أمد/ شهدت أروقة الأمم المتحدة مؤخرًا حراكًا سياسيًا لافتًا، تمثل في سلسلة اجتماعات قادها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع قادة دول عربية وإسلامية، تزامنًا مع مكالمة هاتفية جمعته برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. هذه التطورات تطرح تساؤلات جادة حول فرص إنهاء الحرب على غزة أو تحقيق الأهداف الإسرائيلية المعلنة، وفي مقدمتها القضاء على حركة حماس وإطلاق سراح الرهائن.
فقد التقى ترامب في 23 سبتمبر بقادة من السعودية وقطر والإمارات ومصر والأردن وتركيا وإندونيسيا وباكستان، حيث عرض “خطة من 21 نقطة” تضمنت:
· وقفًا لإطلاق النار لعدة أسابيع.
· انسحابًا تدريجيًا للجيش الإسرائيلي من غزة.
· نشر قوات أمن مشتركة فلسطينيةعربية ودولية.
· تمويلًا إقليميًا لإعادة الإعمار.
· دورًا محدودًا للسلطة الفلسطينية.
كما شدد ترامب على رفضه أي خطوات إسرائيلية لضم الضفة الغربية، معتبرًا ذلك “خطًا أحمر”، ثم أجرى مكالمة مع نتنياهو أكد فيها أن “الصفقة قريبة جدًا”، محذرًا من مغبة المضي في ضم الضفة.
لاقت الخطة ترحيبًا عربيًا وتشددًا إسرائيليًا
حيث رحبت الدول العربية والإسلامية المشاركة في الاجتماع بالخطة وأكدت على أولوية وقف الهجمات الإسرائيلية وتكثيف المساعدات الإنسانية.
الموقف العربي والإسلامي جاء مرحبًا حيث وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اللقاء بـ”المثمر”، بينما أشاد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بجهود الوساطة الأمريكية ورأى فيها ما يمكن “البناء عليه”؛ من جهته اعتبر المبعوث الأمريكي ستيفن ويتكوف الخطة بالجدية، متوقعًا “اختراقًا قريبًا”.
في المقابل الموقف الإسرائيلي ظل أكثر تشددًا، ففي خطابه أمام الجمعية العامة في 26 سبتمبر، أصر نتنياهو على استكمال المهمة العسكرية في غزة، ورأت أوساط حكومية أن الخطة تصلح لإطار “اليوم التالي”، لكنها تتعارض مع التزامات نتنياهو تجاه قاعدته السياسية المتمسكة بالقضاء الكامل على حماس وبمخططات الضم.
بعد هذه الجولة من المحادثات، يُطرح سؤال هام حول فرص نجاح الخطة والتحديات التي قد تعيقها.
أولاً: عوامل قد تعزز النجاح
* تستند الخطة إلى عناصر تتقاطع مع مقترحات أممية سابقة.
* تستفيد من ضغوط دولية متنامية على إسرائيل، خاصة بعد اعتراف دول غربية وازنة بالدولة الفلسطينية.
* مقترحات حماس غير الرسمية حول هدنة طويلة مقابل إطلاق الرهائن تعزز إمكانية التوصل إلى تسوية مؤقتة.
ثانيًا: عقبات كبرى تواجه التنفيذ
* رفض حماس لأي تسوية تستثنيها من المشهد السياسي في غزة.
* تمسك نتنياهو بالعمل العسكري رغم الخسائر البشرية الهائلة واقتراب نهاية العام الثاني للحرب.
* طبيعة الحكومة الإسرائيلية اليمينية والمعتقدات الأيديولوجية لنتنياهو تشكل عائقًا أمام تقديم تنازلات جوهرية.
بناءً على ما سبق، فإن فرص التوصل إلى اتفاق يُنهي الحرب تبدو متعادلة نسبيًا، أما فرص تحقيق “النجاح الكامل” بالمفهوم الإسرائيلي أي القضاء على حماس فلا تتخطى الحدود الدنيا في القياس العشري، وعليه فإن مصير المبادرة يرتبط إلى حد كبير بنتائج اللقاء المرتقب بين ترامب ونتنياهو.
في المحصلة، ورغم أن محادثات ترامب الأخيرة تمثل دفعة دبلوماسية نادرة، إلا أن نجاحها يظل رهينًا بتنازلات إسرائيلية غير مرجحة في الوقت الراهن، وبقبول حماس الخروج من المشهد السياسي.
ومع استمرار الحرب على الأرض، تستمر معاناة المدنيين في غزة، فيما يبدو أن أي تغيير جذري مرهون بتدخل أميركي حقيقي وجاد وضغط دولي أوسع في المرحلة المقبلة.