أمد/ بُشرى سارة أيها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان.
بُشرى سارة — وفق الرواية الرسمية ذاتها — لمرضى السرطان: الأزمة انتهت فجأة.
بُشرى سارة لمرضى الكِلى: لا نقص بعد اليوم.
بُشرى سارة للممرّضين والعاملين الصحيين: سُمح لكم بالعودة إلى حقكم، وكأن الحق منّة.
بُشرى سارة للطلاب والجامعيين: لا اكتظاظ، لا أقساط، لا تهديد.
وبُشرى سارة كبرى: المخيمات بخير، والتمثيل “الشرعي” حاضر، ومن يعترض
مشبوه.
أخيرًا، استيقظت قيادة فتح.
لا لأن معاناتكم انتهت، ولا لأن حقوقكم انتُزعت، بل لأن القيادة قرّرت — متأخرة ومضطرة — أن تتحرك. تحرّكٌ صاخب، متوتر، ومشحون بلغة التخوين، لا دفاعًا عن اللاجئين، بل دفاعًا عن سلطة اعتادت أن تُهينهم ثم تطلب منهم الصمت باسم “الشرعية”.
كل هذا “السحر” لم يتحقق لأن الواقع تغيّر، بل لأن قيادة فتح قرّرت أن ترفع الصوت.
وهنا يبدأ السؤال الحقيقي، لا ذاك المُزيّف في البيانات:
لماذا الآن؟
ولماذا فقط حين كُسر الصمت؟
ولمصلحة من هذا الاستنفار المتأخر؟
عن أي “مشبوهين” يتحدثون؟
وعن أي “شعبوية” يُحذّرون؟
هل صار اللاجئ الفلسطيني — المريض، العاطل عن العمل، الطالب المحروم — خطرًا على المشروع الوطني؟
أم أن الخطر الحقيقي هو فقدان السيطرة، واهتزاز احتكار التمثيل؟
ما يجري ليس خلافًا سياسيًا عابرًا، بل انهيار أخلاقي كامل.
تحركات قيادة فتح الأخيرة لم تكن انتصارًا لكرامة اللاجئ، بل ردًّا هستيريًا على حراكات شعبية، ومبادرات شبابية، وقوى خارج منظمة التحرير تجرأت على طرح السؤال المحرَّم: من يمثّل من؟
استيقظ الضمير التنظيمي، لا لأن الأطفال بلا تعليم، ولا لأن المرضى بلا علاج، بل لأن أحدًا تجرأ على الكلام.
*قيادة فتح… من رأس حركة تحرر إلى أداة ضبط*
الأخطر أن قيادة فتح، التي يفترض أنها على رأس حركة تحرر وطني، تحوّلت عمليًا إلى أداة لإدارة الأزمة لا مواجهتها.
تقاعسها لم يكن عجزًا، بل خيارًا.
وخيارها كان الخضوع.
الخضوع لدائرة ضيقة في رام الله،
ولمن يُمسك فعليًا بملف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ويقدّم نفسه وصيًا عليهم باسم الرئيس: ياسر محمود عباس.
هنا لا نمارس شخصنة رخيصة، بل نوجّه اتهامًا سياسيًا مباشرًا.
من يزعم، هو ومن يمثّل، أنه يعمل على انتزاع “حقوق إضافية” للاجئين، مُطالب أولًا بتفسير الفضيحة الأساسية:
كيف يُتحدَّث عن حقوق مستقبلية، فيما تُسحَب حقوق قائمة ومكتسبة؟
المثال الأوضح، والأكثر فجاجة: الممرّضون والعاملون الصحيون الفلسطينيون.
لم يطالبوا بامتياز، بل دافعوا عن حق عمل أُقرّ منذ سنوات، قبل أن يُنتزع منهم بقرارات إدارية، وسط صمت مريب من الجهة التي تدّعي تمثيلهم.
فأي حقوق إضافية تُبنى فوق أرضية تُسحب من تحت أصحابها؟
وأي خطاب هذا الذي يَعِد، فيما يعجز — أو يرفض — حماية الأساس؟
ثم يأتي السؤال الذي يجري الهروب منه عمدًا:
ما هو الدور الأمني الذي يلعبه من يُمسك بملف اللاجئين؟
وما طبيعة التنسيق القائم مع الأجهزة اللبنانية؟
ولماذا يُدار هذا الملف في الغرف المغلقة، فيما يُترك اللاجئون لمواجهة النتائج وحدهم؟
وإن كان هذا الدور “لمصلحة المخيم”، فلماذا الخوف من عرضه علنًا على أهله؟
حركة بتاريخها ودمها ورمزيتها، تُستَخدم اليوم عبر قيادتها كملحق إداري.
تُستدعى لضبط الشارع،
وتُؤمَر بالصمت حين تُسحَق الحقوق.
لم يكن الصمت حيادًا.
كان تواطؤًا.
*الأونروا… شراكة في الانحدار*
اللقاء بين ما يُسمّى “الممثل الخاص للرئيس الفلسطيني في لبنان” — وهو منصب بلا أساس قانوني بوجود سفير — وإدارة الأونروا، لم يكن تفصيلًا بروتوكوليًا.
كان إعلان اصطفاف سياسي واضح.
اصطفاف إلى جانب إدارة تقود أكبر عملية تقليص خدمات في تاريخ الوكالة،
وتعمل على تفريغ الأونروا من معناها السياسي، وتحويلها من شاهد دولي على حق العودة وفق القرار 302، إلى شركة خدمات تدير الفقر لا تحاربه.
بدل محاسبة هذا المسار، جرى تغطيته.
وبدل الدفاع عن اللاجئين، جرى تخوينهم.
المعترض صار “شعبويًا”.
والغاضب صار “مشبوهًا”.
لكن الحقيقة واضحة ولا تحتاج خطابًا:
المشبوه هو المشروع، لا الضحية.
مشروع تقليص الحقوق باسم “الاستدامة”.
ومشروع إدارة البؤس بدل إنهائه.
*أمن بلا حقوق… وتمثيل بلا كرامة*
السياسة السائدة اليوم تقوم على معادلة خطيرة:
الأمن أولًا، والحقوق مؤجلة — إن أتت أصلًا.
حين يُقدَّم الأمن كبديل عن الحقوق،
وحين يُطلب من اللاجئ الصبر مقابل وعود فضفاضة،
فنحن لا أمام إدارة أزمة، بل أمام إعادة تعريف للضحية كعبء.
هذه ليست مصادفة.
هذه سياسة.
سياسة انتقائية في الاهتمام، وانتقائية في الإنسانية.
*من يملك الشرعية فعلًا؟*
الشرعية لا تُستخرج من البيانات،
ولا تُمنح عبر التنسيق،
ولا تُحصَّن بالألقاب.
الشرعية تُنتزع حين تحمي من تدّعي تمثيلهم.
وحين تعجز قيادة فتح — أو تُمنَع — عن الدفاع عن أبسط حقوق اللاجئين، ثم تتحرك فقط حين يُهدَّد احتكارها، فإن السؤال يصبح حتميًا:
من تمثّل قيادة فتح اليوم؟
قبل اتهام اللاجئين بالشعبوية،
توقّفوا عن استخدامهم كورقة.
وقبل وصف الغاضبين بالمشبوهين،
أجيبوا عن الأسئلة التي هربتم منها طويلًا:
من سحب الحقوق؟
من صمت؟
ومن قرر أن الأمن أهم من الكرامة؟
اللاجئ ليس مشبوهًا.
اللاجئ ليس عبئًا.
المشبوه هو كل من اختار السلامة السياسية على حساب الكرامة،
وكل من قدّم التنسيق بدل الحقوق،
وكل من يَعِد بما لم يجرؤ على حماية أساسه.
وإن لم تُستعاد الشرعية على الأرض،
فستسقط — لا محالة — من كل ورق.
