أمد/ ي الثاني والعشرين من مايو عام 1990م لم يكن اليمنيون على موعدٍ مع حدثٍ سياسيٍ عابرٍ وإنما مع لحظةٍ تاريخيةٍ نادرةٍ تجسدت فيها إرادةُ شعبٍ أنهكتهُ الحروبُ والانقساماتُ، وتاقت روحهُ إلى وطنٍ واحدٍ، علمٍ واحدٍ، وهويةٍ لا تتشظى، فاجتمع الشطرانِ الشمالي والجنوبيُ على مائدةِ الوحدةِ من باب الشراكة وليس الغلبة…كلاهما أنهكتهُ التجاربُ فكانت الوحدةُ أملًا في الخلاصِ والقوة لا صفقةً لتصفيةِ الحسابات.
لكن ما الذي حدثَ بعد ذلك؟ وكيف تحوّلَ الحلمُ إلى خصومةٍ، والشراكة إلى اتهامٍ، والوحدة إلى تهمة؟
من المؤلمِ أن يُساءُ فهمِ من يتمسّكَ بالوحدةِ لا طمعًا بل إيمانًا وحُبا.. أن يُرمى من احتضنَ الشريكُ، وفتحَ له الأبواب، ومنحهُ اسمهُ وجوازهُ ومكانتهُ قبل الوحدةِ أصلاً معتبراً أنهُ أخٌ عزيزٌ حتى لو فرقتهما الحدود الاستعماريةُ فيُكافأُ من أخيهِ الآخر وكأنهُ محتلٌ ومستعمرٌ كما يُسمى اليوم! من المؤلم أن يتناسى البعضُ أن الجنوبَ هو من طرق بابَ الوحدةِ حين ضاقت به السبلُ، وتوقفت عنهُ المعوناتُ، وانكفأ عليهِ الزمن، ففي عام 1990م كان الجنوبُ يرزحُ تحت أعباءٍ اقتصاديةٍ خانقةٍ بعد أن جفّ معينُ الدعمِ السوفييتي بينما كان الشمالُ ينعمُ بالاستقرار السياسي والاقتصادي لكنهُ فتحَ ذراعيهِ لا ليبتلعَ بل ليحتضنَ ويحتوي.
لقد دخل الجنوبُ الوحدةَ مثقلًا بالديونِ بينما كانتِ الجمهوريةُ العربية اليمنية تتحملُ عبء إعادةَ البناءِ، وتوحيدِ المؤسساتِ، ودمجَ الأنظمةِ المتباينةِ سياسيًا واقتصاديًا، وتسديد ما على الأخوة بالجنوب من ديونٍ وأعباء، ومع ذلك لم يُنظر إلى الجنوبِ كضيفٍ وإنما شريكٌ أصيل… بدليلِ إن الجوازَ اليمني الشمالي كان هو المعبر الوحيد لأبناء الجنوب إلى العالم حتى قبل الوحدة، ومع هذا لم يُمنّ الشمال، ولم يتفاخر بل على العكسِ تماماً اعتبر الوحدة استحقاقًا وطنيًا لا مِنّةَ فيهِ واحتواءً لاستكمال اللحمة.
واليوم بعد أن استقرتِ الأرضُ، وامتلأت الخزائن وهي خاويةُ (لأنها ملكٌ خاص لمن يروجون ويحرضون على الوحدة)، واشتد العودُ نُفاجأ بمن يرفع رايةَ الانفصالِ، ويعيدُ إنتاجَ خطابَ التشطيرِ، بل ويُشيطنُ الوحدةَ، ويصفُها بالاحتلالِ… أي احتلالٍ هذا الذي جاء بطلبٍ منكم؟ أي استعمارٍ هذا الذي منحكم اسمهُ، واحتضنكم حين كنتم في عزلةٍ عن العالم؟ أي منطقٍ هذا الذي يُكافئُ الوفاءُ بالخيانةِ، والاحتواءُ بالشتيمة؟

نحن لا نتمسكُ بالوحدةِ لأننا عاجزونَ عن الفكاكِ أو سنموتُ من دونكم، بل لأننا نؤمنُ بها… نؤمن أن اليمن لا يُختزلُ في شطرٍ، ولا يُبنى على نزقِ اللحظةِ… نؤمنُ أن من لا يرى في الوحدةِ شَرفًا لا يستحقُ أن يكون شريكًا فيها، فلتذهبوا بوحدتكم التي لم تفهموها، ولتأخذوا معكم أوهامكم.. أما نحنُ فسنظلُ نكتبُ اسم اليمنِ كاملًا.. اليمنِ الذي انكرتموهُ وصِرتم تسمونَ أنفسكم الجنوبَ العربي! فعن أي جنوبٍ تتحدثون وما قبل الثاني والعشرون من مايو المجيد كنتم جمهوريةَ اليمنِ الديمقراطيةَ الشعبية فكيف تنكرون يَمنيتكم رضاءً لطامعٍ أو مرتزقٍ مُستفيد.. فلتعلموا أننا لن نكتبها بنصفِ قلبٍ، ولا بنصفِ خريطةٍ حتى لو فعلتم.. وتأكدوا أنكم إخواننا برغمكم وان اليمن كبيرٌ بكم أو بدونكم.

شاركها.