خرجات “تكهرب” محور الجزائر باريس
أثارت تصريحات وزير الخارجية الفرنسي، ستيفان سيجورني، حول موقف بلاده تجاه قضية احتلال المغرب للصحراء الغربية، قراءات بأنها قد تشكل انحيازا نسبيا للرواية المغربية القائمة على مقترح الحكم الذاتي، وخروج عن نص جزئي عن الموقف الفرنسي تجاه النزاع القائم منذ نصف قرن ومطروح كقضية تصفية استعمار في مؤسسات منظمة الأمم المتحدة، ما جعلها بمثابة تهديد جديد أو عنصر مثبط للعلاقات بين باريس والجزائر التي تعود تدريجيا إلى طبيعتها، بعد سلسلة توترات متتالية وضعتها في الثلاجة.
وذكر ممثل الدبلوماسية الفرنسية في لقاء تلفزيوني بكوت ديفوار، ردا على سؤال حول مدى تقدم موقف فرنسا تجاه القضية الصحراوية، أنه يعترف بأن المغرب يقوم بتنمية تلك المنطقة، بل ندعمه في ذلك وبشكل مباشر وقد أوفدنا متعاملين عموميين يعملون على المساهمة في التنمية”، مضيفا أن الشق الدبلوماسي يبقى من صلاحية قادة البلدين.
وبقدر ما خلّفت التصريحات انزعاجا في القيادة السياسية الصحراوية وجبهة البوليزاريو، التي اعتبرته انحيازا ومؤشرا على وجود استعداد وتوجّه للسير على خطى إسبانيا، بقدر ما أثار قراءات حول مدى تأثر العلاقات الجزائرية الفرنسية بطريقة تعاطي الوزير الفرنسي مع المسألة الصحراوية.
ومن وجهة نظر تحليلية، استبعد الأستاذ الجامعي والبرلماني السابق عن جنوب فرنسا، عبد القادر حدوش، أن يكون للتصريح أثرا عميقا أو ملحوظا على العلاقات بين الجزائر وباريس، باعتبار أن الوزير سيجورني ليس بالوزن والثقل الذي يمثّله وزراء خارجية سابقين من مستوى إيف لودريان وغيره من المخضرمين، مشيرا إلى ماكرون هو الكل في مثل هذه المسائل حاليا.
وأفاد الناشط السياسي في اتصال مع “”، أمس، بأن الجزائر لا تتأثر بهكذا تصريحات كونها تتمتع بباع طويل ومعروف في الدفاع عن القضايا العادلة ومن البلدان البارزة في حركة عدم الانحياز، وبالتالي، فإنها، في منظور المتحدث، تفرّق جيدا بين تصريحات عابرة لوزير ومواقف الدول وإدارتها لملفات بهذه الأهمية والأبعاد الدولية.
وأوضح حدوش أن هناك دوائر في الحكومة الفرنسية تنزعج من أي تقارب بين الجزائر وفرنسا، في حين ثمة دوائر تعمل وترتاح لكل ما من شأنه أن يقرّب بين العاصمتين والضفتين، نافيا أن ترتبط هذه التيارات بالضرورة بالثنائية التقليدية يمين ويسار.
والمصلحة بين العاصمتين في نظر البرلماني السابق، تقتضي أن تكون العلاقات هادئة وليست شعبوية، مشيرا إلى أن تصريحات الوزير لا تخرج عن كونها محاولة لكسب ود القصر الملكي لا غير ولا تغيّر من الواقع شيئا، بدليل أن الدبلوماسي الفرنسي أقرّ بأن تحديد الموقف أو الحديث عن الأمر من منطلق دبلوماسي من صلاحيات رئيس البلاد.
ابتزاز ومقايضة
وتفاعل ممثل جبهة البوليزاريو بالهيئات الأممية بأوروبا وجنيف، أبي بشرايا، مع التصريحات، وربطها بالانقلاب الذي حدث في موقف الحكومة الاسبانية بقيادة سانشيز، التي انتقلت من الحياد وترجيح القرار الأممي، إلى دعم مقترح الحكم الذاتي الذي يطرحه النظام المغربي.
واعتبر بشرايا أن تصريحات الخارجية الفرنسية هي بمثابة “ابتزاز مغربي لفرنسا من أجل السير على خطى جارتها الغربية، مشيرا إلى أن الثمن المطلوب دائما هو تغيير الموقف من النزاع في الصحراء الغربية وليس بالتقسيط وإنما بالجملة وبشكل جذري”.
واعتبر الدبلوماسي الصحراوي، أن ما جاء على لسان سيجورني “يحمل على الاعتقاد بأن ثمن عودة العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها، قد يقابله أو يكون مشروطا بإعلان عن تغيير جذري وبالجملة في موقف فرنسا من النزاع في الصحراء الغربية”، في إشارة منه إلى أن النظام المغربي يريد مقايضة جودة علاقاته مع قصر الإليزيه بموقف نهائي يتعدى حدود دعم ما يسمى بمبادرة “الحكم الذاتي” خلال زيارة الرئيس الفرنسي المبرمجة إلى الرباط سبتمبر القادم، وفق تغريدة لبشرايا على موقع “إكس”.
أما من الجانب الفرنسي، يمكن تسميته أو تصنيفه، وفق مراقبين، ضمن سلوك ابتزاز سياسي في إدارة باريس لعلاقاتها مع الجزائر. وعدد بشرايا ثلاثة عوامل تساعد على إذعان باريس للابتزاز والمقايضة المغربية، في مقدمتها تسارع وتيرة تقلّص وانحسار نفوذ فرنسا في منطقة غرب إفريقيا بشكل غير مسبوق، مما يجعل من التمسك بالمغرب كقاعدة متقدمة لإعادة ترتيب أوراقها وتموقعها الإقليمي أولوية ملحة. ومن الظروف المساعدة أيضا، وفق قراءة الدبلوماسي الصحراوي، أن الإعلان عن موقف أو اعتراف بمطالب المغرب التوسعية في الصحراء الغربية، يُساهم في مواصلة الضغط على الوسيط الأممي ستافان دي ميستورا في أفق موعدي أفريل وأكتوبر 2024، وإجباره إما إلى قبول “لاءات” الرباط الثلاث أو دفعه إلى الاستقالة، وهو ما بات يسعى إليه المغرب أيضا بعد الفشل في ترويضه.
وثالث العوامل في نظر القيادي في جبهة البوليزاريو، هو استخدام ورقة الاستثمارات الفرنسية في الإقليم والاعتراف بالأمر الاستعماري الواقع ومدى إمكانية خلقه سياقاً سياسياً وإعلامياً للتأثير على قرار محكمة العدل الأوروبية المرتقب الأشهر القادمة.