أمد/ حين يدعو رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ إلى صياغة الخطة الخمسية الخامسة عشرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، فإنه لا يطلق شعارات، ولا يبحث عن واجهةٍ إعلامية، بل يضع العقلَ التخطيطي للدولة في قلب الفعل التنفيذي، مستنداً إلى رؤية شاملة توازن بين التنمية والأمن، وتربط بين الداخل والخارج، وتؤسس لمسار مستقبليّ يراهن على الجودة لا الكمية، وعلى الوعي لا الانفعال.

في الصين، لا تبنى الخطط في غرف مغلقة، أو في لحظاتِ الأزمة، بل تدار عبر تراكم التجارب والاستفادة من الصدمات، وتحت مظلة فكر سياسيّ منضبطٍ يقوده الحزب الشيوعي الصيني، واضعاً الشعب في المقام الأول، ومن هنا، فإن الحديث عن الخطة الخمسية الـ 15 ليس مجرد عنوان تنموي، بل ترجمة عملية لمنهج حكم يربط بين الرؤية الطويلة المدى والقدرة على التنفيذ الواقعي.

أما في العالم العربي، فقلّما نجد هذا التوازن بين الفكرة والتطبيق، وبين الرؤية والتنفيذ، فلقد تحوّل معظم القادة العرب إلى مستهلكين للسياسات لا صانعين لها، وإلى ردّات فعل على الأزمات، بدلاً من أن يكونوا مهندسي مستقبل يواجهها، ففي الوقت الذي تتعامل فيه الصين مع الصدمات الخارجية بوصفها احتمالات قابلة للتقدير والتحسّب، يعيش كثير من الأنظمة العربية في دائرة المفاجآت المستمرة، بلا جهاز تخطيط وطني، ولا استشراف واقعيّ للمخاطر.

إن انعكاسَ النهج الصيني على القادة والزعماء العرب لا يظهر في محاكاة الشكل، بل في كشف الفارق الهائل بين من يخطط ومن يرتجل، وبين من يربط أمنه القومي بنموّه الاقتصادي، ومن يعلّق أزماته على شماعة الظروف، فالصين تتحدث عن تنمية عالية الجودة، فيما يكتفي بعض القادة العرب بالحديث عن الاستقرار بوصفه منجزاً، وكأنّ الركود صار غاية.

الدرس الصيني واضح، لا نهضة بلا فكر مؤسسيّ، ولا أمن بلا تنمية مستدامة، ولا قيادة بلا رؤية استراتيجية تتجاوز دورة الحكم إلى دورة التاريخ، وعلى الزعماء العرب أن يدركوا أن التخطيط ليس ترفاً إداريّاً، بل شرط البقاء في عالم يعيد رسم خرائط القوة والهيمنة.

شاركها.