حوار مع الرئيس الجديد لحركة “حمس”
يستعرض الرئيس الجديد لحركة مجتمع السلم، عبد العالي حساني الشريف، في مقابلة مع “” تصوراته وأفكاره حول عدة قضايا سياسية ومجتمعية، ويبدي مواقفه المبدئية تجاه عدة مسائل جدلية، منها مسألة المشاركة مع الحكومة أو الاستمرار في نهج المعارضة وخلفيات ذلك، وأخرى حول تقييمه لأداء الحكومة وغيرها.
فوزك برئاسة حركة مجتمع السِّلم، هو تعبيرٌ عن انتقال أعلى مسؤولية حزبية من الجيل المرافق للمؤسِّس الراحل محفوظ نحناح، إلى الجيل الذي ما بعده، في عملية موصوفة داخل الحركة بـ”الانتقال الجيلي”، هل هي حتمية وصيرورة طبيعية؟ أم أنها استراتيجية لإنهاء عهد الشرعيات والزعامات؟
لقد قاد الحركة مع فضيلة الشيخ محفوظ نحناح، رحمه الله، جيل قيادي شاب، وبعد هذا المسار الطويل الذي تجاوز 30 سنة من قيادة الحركة لقيادات تاريخية، فإنه من الحتمي في دورة الحياة الطبيعية والتنظيمية أن يقع انتقال قياديٌّ داخلها، إذ هي حركة ودود ولود، لا تعجز عن إنجاب الأفضل، فقد تكرّست فيها تقاليد الديمقراطية والمؤسّسية، ما يجعل هذا الانتقال طبيعيًّا وسلِسًا، وكما لا يُتنكر لأهل الفضل والسبق، فإنه لا يصادر حق الأجيال في التداول الديمقراطي على القيادة.
قبل تزكيتك على رأس الحركة، تبوأت منصب مسؤول التنظيم لسنوات عديدة،هل منح لك هذا الموقع أسبقية وأفضلية لبلوغك المنصب قياسًا بشخصيات أخرى كانت تنوي أو ترغب في الترشح؟
لقد تقلّدت مسؤولية أمانة التنظيم والهياكل والرقمنة منذ المؤتمر الخامس سنة 2013، وإذا كانت هناك من ميزة تنافسية في ذلك، فهي تواجدي في ميدان العمل والإنجاز واحتكاكي المباشر مع المناضلين والهياكل والمؤسسات، وهو ما أتاح لهم فرصة التعرّف عليّ عن قرب، مع ما لها من ضريبة سلبية تنجم عن معالجة وإدارة المشاكل التنظيمية التي تتطلب قرارات صعبة قد تضعني في قلب الخلافات والاعتراضات.
ومع ذلك، فإنني أؤكد بأنه مهما كان موقعك القيادي في حركة مجتمع السلم، فإنّ لوائحها وتقاليدها في تحضير المؤتمرات وأيضا الآليات الديمقراطية الممارسة في الحركة، تمنع أي استغلال للمنصب لأغراض انتخابية، كما أن مستوى الوعي والتجربة والكفاءة وقوة الشخصية التي يتمتع بها المناضلون والمناضلات ومنهم المؤتمرون والمؤتمرات، لا تسمح لأي كان، مهما كان موقعه القيادي، بالتأثير على خياراتهم وقناعاتهم، فلهم كامل الاستقلالية والسِّيادة في انتخاب مَن يرونه مناسبًا لقيادة حركتهم.
الرئيس السَّابق للحركة عبّر عن انزعاجه في رسالة شكر للجنة تحضير المؤتمر الثامن، من اتهامات بتوريث المنصب، هل حَظِيت بدعم من عبد الرزاق مقري؟
إن مصطلح “التوريث القيادي” مصطلح إيجابي في الأدبيات التاريخية للحركة، والجميع يعلم أنه لم يخضع يوما إلى ظلم الجغرافيا، إلا أنه وقع تعسف في مدلولاته واستعمالاته في هذه المرحلة، ولا يمكن تفهّم ذلك إلا في سياق المنافسة على رئاسة الحركة في الحملات التي تعرّضت لها قبل المؤتمر وقد أصبحت الآن من الماضي وعفا الله عما سلف.
الجميع يعلم أنني لم أعيّن في منصب رئيس الحركة، بل إن ترشيحي كان حالة واسعة داخل الحركة ودعاني قطاع واسع، ولا علاقة له برئيس الحركة السابق الدكتور عبد الرزاق مقري، الذي تعرّض إلى أنواع شتى من التهجم والأذى بسبب ذلك، وقد أعلن عن موقفه من الترشح بكل وضوح وأنه سيكون مع من تختاره قواعد الحركة، وأنه من الطبيعي أنْ ينحاز في النهاية إلى أي مترشح من الفريق القيادي الذي عمل معه، ومَن يراه أهلاً للمحافظة على الخط السياسي وعلى الإنجازات التي تحققت وعلى تعميق التخصص الوظيفي لمؤسسات الحركة، وعلى استقلالية وسيادة الحركة، وهو عضو من أعضاء الحركة يتمتع بكامل الحقوق التنظيمية في دعم أي مترشح.
في أول ندوة صحفية لك، تحدّثت في معرض ردك على الأسئلة، عن أن قرار مشاركة “حمس” في الحكومة من عدمه، تحكمه عدة معايير في مقدمتها انتخابكم من قبل الشعب؟
تتبنى الحركة في منهجها الفكري وسلوكها السياسي منهج المشاركة السياسية العامة، أما جزئية المشاركة في الحكومة كجدلية ثنائية فقد تجاوزتها الحركة، فالموقع السياسي لها يخضع للاجتهاد التقديري لمجلس الشورى الوطني، فالمشاركات السابقة في الحكومة كانت قرارات مؤسسية شورية، وعدم المشاركات فيها كانت قرارات مؤسسية شورية أيضًا، وبالتالي، فإنّ أي اجتهاد حول أي موقف لا يشكل لنا أي حرج ما دامت تحترم فيه الشورى والديمقراطية والمؤسسية بكل سيادة واستقلالية.
ألا يشكّل الوعاء الانتخابي حافزًا لاتخاذ قرار المشاركة في الحكومة، بما أنكم تربطون الانضمام إلى الحكومة بانتخابكم من قبل الشعب؟
حسب الواقع السياسي والنمط الانتخابي ونتائج الانتخابات، فإنه لا يمكن لأي حزب سياسي حيازة الأغلبية البرلمانية التي تمكِّنه من تشكيل الحكومة لوحده، وبالتالي، فإن معيار النتائج الانتخابية في التشريعيات سيكون محددا نسبيا في قرار المشاركة في الحكومة أو معارضتها.
شهدت العهدتين الأخيرتين برئاسة سلفك، عبد الرزاق مقري، أحداثا كبيرة، أبرزها الحراك الشعبي، ما تقييمك للمواقف المتخذة من قبل القيادة المنتهية ولايتها؟
كانت الحركة قد استشرفت حالة الاحتقان الشعبي والتوتر الاجتماعي نتيجة الفساد والاستبداد، فوقفت ضد العهدة الرابعة سنة 2014، وقدّمت بين يدي الجميع سلطةً ومعارضة بمبادراتٍ سياسية جماعية وفردية، مثل وثيقة “مازفران” للمعارضة مجتمعة سنة 2014، ومبادرة التوافق الوطني سنة 2018، وحذّرت من خطورة العهدة الخامسة سنة 2019 والتي كانت استفزازا خطيرا لعموم الشعب الجزائري الذي انفجر في الحراك الشعبي يوم 22 فيفري 2019 وشاركت فيه قيادة الحركة وعموم المناضلين من أول جمعة له، وقد كانت مواقفنا من الحراك منسجمة مع التوجّه العام للشعب الجزائري، فشاركنا دون أن نتصدّر فيه، ودون أن نستفرد به ودون تحزيبه أو أدلجته، باعتباره حراكا شعبيا وطنيا يمثّل كل مكوّنات الشعب الجزائري.
كما تجنَّبنا حالة الاصطفاف الحاد والاستقطاب الخطير، وهو ما حافظ على موقفنا المشرِّف، وعلى موقعنا المناسب من الجميع.
يبدو من خلال خطاب الحركة في السنوات الأخيرة، أنه تمَّ فصل العمل الدعوي عن العمل السياسي؟
هناك تطور عام في فكر الحركة الإسلامية المعاصرة، وخاصة بعد مشاركاتها السياسية ومشارفتها على الوصول إلى الحكم، والذي فرض عليها حتمية التجديد الفكري والتخصص الوظيفي، وذلك بتركيز الوظيفة السياسية في الحزب السياسي على مستوى خط السلطة، وتركيز باقي الوظائف الأساسية الأخرى في مسارات وظيفية متخصصة على مستوى المجتمع ومحاولات الانتقال من التنظيم الهرمي التقليدي إلى التنظيم الشبكي المستوعب لكل المسارات والوظائف، وهو ما دعا إلى ضرورة التمييز بين السياسي والدعوي في البُعد الوظيفي، مع المحافظة على وَحدة الفهم والتصور الشمولي في البعد الرسالي.
بعيدًا عن الشأن الداخلي للحركة، يجري الحديث في الوسط الإعلامي وجزء من الطبقة السياسية عن غلق سياسي غير مسبوق، هل تشاطرون هذا الرأي؟
أرى أن هناك تراجع كبير في المكاسب السياسية والحزبية، ورِدّة واضحة في الحرية الإعلامية، وترهُّل مقلق في الممارسة السياسية، وخاصة بعد خيبة الأمل الكبيرة بسبب الإخفاق في تحقيق المطالب الكبرى للحراك الشعبي، وعدم تحقيق التغيير الحقيقي والجذري المنشود، وتواضع تحقيق المطالب السياسية المشروعة للشَّعب الجزائري، والشعور العام بإعادة النظام السياسي لتجديد نفسه، إلى جانب الحملات الكبيرة في ملاحقة الحريات الفردية والجماعية بعد توقُّف الحراك الشعبي، وكل هذا هي حالةٌ من الانغلاق في الأفق السياسي والإعلامي غير طبيعية، وهي ليست في مصلحة الاستقرار ومساهمة الجميع.
من المسؤول عن هذا الوضع برأيك؟
مسؤولية ذلك يتحمَّلها الجميع، سلطةً وأحزابًا ونخبًا، إلا أنَّ المسؤولية الكبيرة تتحمَّلها السلطة الحاكمة، على اعتبار أنها تمتلك كلَّ أدوات الانفتاح أو الغلق في ذلك.
هل يزال صوت المعارضة مسموعًا؟ وهل لديها هوامش للتحرك ضمنها ؟
نسجل بكل أسف هذا التراجع في الحياة السياسية الحزبية، وخاصةً انكفاء أحزاب المعارضة على نفسها، ومن الخطر تراجع دورها القوي، والذي يُفترض أن يضمن التنافس بين الأفكار والبرامج ويحقق التدافع والمقاومة السياسية المانعة للفساد والاستبداد. وبالرَّغم من كوننا المعارضة البرلمانية الوحيدة في البرلمان، إلا أننا نعتز بأداء كتلتنا البرلمانية، والتي تشكل أداة ضغط حقيقي وتدافع فعلي مع الحكومة، ولطالما كانت لمواقفنا تأثيرًا على عمل الحكومة، ومراجعة الرئيس لبعض القرارات ذات الصّلة.
الجزائر في قلب حالة استقطاب دولية حادة، بالنظر إلى زيارات مكثفة من قبل شخصيات سياسية من القوى العظمى، ما هو موقف الحركة تجاه ذلك، وهل أنتم راضون على إدارة السلطة لهذه الوضعية؟
يمر العالم بتحولات سريعة وتطورات عميقة، تبشّر بالذهاب إلى عالم متعدد الأقطاب، وهو فرصة للجزائر لإعادة رسم علاقاتها الدولية بشكلٍ عقلاني ومتوازن، بالتحرُّر من الهيمنة الغربية والعلاقات غير المتوازنة مع المستعمر القديم والانخراط في المحاور التي تراعي السيادة الكاملة والمصالح المشتركة والاحترام المتبادل والعلاقات الندِّية.
النظام المغربي ذهب بعيدًا في استفزاز الجزائر، كيف تعلّق على المسألة؟
في الوقت الذي كنا نحلم فيه بتحقيق اتحاد المغرب العربي ووحدة شمال إفريقيا في إطارها الطبيعي العربي الإسلامي كما نص على ذلك بيان أول نوفمبر، فإن خيارات الأنظمة السياسية كانت مصادِمة لآمال وطموحات الشعوب، وكانت السقطة التاريخية المدوية للنظام المغربي بالارتماء في أحضان الكيان الصهيوني، والذي هو النسخة الأسوأ في صور وأشكال التطبيع والذي تمثل في التحالف العضوي معه عبر الاتفاقيات والشراكات العسكرية والأمنية، وهو ما يهدد الاستقرار في المنطقة كلها ويشكل تهديدا وجوديا لنا، الأمر الذي يتطلب تمتين الجبهة الداخلية والاشتغال على استراتيجية وطنية لمواجهة هذه المخاطر والتهديدات الخارجية، ومنها: الانتباه إلى خطورة الانسياق وراء الاستفزازات المتكررة، والحذر من التورُّط في أتون أي حرب لا تصب حتما في مصلحة الشعبين والبلدين.
العلاقات الجزائرية الفرنسية متأرجحة بين الأزمة والاستقرار، كيف تُقيِّم إدارة السُّلطة لهذا الملف؟
من الطبيعي أن تكون العلاقات الجزائرية الفرنسية متذبذبة ومضطربة، وهي العلاقة المثخنة بجراحات الماضي الفرنسي الأسود في الجزائر، ما دامت المؤسسة الفرنسية لا تزال مدمنةً على التعامل مع الجزائر بعقلية كولونيالية استعلائية، فهي مُصِرة على تلك العقلية الاستعمارية بعدم الاعتراف والاعتذار والتعويض على جرائمها التي لا تسقط بالتقادم، ولا تزال تتلاعب بملف الذاكرة في محاولاتٍ خبيثةٍ للمساواة بين الضَّحية والجلاد، والسلطة السياسية في البلاد مطالبة بالتعامل بكل سيادة واستقلالية وندية مع الطرف الفرنسي، ولا يمكن أن تكون هذه العلاقة على حساب الدولة الجزائرية ولا على حساب مصالح الشعب الجزائري، ونحن نرصد هذا التطور السيادي في التعامل مع فرنسا والتحرُّر التدريجي من هيمنتها.
هناك من يرى بأن مطالب الاعتراف والاعتذار والتعويض بمثابة خطاب يستعمل للاستهلاك الداخلي والضغط على مصالح فرنسا بالجزائر، بينما لا توجد إجراءات تشريعية وسياسية لتجسيد هذا المشروع أو التصوُّر؟
الحقوق التاريخية للشعب الجزائري تجاه جرائم فرنسا لا تسقط بالتقادم، ولا يمكن المساومة عليها ولا تملك أي سلطة مهما كانت شرعيتها حق التنازل عنها، وهي قضية دولة وليست قضية سلطة وقضية شعب وليست قضية نخبة، وأعتقد أن الاتفاقيات الدولية تضمن حق الشعب الجزائري في ملاحقة فرنسا في المحاكم الدولية، ونحن نطالب السلطة السياسية بالتعامل بندية مع الجانب الفرنسي على المستوى التشريعي والسياسي والاقتصادي والثقافي.