أمد/ يثير امتناع الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية عن تصنيف حركة حماس تصنيفًا شاملًا كفرع إخواني إرهابي تساؤلات مشروعة، خاصة في ظل الخطاب السياسي والإعلامي الذي لا يتوقف عن شيطنة الحركة وربطها بالعنف وعدم الاستقرار.
غير أن هذا التناقض الظاهري لا يمكن فهمه خارج منطق المصالح، إذ تكشف الوقائع أن بقاء حماس خارج هذا التصنيف ليس خللًا في الموقف الغربي، بل خيارًا سياسيًا محسوبًا يخدم إدارة الصراع الفلسطينيالإسرائيلي بدل السعي إلى حله.

أولًا: حماس كأداة لإدامة إضعاف غزة

تنظر واشنطن إلى حماس بوصفها ذريعة دائمة لتبرير الحصار المفروض على قطاع غزة، وتوفير غطاء سياسي وأخلاقي لاستمرار تدمير بنيته التحتية، وتحميل الحركة وحدها مسؤولية الكارثة الإنسانية.
إن تصنيف حماس تصنيفًا نهائيًا وشاملًا كان سيحوّلها إلى قضية قانونية دولية مغلقة، بينما تفضّل الولايات المتحدة الإبقاء عليها في مساحة رمادية تسمح باستخدامها عنوانًا مفتوحًا للعقاب الجماعي دون التزامات سياسية واضحة أو مسارات قانونية مُلزمة.

ثانيًا: فصل غزة عن الضفة… الهدف غير المعلن

منذ عام 2007، أصبح الانقسام الفلسطيني واقعًا تخدم استمراريته أطرافًا دولية عديدة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة.
فوجود حماس في غزة، خارج إطار السلطة الفلسطينية، يُبقي القطاع معزولًا سياسيًا وإداريًا، ويُجهض أي مشروع وحدة وطنية حقيقية، ويمنع تحقق شرط أساسي لقيام الدولة الفلسطينية، وهو الوحدة الجغرافية والسياسية.

تدرك واشنطن أن أخطر ما يمكن أن يحدث هو توحيد القرار الفلسطيني تحت قيادة واحدة وبرنامج سياسي جامع، ولذلك يُدار الانقسام لا بوصفه أزمة طارئة، بل كمعادلة ثابتة.

ثالثًا: مناكفة السلطة وإضعاف منظمة التحرير

يُستخدم وجود حماس أيضًا كوسيلة ضغط دائمة على السلطة الفلسطينية، إذ يُشكك باستمرار في قدرتها على تمثيل الشعب الفلسطيني بأكمله، وتُفرَّغ منظمة التحرير من دورها التاريخي تدريجيًا.
بهذا الشكل، تتحول السلطة إلى كيان إداري محدود الصلاحيات، بلا أفق سيادي حقيقي، بينما تُلقى مسؤولية فشل أي مسار سياسي على “الانقسام الداخلي”، لا على الاحتلال أو السياسات الدولية المنحازة.

رابعًا: لا دولة فلسطينية مع الانقسام

في المحصلة، لا تتعامل الولايات المتحدة مع حماس كخطر يجب إنهاؤه، ولا كطرف يمكن دمجه سياسيًا، بل كـعائق وظيفي مفيد:

يبرر تعطيل أي مسار جدي نحو الدولة الفلسطينية،

يُبقي الصراع في حالة إدارة مستمرة،

ويمنح إسرائيل هامشًا واسعًا للمناورة دون كلفة سياسية حقيقية.

طالما بقي الانقسام قائمًا، تبقى الدولة الفلسطينية شعارًا مؤجلًا، لا مشروعًا قابلًا للتحقق.

خامسًا: القدرة على التصنيف موجودة… وقرار عدم استخدامها سياسي

الأهم من ذلك أن الولايات المتحدة تملك كامل الأدوات القانونية والسياسية لتصنيف حماس تصنيفًا شاملًا إن أرادت؛ من ملاحقة قياداتها في الدول العربية والإسلامية، إلى تجميد ومصادرة أصولهم المالية، وتجفيف مصادر التمويل، وفرض التزامات قانونية صارمة على الدول التي تستضيفهم.
لكن الامتناع عن تفعيل هذه الأدوات يؤكد أن المسألة ليست عجزًا قانونيًا ولا نقصًا في المعلومات، بل قرارًا سياسيًا واعيًا بالإبقاء على حماس في موقع يُخدم معادلة إدارة الصراع لا إنهائه.

في ختام سطور مقالي:

ليست المشكلة أن الغرب لم يدرك العلاقة التنظيمية والفكرية بين حماس وجماعة الإخوان المسلمين، بل إنه أدركها جيدًا وفضّل تجاهلها.
فبقاء حماس خارج التصنيف الشامل يخدم معادلة دولية تقوم على إدامة الانقسام لا معالجته، وعلى إدارة الصراع لا حله.

وهكذا، تبقى غزة معزولة، والضفة بلا سيادة، وتبقى الدولة الفلسطينية مؤجلة…
بقرار سياسي، لا بسوء تقدير.

شاركها.