أمد/ ‏يقول ابن حزم : “يجب أن تُؤرّخ الفضائل والرذائل لينفر سامعها عن القبيح المأثور عن غيره ويرغب في الحسن المنقول عن من تقدمه ويتّعظ بما سلف”. و بالتالي اختيار الكلام أصعب من تأليفه، كان الأستاذ قد كتب قبل تنفيذ مخطط الانقسام والخراب الصهيوني. الحكاية التالية، عن رجلان و قضية.. القضية هنا هي الحمار. والقصعة.

نبلغك يا استاذنا العظيم بعميق الأسف أن قضية شعبك العظيمة التي تركتها ، لم تعد عظيمة بل تحولت إلى تلك القصعة وتداعى عليها الأقربون والأبعدون ، واللي يسوى واللي ما يسواش؟! لم تبتعد كلمات الأستاذ كثيرا عن مفردات وتراكیب وصور اللغة الفصحى المأثورة في بعض المقالات، فمعه الزمان فيه كل المراحل تتداخل فاقدة الترتيب أحيانًا ودون فواصل فأعيش الأمس كأنه اليوم أو  أنساه تمامًا.

قال: اثنان من فقراء الدنيا ومعهما حمار يحمل حاجياتهما القليلة. الثلاثة متعبون جائعون ضائعون، خرجوا من بلدهم باحثين عن العدل والأمن وشربة ماء وكسرة خبز. وفي البرية وبالقرب من قرية مصرية على أطراف الوادي، مات الحمار من الجوع وفرط الإجهاد، فدفناه تحت شجرة ظليلة.

مرت بهما سيدة قروية، سألتهما عن سبب وجودهما في هذا القفر. ويبدو أن كل ما يشعران به من اكتئاب ويأس وتعاسة تحول إلى طاقة مرح، فقالا لها: نحن هنا في زيارة لأحد أولياء الله الصالحين المدفون تحت هذه الشجرة.. إنه «سيدي الحمار».. لم أسمع عنه من قبل، وهل له كرامات؟ ما هي..؟ كراماته لا تعد ولا تحصى يا سيدتي.. واندفع الرجلان في تأليف أحداث لسيرة ذاتية لولي معتبر.. تركتهما السيدة وعادت إلى قريتها.

بعد ساعتين جاء خادمان ومعهما صينية نحاسية كبيرة عليها ما لذ وطاب من طعام وشراب. وفي الصباح جاءت صينية بالإفطار لا نعرف من أرسلها، ثم جاء أحد أعيان القرية ليتبرع ببناء ضريح يليق بـ«سيدي الحمار»، وهذا ما حدث. في أيام قليلة، أصبح لـ«سيدي الحمار» مولد يرعاه خادمان هما بطلا هذه الحكاية. هكذا بدأ آلاف المريدين يأتون للتبرك بـ«سيدي الحمار» من أماكن بعيدة، طبقًا لمثل شعبي قديم يقول: «الشيخ البعيد سره باتع». الواقع أن عددًا كبيرًا من البشر بدأوا يرددون حكايات كثيرة عن أشياء أشبه بالمعجزات حدثت لهم بعد زيارتهم لـ«سيدي الحمار».

أساتذة أفاضل في برامج تلفزيونية تكلموا عن حياة «سيدي الحمار»، وعن دوره في حماية منطقة وجه بحري أثناء الحروب الصليبية، كما ظهرت مجموعة سمت نفسها «الحماريون» رشحوا أنفسهم لانتخابات. هؤلاء بالتحديد شنوا هجومًا على البعض، لأنها لم تعتن بمولد «سيدي الحمار» كما يجب.

ابتسمت الدنيا للرجلين.. لم تبتسم فقط؛ بل ضحكت وقهقهت. انتقلا لحالة من الثراء الشديد نتيجة لما يضعه الزوار المريدون في صندوق النذور من أموال وقطع ذهبية. لم تحصل وزارة الأوقاف على نصيب من هذا الصندوق، لأن «سيدي الحمار» ليس مسجلاً في ملفاتهم. ومع كثرة الفلوس، ينتعش الطمع. أحد الرجلين أخذ من الصندوق أكثر مما يستحق، فأخذ صاحبه يراجع حساباته بدقة، فبدأ الشخص المشكوك في ذمته يقسم أغلظ الأيمان أنه لم يحصل على أكثر من نصيبه: طب وحياة «سيدي الحمار» ما حصل.. فصاح فيه صاحبه: وحياة سيدك مين يا خويا..؟ ده احنا دافنينه سوا.

بتفكرك بمين الحكاية اللطيفة دي؟ أكيد وصل الخاطر لموالسة الخراب واتحاد ملاك القضية، ومن يخلطون السياسة بالكوميديا، بالدجل والدجلانة، والخردة الفكرية، برغم من ذلك العلاقة بينهم قائمة على أساس فكري متين.. كل واحد منهم شايف التاني حمار..!!

شاركها.