أمد/ تُظهر العملية العسكرية التي نفذتها كتائب القسام في خانيونس جنوب غزة بتاريخ 20 أغسطس 2025 بوضوح المأزق الاستراتيجي الذي تواجهه حركة حماس. فبعدما فقدت قدرتها القتالية في ميدان المعركة، أصبحت الحركة تستخدم التضحية بالجسد كورقة رئيسية لإثبات وجودها السياسي والتفاوضي. المقاتلون الذين خرجوا من الأنفاق كانوا على علم تام بأنهم سيصبحون أهدافًا سهلة، وأن فرص نجاتهم كانت ضئيلة جدًا.
من منظور عسكري بحت، تعد هذه العملية فشلًا واضحًا لحماس. أولاً، كانت الخسائر البشرية غير متكافئة بشكل كبير، حيث تم القضاء على المقاتلين تشير التقديرات إلى مقتل خمسة عشر مقاتلاً من حماس، في حين كانت الخسائر الإسرائيلية لا تُذكر تقريبًا. ثانيًا، افتقرت العملية لعنصر المفاجأة الحاسم في حروب المقاومة المسلحة غير المتكافئة، فالمقاتلون ظهروا في منطقة مكشوفة وتحت مراقبة جوية، مما جعلهم أهدافًا سهلة للطائرات المسيرة.
وعلى الرغم من الفشل العسكري، يمكن تفسير العملية كرسالة سياسية رمزية من حماس. تهدف الحركة من خلالها إلى تأكيد وجودها وقدرتها على تنفيذ عمليات عسكرية رغم الضغوط والدمار. كما تسعى لاستخدام هذه القوة الصورية كورقة لإظهار أنها لا تزال القوة المهيمنة في القطاع.
ويُشير تحليل العملية إلى أن حماس لم تتكيف بشكل كافٍ مع الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة، والتي تُسمى “التطهير العسكري” أو “معادلة الهدم الدفاعي”. هذه الاستراتيجية لا تهدف فقط إلى القضاء على المقاتلين، بل إلى تدمير الخصائص الطبوغرافية للمنطقة التي تعمل فيها الفصائل المسلحة بشكل متعمد. هذا التدمير الممنهج للمحيط المكاني يخدم هدفًا استراتيجيًا إجبار المقاتلين على الخروج من الأنفاق إلى مناطق مفتوحة، حيث يصبحون أهدافًا سهلة للطائرات المسيرة والمراقبة الجوية. وبذلك، تتحول البيئة التي كانت في السابق نقطة قوة للمقاومة إلى نقطة ضعف قاتلة.
تقوم إسرائيل بتدمير المباني والأحياء بشكل منهجي لتحويلها إلى مناطق مفتوحة، مما يزيل الميزة التكتيكية لحماس في القتال داخل المدن مما يجعل الأرض نفسها سلاحًا فعالًا ضد الفصائل المسلحة. هذا التدمير يعزل الأنفاق عن محيطها ويجعلها غير مجدية، مما يجبر المقاتلين على “خوض معركة في صحراء مكشوفة”.
في الختام، تؤكد العملية أن الأرض المدمرة في خانيونس لم تعد مناسبة للحرب غير المتكافئة التي تنفذها التنظيمات الفلسطينية المقاتلة، وأن حماس تلجأ إلى “الاستخدام الانتحاري لجسد المقاتل” في معركة خاسرة.
وتكشف هذه العملية عن نجاح الاستراتيجية الإسرائيلية في تحويل البيئة العمرانية من عائق إلى أداة، وتُظهر فجوة كبيرة في تقديرات حماس لتطور الاستراتيجية الإسرائيلية.
إن عملية خانيونس تؤكد أن حماس قد وصلت إلى أعمق نقاط المأزق الذي تواجهه في ظل التكتيكات العسكرية الإسرائيلية الجديدة. ويُظهر هذا الاستخدام للتضحية بالجسد أن العملية تكتسب بعدًا رمزيًا عميقًا، فهو يشير إلى أن حماس قد وصلت إلى مرحلة فقدان القدرة على تحقيق أي مكاسب ميدانية.