حفظ كلي النسل (النسب)
المحافظة على النسل صورة بقاء وجود النوع الإنساني، وهذا مقتضى فطرته، وحافز نشاطه، حتى يندفع إلى العمل ولا ينقطع فيه الأمل، وهو ضمان لاستمرار هذا النوع في الأجيال المتعاقبة، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ويتم هذا الحفظ كما يأتي:
حفظه من جانب العدم
لصيانته من هذا الجانب، حرمت الشريعة اقتراب الزنى، فقال تعالى: {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا} الإسراء، وأوجب الحد على مرتكبه فقال: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} النور، وذهبت السنة إلى أبعد من هذا، حيث نفت صفة الإيمان عن الفرد حال قيامه بهذه الفاحشة، قال صلّى الله عليه وسلم: “لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن”.
ويؤكد هذا الحفظ ما ورد من التغليظ في الشريعة من منع نكاح السر، والنكاح بدون ولي، قال صلّى الله عليه وسلم: “أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل…”. وإلى جانب هذا، سارعت الشريعة إلى حسم جميع مواد الاختلاط الجنسي التي تفضي إلى انحلال في الأخلاق، واختلاط في الأنساب وسدّ جميع الذرائع المؤدية إلى ذلك. وقال أبو زهرة معلقا على هذا المعنى: “إن ذلك اعتداء على الأمانة الإنسانية التي أودعها الله تعالى جسم الرجل والمرأة؛ ليكون منهما النسل والتوالد الذي يمنع فناء الجنس البشري”.
ومن مظاهر التشديد في المحافظة على النسل أن تكون المسالك المشروعة لحلّ الحياة الزوجية مبغوضة عند الله تعالى، وذلك نظرا للآثار السلبية التي تترتب عليها في حفظ هذا الكلي، إذا كانت تلك العلاقة خاصة قد أثمرت نسلا، فإن مفهوم الحماية له سينخرم حتما بحلها، قال صلّى الله عليه وسلم: “إن أبغض الحلال إلى الله الطلاق”. كما تمنع الشريعة ولي الأمر من اتخاذ قرار يقضي بتحديد النسل جبرا وإكراها للأمة، أو يمارس عليها ضغوطا تخضعها لذلك الإجراء؛ لأن في ذلك حدّا من حرية التناسل وتقييدا لسنة التوالد من غير مسوغ ولا دليل، أو ضرورة واقعة، أو حاجة ملحة، وقال صلّى الله عليه وسلم في هذا الشأن: “تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة”.
ومن الوسائل التي أقامتها الشريعة حماية للنسل تحريم الإجهاض إذا ما حلت الحياة في الجنين؛ لأن وقتها أصبح كائنا حيّا، وجبت حمايته، والإجهاض يعدّ قتلا له وإخلالا بواجب الحماية نحوه من قبل الولي، حيث قال تعالى في ذلك: {قل تعالوا أتل ما حرّم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون} الأنعام.
ومن هذا القبيل، سئل الرسول صلّى الله عليه وسلم عن أي الذنوب أكبر، فقال: “أن تدعو لله ندا وهو خلقك، قيل ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك، قيل ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك”، هذا الحديث قد جعل قتل الأولاد من أكبر الكبائر، وذلك عند التعرّض لهم بالإسقاط والإجهاض، إذا ما قدر بين الأبوين، قال ابن جزي: “إذا قبض الرحم المني لم يجز التعرض له، وأشد من ذلك إذا نفخ فيه الروح؛ فإنه قتل نفس إجماعا”. وبهذا، اتضح جليا أن الشريعة حرصت حرصا شديدا وشرعت كل الوسائل الكفيلة بحماية هذا الكلي.
* رئيس الهيئة الشرعية بمصرف السلام الجزائر