اخر الاخبار

حكم السحور والإفطار قبل موعده

مما ابتليت به الأمة في هذه الأزمنة تفرق الأمة إلى دويلات وطوائف، وغياب الموجهين الذين لهم أثر ظاهر على عامة الناس. وفي زمن الانفتاح الإعلامي، والتفلّت الديني، أصبح كل من هب ودب يتحدث في شأن العامة، وصدق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فمن حديث أنس بن مالك وأبي هريرة رضي الله عنهما: “سيأتي على الناسِ سنوات خداعات؛ يُصدّق فيها الكاذب، ويُكذَّب فيها الصادق، ويُؤتَمن فيها الخائن، ويُخوَّن فيها الأمين، ويَنطِق فيها الرويبضة”. قيل: وما الرويبضة؟ قال: “الرجل التافه يتكلّم في أمرِ العامة”. وللأسف، يظن البعض أنه كل مَن تملّك الدليل جاز له الإفتاء به دون مراعاة فقه التنزيل، ولا فقه الواقع ولا فقه المٱلات.

 لقد سلك علماؤنا مسالك كانت نبراسا للمفتين، فيما يتعلق بالمسائل التي شاعت بين الناس حتى ولو ترجّح لهم قول في قرارات أنفسهم، حيث قال أبو عمر بن عبد البر الفقيه المالكي في استذكاره: “وسمعت شيخنا أبا عمر أحمد بن عبد الله هاشم يقول: “كان أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم شيخنا؛ يرفع يديه كلّما خفض ورفع، على حديث ابن عمر في الموطأ؛ وكان أفضل من رأيت وأفقههم وأصحهم علما. فقلت لأبي عمر: لِمَ لا ترفع فنقتدي بك؟ قال: لا أخالف رواية ابن القاسم لأن الجماعة عندنا اليوم عليها، ومخالفة الجماعة فيما قد أبيح لنا ليس من شيم الأئمة”.
(الاستذكار:4/102). وعليه، فإن استقامة أمر الجماعة والحفاظ على وحدتها من أهم مقاصد الشرع، ولهذا قدّم المشهور على راجح، لأن الراجح هو عند الخاصة والمشهور ما عمت به البَلوى بين الناس، والخروج عنه يورث الفتنة.

ومن الحروب الفقهية الموسمية مسألة مواقيت الإمساك والفطور!. إلى من يتسحرون بعد الآذان، ويفطرون قبل الآذان… اتقوا الله، فهذا مخالف للسنة، وشذوذ عن جموع الأمة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون” رواه الترمذي، وفسّر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال: إنما معنى هذا أن الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس.

ولا أدري لماذا هذه الشرذمة تصرّ على مخالفة عموم الناس بدعوى تطبيق السنة وإحياء منهج النبوة، أليست طاعة ولي الأمر واجبة؟ الجواب: نعم. أليس هناك خلاف ببن أهل العلم في الأسفار والتغليس؟ الجواب: نعم. أليس رأي ولي الأمر مرجح في المسائل التي فيها سعة واختلاف؟ الجواب: نعم، لولي الأمر إذا كان عالما أن يختار أحد القولين ويلزم الأمة به. وإن لم يكن ولي الأمر صاحب علم وفقه، فمن جعلهم من مستشاريه من أهل الحل والعقد أن يتبنّى أحد اختياراتهم ويحمل الأمة عليه، وهذا تحقيقا لجمع كلمة الأمة، وعدم الشذوذ وعموم الفوضى بين المسلمين.
ثم المسألة اجتهادية في تقدير الوقت، وليست قطعية، وما كانت كذلك فرجوعها إلى ولي الأمر عن طريق المؤسسة المخولة قانونا وشرعا التابعة لوزارة الشؤون الدينية هي من تتحمل المسؤولية كاملة في الشأن. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “الإمام ضامن والمؤذن مؤتمَن، اللهم أرشِد الأئمة واغفر للمؤذنين” رواه أحمد.

ومن آثار هذا التصرف اللامسؤول: 1 تشكيك الناس في عباداتهم. 2 الطعن في علمائهم. 3 الخروج عن حكامهم. 4 فتنة العوام في صيامهم، خاصة أنهم يجهرون بتصرفاتهم، من خلال الأكل قبل أذان الإفطار، وبعد الإمساك. 5 جُرأة العوام على الأحكام، وعدم الالتزام بنسق المذهب أو الاختيار الذي يحفظ لحمة المجتمع فقها وسلوكا، وفيما ذكره حافظ المغرب والأندلس ابن عبد البر رحمه الله خير معيار وتشوف للمآلات، وكيف لم يعدل عن المشهور، وعدّه ليس من أخلاق العلماء في فتنة العامة، والمسألة فيها سعة. 6 أن كل مسألة اجتهادية خلافية، فإن المسائل العلمية تكون عونا على الترجيح والاختيار.

قال ابن تيمية رحمه الله: “وابن عقيل كان يقول بالأخذ بالحساب في إثبات الهلال، ولا يُعتمد على الشهود، إذا خالفوا الحساب القطعي” (المجموع لابن تيمية:25/183، و«الإعلام” لابن القيم). فهذا ميزان الترجيح، بميزان العلوم التجريبية، عند تساوي الأدلة الظنية، إلا إذا كان هؤلاء الشباب ووراءهم بعض أهل العلم، غفر الله لنا ولهم، يرون أن هؤلاء الحكام خارجون عن السنة، ومعطّلون لها، ومن هذا المنطلق يخالفون، تطبيقا للأثر الذي يرويه سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “لعلكم تدركون أقواما يصلون الصلاة لغيرِ وقتِها، فإذا أدركتُموهم فصلوا في بيوتكم في الوقت ثم صلوا معهم واجعلوها سبحة” رواه مسلم والنسائي.

ويبقى الاحتياط في مسائل الخلاف واجب وشرعي، ورأي الحاكم رافع للخلاف في مسائل التنازع. نسأل الله العفو والعافية، والسلامة في الدين والدنيا. اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق.. والله ولي التوفيق.

* عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *