حين تكتب الشاعرة الفلسطينية المغتربة أعزيزة بشير أشعارها.. بمداد المشاعر

أمد/ للقصيدة حياة وروح من روح شاعرة تغوص في عمق محيط ظلامه دامس لتطفو على سطحه وتعانق خيوط الشمس،فبين الظلمة والنور،تتنقل الشاعرة بحرفية اللغوية المتمرسة والمتمكنة من ريشة الرسام البارع،ليتلقي المعنى الحي في روع الصورة ويحدث شرخا بين عالمين يصعب تجاوزه..بين من يكتب الشعر انطلاقا من واقع الخيال،ومن يكتب الشعر انطلاقا من خيال الحقيقة.
للواقع ظلمة وللحقيقة نور يجعل للمعنى تجليات،وللصورة الشعرية حركة وحس على أرض قصيدة تصبح آهلة بأرقى المشاعر وأصدقها تتفاعل وتتأثر في كل من يكون بين يديها،تسكن وجدانه فيشعر بروعة جمال الصورة وعذوبة حلاوة معنى له نماء في عقل وفكر يعزف لحن شاعرة تتهادى على إيقاعه قوافل القوافي لتقول لنا : أنا.. الأستاذة عزيزة بشير شاعرة التحدي والصمود في وجه الليالي العاصفات..والمواجع المبكيات..أكتب من جنين المجد..من فلسطين التحرير..ومن الإمارات العربية المتحدة التي احتضنتني ومسحت الدمع من على خدي..بعد أن تراجع الدعم العربي وشحّ المال والماء والأمل..
خلاصة القول : الشعر صنو المعاناة،والشاعر وليد المشاعر يعكسها شعراً ينبجس من قلبه ووجدانه.
وهو (الشاعر) بحكم تكوينه النفسي،وحبه العميق للتعبير عن وجوده وتفاعله مع الحياة،يعيش دائماً مع المعاناة،ويتصالح معها،لأنه إنسان ذو إحساس رقيق وشعور مرهف..يستطيع أن يصنع من هذه المعاناة شعراً خلاّقا يداعب الذائقة الفنية للمتلقي،ويدفع بهقسر الإرادةإلى حلبة الرقص على إيقاع الكلمات..كما دفعت بنا شاعرة جنين الأستاذة عزيزة بشير إلى الرقص تفاعلا وتناغما مع قصيدة صاغتها بمداد المشاعر :
*طبيبٌ سعودِيٌّ يعمل في مسشفًى في الرياض يتحدث عن قصة حدثت معه قائلاً::
جاءت الدوريّة بشابٍّ فلسطينِيٍّ مُغمًى عليه وأُدخِل قسمَ الطّوارئ أسعفناه وتمّ تحويله لغرفةٍ؛ لأنه ما زال مغمًى عليه ويحتاج لمراقبة ولعلاجٍٍ مُكثّف،أخرجتُ محفظتهُ لإبلاغِ أهله فلم أجد رقماً لهاتف ،وعشرينَ ريالاً ، لا تكفي لشراء دوائه المفقود من المشفى وعندما أفاق، قلت له المشكلة ، فقال أعطِها للمُمَرّضِ لو سمحتَ وليَخرجْ للشارع ويُعطِها لأيِّ فلسطينِيٍّ أو أردنيٍّ وليَقُلْ : فلسطيني مجروحٌ ومقطوعٌ داخل المَشفى،فذُهِلتُ لِهذه الثِّقة
ودفعني الفُضولُ للمتابعة …
ضاقتْ ولمّا أُحكِمَتْ حلَقاتُها
جاء البشيرُِ بفزْعَةٍ…..فاستَبْشِروا
ألقلبُ يلهج ُ بالدُّعاءِ وَيُكبِرُ
بالإخوَةِ الأحبابِ يفرَحُ، ……يفخَرُ
صرَفُوا الدّواءَ وأَتبعوهُ زِيارةً
لأخٍ مريضٍ قد أتَوْا……. يَستنْفِروا!
زاروهُ في المَشْفى بِطيبِ دُعائهِمْ
جَلَبا زيارةَ معْهُما، ………فَلْتنظُروا
فيها العصائرُ أشرَباهُ كإخوَةٍ
قد زَوّدوهُ بما يُعينُ……. ويَقدِروا!
مِنْ (مَقدِسٍ) هذا وذاكَ خليلُهُ
(عمّانِي)،أهلٌ للفضيلةِ……. أكْبِروا
صدَقاتِ يا أهلَ الفضيلةِ، نخْوَةً
فْلِسطينِي مع أردُنّي حيّوا ، وافْخَروا
لمْ يعرفوا ذاكَ الفَتى لكنّهُم
عَمِلوا بِأمرٍ للإلٰهِ ،………….فَكَبِّروا!
فَذُهِلتُ من هذي الشّهامة والوَفا
مع حاجةٍ لِذَويهِما،………قَدْ آزَروا!
قد كان بالإمكانِ أفعلُ مثلَهُم
وأعينُهُ مِثْلَ الجميعِ ……….. وَأُأْجَرُ
لكِنْ فُضولي كان يسبِقُ نَخْوَتي
هل يا تُرى رغمَ احتِياجٍ ..يَنصُروا؟
فَلْأَنظُرُ!
فلِسطيني ….أردُني …..فَلتَفخَرُوا!
عزيزة بشير
تتجاوز مهمة الشاعر رصف الوحدات اللسانية بالطريقة،التي تتحقق بها السلامة المعنوية، وتتعدى اللغة الشعرية حدود القواعد النحوية لتتبنى منطقا جديدا هو منطق اللغة الشعرية،لأن المنطق الذي يخرق المألوف ويقتحم عوالم المجهول لأنّه يؤلف بين دوال متباعدة،لا تلتقي في نظام اللغة−المعيار أي اللغة المتداولة التي لا تسعى إلى تحقيق ما أطلق عليه جاكبسون ″الوظيفة الشعرية″. وإذا كان الشاعر لا يتعامل مع اللغة تعاملا بريئا،لأنّه يستدعي الألفاظ وينسجها بطريقة مقصودة (الشاعرة الفلسطينية السامقة الأستاذة عزيزة بشيرنموذجا )،فإن القارئ مطالب بأن يكون حاذقا في فك شفرات النصوص بالدفع بكل كلمة إلى مجال تنكشف فيه الدلالات الخفية التي لا تتمظهر على سطح النص،ويؤول الأمر في النهاية إلى قراءة القراءة وإلى دلالة الدلالة.
وهو ما يستدعيه النّص الأدبي،حتى يبقى ديناميا ومفتوحا على التأويل.
تحية من خلف الشغاف إلى شاعرة فلسطينية فذة ( الأستاذة عزيزة بشير )..هذه الشاعرة المنبجسة من ضلوع الألم..ونفس التحية تساق إلى الشعب الفلسطيني الجاسر..في صموده الأسطوري المذهل..