أمد/ في دهاليز السياسة الملوثة بالنفاق والمصالح، لا مكان للثوابت، ولا قيمة للدم إن لم يخدم مشروعًا. هكذا فعلت قطر، ومن خلفها ذراعها الإعلامي الأشهر، حين نفخت في جسد “حماس” حتى تورّم، ثم تخلّت عنها حين ارتفعت كلفة الاستثمار. النتيجة؟ غزة مذبوحة، وأهلها وقود على مذبح الشعارات.
منذ أن قررت قطر، عبر أذرعها الإعلامية والمالية، تبني مشروع “حماس” كحركة مقاومة، بدأت ماكينة التلميع تدور بكل قوتها. صُوّرت الحركة على أنها رأس حربة الأمة، والقوة الوحيدة القادرة على التصدي للاحتلال. استثمرت قناة الجزيرة، وغيرها من المنصات القطرية، في الخطاب الشعاراتي، وحوّلت الصراع الفلسطيني من قضية تحرر وطني إلى ملحمة إخوانية ذات طابع ديني سياسي تخدم مشروعًا إقليميًا أكبر من فلسطين، وأبعد ما يكون عن غزة.
لكن الحقيقة أن هذا النفخ لم يكن مجانيًا. كان مشروعًا ممنهجًا لتوظيف “حماس” كأداة ضغط إقليمية، في مواجهة محور عربي آخر، أو لمغازلة واشنطن في لحظات معينة، أو حتى لمعادلة النفوذ الإيراني التركي في ساحات الصراع بالوكالة. وبمجرد أن تغيرت المعادلات، لم يكن من الصعب على الدوحة أن تدير ظهرها. تركت الحركة في مهب العاصفة، تُواجه وحدها آلة الحرب الإسرائيلية، بينما تنشغل الماكينة الإعلامية القطرية في تغطية “الوساطات” و”الهدن”، بدلًا من طرح الأسئلة الحقيقية: من ورّط غزة؟ ومن تخلى عنها؟ ولماذا؟!
“حماس”، التي رأت في الإعلام القطري منصة دعم، لم تدرك أنها تحولت إلى ورقة تفاوض تُسحب وتُشهر ثم تُلقى جانبًا حين تُستنفذ صلاحيتها. الخطاب الإعلامي الذي ضخّم إنجازات الحركة، وأغفل إخفاقاتها السياسية، وسوّق انتصارات وهمية بعد كل جولة حرب، ساهم في تخدير الوعي الفلسطيني، بل وأضعف القضية نفسها، حين ربطها بمشروع فئوي ضيّق، بدلًا من أن تبقى قضية تحرر شعب يرزح تحت الاحتلال.
النتيجة اليوم واضحة: غزة محاصرة أكثر من أي وقت مضى، مدنها مدمرة، وشعبها بين شهيد وجريح ومهجّر، وحماس منهكة سياسيًا وعسكريًا، تتلقى الطعنات من أقرب من روجوا لها. والكارثة أن الخطاب الإعلامي لم يتغير، بل عاد ليتحدث عن “أعمار” و”مساعدات”، كأن الدماء لم تُسفك، وكأن الخراب لم يكن نتيجة مباشرة لتحالفات مرتهنة لا ترى في غزة إلا منصة بروباغندا.
في ختام سطور مقالي
حين تُستخدم المقاومة كورقة، يتحول الدم إلى صفقة. وما حدث في غزة هو نتيجة طبيعية لتحالفات مشوهة، إعلامية وسياسية، لم تُبْنَ على أساس وطني، بل على حسابات نفوذ ومصالح. من نفخ في جسد حماس حتى انتفخ، ثم تخلّى عنها حين اشتد الوطيس، شريك في الذبح، ولو لبس عباءة الممول أو الوسيط. أما غزة، فلا تحتاج شعارات، بل من يشاركها وجعها دون حسابات، ويصون دمها لا يتاجر به.