس الجامعة سنة 2017 يحدد تاريخ نهاية دجنبر 2017 لتطبيقه وإلا أنزل عقوبات بالأندية المخالفة. وابتداء من العام 2018 تم تقريباً تعميم الشركات الريياضية داخل الأندية لكن بطريقة مختلفة عما ينص عليه قانون 3009.
فإذا كان هذا الأخير قد مهد الطريق للمستثمرين للدخول لهذا المجال لتطويره و رفع مستواه، فإن رؤساء الأندية لجأوا لطريقة أخرى هي خلق شركات رياضية تملك الجمعية غالبية أسهمها حتى لا يفقد رئيس النادي (الجمعية) السيطرة و المبادرة. تولد عن ذلك فوضى عرفتها ومازالت تعرفها بعض الأندية و ذلك عندما يغادر رئيس النادي منصبه و يرفض أن يسلم الشركة الرياضية مما خلق عدة مشاكل للعديد من الاندية بلغ بعضها “البلوكاج” التام و إعاقة السير العادي للنادي.
إن الحل لهذا التعارض و هذا الوضع الذي يجر الأندية المغربية إلى مستنقع الهواية عوض رفعها إلى مستوى الإحتراف الحقيقي هو التطبيق السليم لقانون 3009. لكن هذا المَخرج الكفيل برفع مستوى الأندية إلى مستوى نظيرتها الأوروبية كما كانت عليه قبل ثلاثين سنة و أكثر، يتطلب و ضع لبِنات ذلك و هي أُسس لامناص منها للوصول لصناعة كروية حقيقية و لتقليص فارق الثلاثين سنة و نيف التي تبعدنا عن المستوى الأوروبي.
لاشك أن أولى معضلات تسيير الأندية المغربية هي الحكامة التي تعتبر أم الإشكاليات. فمهما وُضِعت القوانين و شيدت البُنى التحتية وتم توفير الرساميل اللازمة، ففي غياب تدبير ناجع و شفافية كاملة و ضوابط محددة، لن تُحل المعضلة. من هذا المنطلق لابد من توفير بعض شروط النجاح قبل التنزيل الكامل لقانون 3009:
1 إنهاء حقبة التدبير الفردي الذي يعتمد على الشخصنة بوضع دفتر تحملات ل “بروفايل الرئيس” تتضمن ضمانات النجاح في التدبير (وليس في النتائج) حتى يتم إبعاد بعض النماذج و القطع مع التسيير العشوائي. الهدف هو بلوغ أطر مُكونة جيداً لرئاسة الأندية مما يمكنها من استيعاب و مواكبة كل مشاريع تطوير الكرة المغربية على اعتبار رؤساء الأندية شركاء في التسيير العام للكرة المغربية بحكم عضويتهم في الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم..
2 سن قانون اللعب النظيف الذي يحدد سقف مصاريف الأندية حسب مداخيلها و يمنع بالتالي ظاهرة “الإنتدابات” العشوائية و التي تحكمها أحياناً ممارسات غير مسؤولة، و يؤطر عقودها بمعايير محددة و ضوابط زجرية تُبعد بعض الوكلاء “المفترسين” الذين يفسدون اللعبة.
3 في إطار تطوير المنتوج الكروي و اعتباره أحد روافد القوة الناعمة لإشعاع المملكة، يمكن للحكومة أن تقدم مبادرة للدعم المالي، على غرار ما قامت به اتجاه قطاع الصحافة. و تعتبر كرة القدم محظوظة مادام المشرف الأول عليها هو نفسه وزير الميزانية مما قد يسهل جرداً شاملاً من متأخرات الضرائب من أجل إلغائها بشكل كامل والإنكباب على مديونية الأندية لتسديدها مقابل التزام الأندية لخريطة الطريق الجديدة.
ويذكر أن الحكومة قد خصصت لقطاع الصحافة بين 2020 و 2023 حوالي 700 مليون درهم فيما مجموع ديون الأندية المغربية في حدود 300 مليون درهم. الهدف هو انطلاق الأندية في أفق بداية الموسم المقبل بصفحة بيضاء لكن بشروط صارمة في الحكامة في انتظار الإنتقال للمرحلة الثانية القاضية باستقطاب مستثمرين للأندية.
4 الإنفتاح على المستثمرين المغاربة و الأجانب من خلال الصناديق الإستثمارية و شركات توظيف رؤوس الأموال بهدف التطبيق الكامل لقانون 3009 الذي يخول للمستثمرين تسيير الفريق الأول من الألف للياء و تخويل الجمعية تسيير الفئات الصغرى. دخول المستثمرين للأندية بهذه الطريقة هو الذي سيضع حداً لنظام المنخرطين الذي أبان عن محدوديته و جعل بعض الأندية رهينة بيد بعض “محترفي” الإنخراط! بالطبع الإنتقال لهذا النظام يقتدي التدرج و بالتالي بالإمكان الإنطلاق بمرحلة تجريبية بناديين أو ثلاثة قبل التعميم.
بهذه الطريقة فقط سيكون بإمكان الأندية المغربية الإنتقال للإحتراف الحقيقي و البصم على بداية مرحلة “الصناعة الكروية” التي تعتمد على التكوين الرفيع الذي ينتج عشرات بل مئات الجواهر الكروية و التي بإمكانها أن تشكل المدخول الرئيسي للأندية و حتى مورداً للعملة الصعبة للبلد على غرار بعض دول أمريكا الجنوبية.
الصناعة تبدأ من القاعدة
الإنتقال من وضعية احتراف مقنع لاحتراف كامل شبيه بالأنظمة الكروية الأوروبية يقتضي البدء من القاعدة، لأن أي قَلْبٍ لهرم الأولويات من شأنه أن يجعل بلوغ أهداف هذا التحول صعباً إن لم يكن مستحيلاً. لذلك لا مناص من الإشتغال على تكوين الفئات الصغرى في إطارٍ منظم بعيد عن العشوائية، يعتمد على أحدث مناهج التكوين الرياضي العلمي و موارد بشرية فائقة التكوين البيداغوجي و التقني مع تحمل ما يقتضيه ذلك من مصاريف كبيرة.
و هنا لا بد من الحديث عن المشروع الذي قد يُطلق بعد نهاية الموسم الحالي والذي يخص تفويت قطاع التكوين لشركات خاصة. و لفهم هذا المشروع جيداً لابد من وضعه في سياقه.
لقد كانت مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط OCP سباقة للإشتغال على هذه المبادرة قبل سنتين و الهدف هو رفع مستوى التأهيل البشري لدى الفرق المحتَضَنة من طرف المكتب و هي الدفاع الحسني الجديدي و أولمبيك آسفي و أولمبيك خريبكة. بعد ذلك، اشتغل المكتب مع الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم على تعميم التجربة مع إشراك شركات خاصة و ربما عمومية تحدو حدو OCP مع أندية أخرى.
للتذكير، أنشأ مكتب OCP شركة رياضية خاصة منذ العام 2022 بمكتب مديري يديره مدير عام و بهيكلة تنظيمية تضاهي أكثر الشركات تنظيماً. و قد وضع المكتب رهن الشركة كافة الإمكانات المادية لتأمين تدبير ناجع.
وهكذا تم تخصيص حوالي 400 مليون درهم بين رأسمال اجتماعي و استثمار أولي خاص بالأندية الثلاثة السالفة الذكر، وهو غلاف مالي قابل للإرتفاع حسب تقدم المشروع. كما تم وضع خارطة طريق واضحة المعالم لإنجاح التجربة من مختلف المناحي. وقد اشتغل مكتب OCP مع جامعة الكرة، من خلال عشرات الإجتماعات التقنية، على خلق نموذج يمكن استنساخه من طرف شركات أخرى و باقي الأندية في أفق تعميمه. يتعلق الأمر بتعاقد بين النادي و الشركة يفوت الطرف الأول للطرف الثاني تدبير شؤون الفئات الصغرى بكل مناحيها البشرية و التقنية واللوجستيكية و المالية، بواسطة عقد يحدد التزامات و حقوق كل طرف.
ودون الخوض في التفاصيل الصغيرة، فمن الهام أن نذكر أن النادي لن يفقد فئاته الصغرى بشكل تام بموجب هذا العقد، و إنما ستكون له أولوية التعاقد مع خريجي الشركة الرياضية مقابل عقد احترافي بمبلغ رمزي قدره 300 ألف درهم، و تحتفظ الشركة بـ25% من حقوق تفويت اللاعب بعد ذلك لأي نادي، و ستشكل هذا الموارد غالبية مداخيل الشركة لتمويل أنشطتها.
وإذا كنا نعرف أن الإستثمار على تكوين اللاعبين جد مكلف لأنه يتم على المدى المتوسط و البعيد و قد يمتد حتى لعشر سنوات بالنسبة لطفل عمره تسع سنوات، فإن ذلك يعني أن هذه الشركات عليها أن تستثمر مع انتظار جني المكاسب على المدى البعيد، و هذا ليس مُتاحاً لجميع المؤسسات. لذلك سيكون على بعض شركات القطاع العام أن تحدو حذو مجموعة OCP بالإستثمار في هذه العملية كخدمة عمومية علها تعطي المثال لتلحق بها شركات القطاع الخاص الباحثة عن النجاعة و الربح في الآن ذاته.
بهذه العملية، ستطلق الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بمعية شركائها ثورة حقيقية في منظومة الأندية شريطة إحاطتها بشروط النجاح كما أسلفنا و الدفع بتدبير الفرق الأولى لاعتماد منهجية تسييرية عصرية لتفادي خلق شرخ بين تدبير الفئات الصغرى من طرف شركات خاصة و تدبيرٍ للفرق الأولى غارقٍ في الهواية.
هذا النموذج سيجعل الأندية المغربية تقتني جواهر مغربية شابة في بداية مسارها و بتكوين عالي و بأثمانٍ بخسة عوض الإعتماد على شراء لاعبين من جنوب الصحراء و من دول المغرب العربي بمبالغ كبيرة و بمردودية ضعيفة في جل الصفقات مما يؤثر على الميزانيات العامة للأندية و يرفع مديونيتها لمستويات قياسية. الإنطلاقة العملية لهذا المشروع الضخم ستتم شهر يوليوز القادم ليتم تفعيلها ابتداء من الموسم الكروي القادم 20242025.