حوار مع السفير المصري لدى الجزائر
أكد سفير مصر لدى الجزائر، مختار وريده، في لقاء مع “”، على أن التشاور والتنسيق بين الجزائر والقاهرة يكتسي طابعا هاما وديناميكيا، مبرزا أنه يشمل المسائل الأمنية والسياسية والاقتصادية. وأَضاف أن الفترة المقبلة ستعرف نقلة نوعية في التعاون الثنائي بين البلدين في كافة المجالات، داعيا رجال الأعمال الجزائريين والمصريين للعمل معا من أجل تحقيق شراكة استراتيجية تخدم مصالح الشعبين وفق مبدأ “الجميع رابح”.
تتميز العلاقات الجزائرية المصرية بمتانتها وارتكازها على روابط تاريخية قوية، ما هي رؤيتكم للارتقاء بالعلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية؟
للعلاقات بين مصر والجزائر خصوصية تاريخية ضاربة بجذورها في عمق الزمن، وأيضا في نفس الوقت هذا التاريخ هو الذي يعطينا الدفع القوي للأمام. هي علاقات ثرية وديناميكية، ويرجع الفضل في ذلك إلى الرعاية الكريمة من فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي وفخامة الرئيس عبد المجيد تبون، حيث وجها بإعطاء العلاقات الزخم المطلوب والارتقاء بها إلى مستويات أرحب وأوسع. فالعمل مستمر والجهد متواصل من أجل استمرار التنسيق والتعاون، سعيا للوصول إلى شراكة استراتيجية تحقق المصلحة المشتركة وتلبي تطلعات الشعبين المصري والجزائري.
ما هي أبرز المجالات التي تستحق تركيزا أكبر في التعاون بين البلدين؟
أعتقد أن المجالات الاقتصادية والاجتماعية هي التي تحظى بتركيز البلدين، وذلك لتكون محركا رئيسيا للتعاون بين البلدين، وهي التي تمس مصالح ورفاهية الشعبين.
لدينا مؤشرات إيجابية ملموسة تدل على تطور التعاون بين مصر والجزائر، ولكن نريد أن تزداد أكثر وتتطور أكثر لتعكس متانة وتنوع الاقتصادين المصري والجزائري، مثلما هو الحال في المجالات التجارية والطاقة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والمنشآت المتوسطة والمشروعات الحرفية والناشئة.
يمكنني أن أتحدث عن تطور ملحوظ في القطاعات المذكورة، وأحد المؤشرات الواضحة على هذا التقدم المحرز ما لمسناه من خلال زيادة حجم التبادل التجاري، حيث بلغ في عام 2022 حوالي مليار دولار، أي بزيادة نسبتها 25 بالمائة تقريبا. هذا المستوى جيد ولكن لدينا طموحات أكبر في الارتقاء بها حتى تعكس، كما ذكرت، قوة الاقتصادين المصري والاقتصاد الجزائري.. وأعتقد أن القادم أفضل بإذن الله.
وهل هناك مشاريع يتم الإعداد لها تمثل إضافة نوعية للتطور الحاصل؟
الاستثمارات المصرية في الجزائر هامة وملموسة. لدينا 150 شركة مصرية تعمل في السوق الجزائري، وتساهم في النهضة الاقتصادية في الجزائر الشقيقة، تقدر قيمتها بـ3,5 مليار دولار، وتتمثل في شركات كبيرة مثل شركة السويدي لصناعة الكابلات الكهربائية بولاية عين الدفلى، ومصنع شركة أوراسكوم لليوريا بآرزيو بولاية وهران، وشركة “حسن علام” التي تنشط في مجال الإنشاء والمقاولات، إلى جانب مجموعة “المقاولون العرب”، وشركة “بتروجيت” في مجال الطاقة،.. هذه الشركات وغيرها تعمل منذ سنوات طويلة هنا في السوق الجزائري.
وبالنسبة للاستثمارات الجزائرية في مصر، فإننا نطمح أن يزداد خلال الفترة القادمة، لاسيما في ظل الحوافز الاستثمارية التي تقدمها مصر للقطاع الخاص ورجال الأعمال، لاسيما من حيث تسهيل وتبسيط الإجراءات الخاصة بتأسيس الشركات، بما يتيح الفرصة للقطاع الخاص للنمو ولعب الدور المنوط به في مجال التنمية الاقتصادية، في ظل القانون الجديد للاستثمار وقانون الضرائب والنافذة الموحدة (الشباك الوحيد)، والرخصة الذهبية للمشروعات الكبيرة. ونحن نطمح أن يطلع المستثمرون الجزائريون على فرص الاستثمار في مصر والاستفادة من المزايا التي توفرها لهم القوانين الجديدة، ويتوصلوا مع نظرائهم المصريين إلى إبرام شراكات اقتصادية واعدة وفق مبدأ الجميع رابح.
إضافة إلى ما ذكرنا، هناك اهتمام مصري بمجال إدارة المستشفيات والإدارة الفندقية وإنشاء محطات تحلية مياه البحر والطاقات المتجددة والألواح الشمسية، حيث إن الشركات المصرية مستعدة للتعاون مع نظيراتها في الجزائر في هذا الجانب.
أيضا أشير إلى زيارات هاما إلى مصر، كما أطلقت مسارات هامة جدا مثل زيارة وزير الطاقة محمد عرقاب الذي زار مصر في أكتوبر 2022 ووقع مذكرة تفاهم للتعاون في مجال البترول والغاز والطاقات المتجددة، لاسيما في مجال الاستكشاف والبحث والإنتاج، إضافة إلى الهيدروجين الأخضر، وإعداد دراسات حول الشركات التي تساهم في المشروعات الهندسية المطلوبة في مجال الطاقة والغاز المسال.
كما زار وزير البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية الجزائري، عبد الكريم بيبي تريكي، القاهرة وتم الاتفاق على التعاون في هذا المجال وإطلاق مبادرة مصرية جزائرية لرواد تكنولوجيا المعلومات والمشروعات الناشئة، والتعاون في مجال الأمن السيبراني. كما تم الإعلان عن مخطط لإنشاء كابلين بحريين جديدين يدخلان الخدمة في حدود 2025 بين مصر والجزائر، ليصبح الإجمالي أربعة كابلات بحرية لتعزيز البنية التحتية التكنولوجية، إضافة إلى الربط الملاحي بين البلدين. كما تم توجيه الدعوة للجزائر لتكون ضيف شرف في أهم معرض للحرف التراثية في مصر، معرض “تراثنا” في شهر أكتوبر القادم.
كيف تصفون التنسيق بين البلدين بشأن مختلف التحديات التي يواجهانها في ظل تطابق وجهات النظر لدى السيد الرئيس عبد المجيد تبون وفخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي حول مختلف القضايا العربية والدولية؟
التنسيق والتشاور بين مصر والجزائر هام جدا وديناميكي. الرئيسان التقيا العام الماضي أربع مرات، والتنسيق على عدة مستويات والاتصالات متواصلة وآخرها مطلع هذا الشهر، وأعتقد أن كل هذا يرتكز على وحدة الهدف والمصير المشترك، وأيضا أن الأمن القومي العربي كل لا يتجزأ، ويجب تضافر الجهود والطاقات الكامنة من أجل إنشاء منظومة صلبة تكون قادرة على حماية دولنا من التهديدات والمخاطر ومواجهة الأزمات الدولية المستجدة.
هذا الاعتقاد يجعل دوما التنسيق بين القاهرة والجزائر متواصلا ويتسم بالديناميكية. وألفت عنايتكم إلى القمة التي انعقدت بالقاهرة والتي جمعت دول جوار السودان، وكانت هامة ولمسنا بالجزائر متابعة كبيرة واهتماما بنتائجها وبدعم السودان من أجل الوصول إلى الاستقرار والخروج من الأزمة الراهنة.
أجرى الرئيس تبون مطلع الشهر الجاري اتصالا هاتفيا مع الرئيس السيسي واتفقا على لقاء يجمعهما، ما المأمول من هذا اللقاء؟
اللقاءات والمباحثات بين فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي وفخامة الرئيس عبد المجيد تبون تكون على الدوام عميقة وبناءة ومثمرة. هناك تشاور وتنسيق مستمر فيما يتعلق بالقضايا الثنائية أو القضايا العربية والإفريقية والدولية، واللقاء المقبل بين القائدين سيكون ضمن هذا الإطار. إلى جانب التواصل على المستوى الرئاسي، هناك تنسيق على مستوى رؤساء الوزراء. في يونيو 2022 عقدت اللجنة العليا بعد ثماني سنوات من الانقطاع لأسباب كثيرة، واستعاد البلدان الزخم في التنسيق، وتم إطلاق مسارات تعاون في مختلف القطاعات الاقتصادية والتعليمية والصحية وفي قطاعات أخرى تم الاتفاق عليها. ووضعت برامج عمل لتنفيذها. ولأول مرة خلال اجتماع اللجنة العليا المشتركة، تم الاتفاق على إنشاء مجلس أعمال مصري جزائري، وعقد على هامش ذلك منتدى رجال الأعمال في البلدين، وحاليا يجري التحضير لعقد الاجتماع القادم في القاهرة للنظر في المجالات الاقتصادية والمشروعات المشتركة بين البلدين.
تحتفل مصر بعيد ثورة 23 يوليو الخالدة، هل لكم أن تسلطوا الضوء على أبرز التحديات التي واجهتها مصر والإنجازات التي حققتها؟
ثورة 23 يوليو ثورة ملهمة وترتبط في أذهان الشعوب العربية والإفريقية بالاستقلال والتحرر من الاستعمار، ونحن في مصر احتفلنا من فترة قريبة جدا بالذكرى العاشرة لثورة 30 يونيو المجيدة التي هي ثورة أكدت على الهوية المصرية وسمحت بإطلاق مسيرة مباركة لتشييد مصر الحديثة بمشروعات عملاقة في مجال البنية الأساسية والطرق التجارية والنقل وإنشاء مدن جديدة ذكية، فضلا عن العاصمة الإدارية الجديدة التي انتقل إليها العمل الحكومي، وينتظر أن يستكمل الانتقال إليها قبل نهاية هذا العام. هناك مشروعات في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والصحة والتعليم وإصلاح الأراضي الزراعية في إطار مسيرة للتنمية الشاملة تشهدها مصر حاليا، استرشادا بهذه الروح القوية ورغبة في أن تكون للتنمية في مصر انعكاسات إيجابية في المنطقة العربية والإفريقية أيضا.