أمد/

منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر 2023، تشهَد المنطقة انهيارًا شبه شامل في بنيتها المصرفية، خاصةً في البنية النقدية والمالية. فقد أُغلقت معظم البنوك، واندثرت مواقعها، وفُرمت الصرافات الاليه فيما منعت إسرائيل إدخال العملات الجديدة إلى القطاع، بما في ذلك الشيكل الإسرائيلي، المستخدم كعملة رئيسية.

أولًا: شلل النظام المصرفي

    •    وفق تقرير سلطة النقد الفلسطينية (PMA)، تم تدمير أو تعطيل حوالي 98٪ من الفروع المصرفية وأجهزة الصراف الآلي في غزة، بينما أعلنت السلطة في يناير 2025 عن إعادة تشغيل محدودة فقط عبر عدد محدود من الفروع.

    •    رُصد أن ما يقرب من 180 مليون شيكل (أو ما يعادل 54 مليون دولار) سُرق من خزائن بعض البنوك، مثل بنك فلسطين ومقرات أخرى في غزة.

    •    خُسِر في القطاع المالي ما يزيد عن 14 مليون دولار مباشرة، بالإضافة إلى أكثر من مليار دولار في محفظة القروض والتأثير السلبي على مستوى المخاطر الائتمانية.

ثانيًا: أزمة السيولة ونقص النقد

    •    منذ أكتوبر 2023، تسببت القيود الإسرائيلية في توقف كامل لتوريد النقد، ما دفع نحو 1.2 مليار شيكل عجزًا نقديًا حتى يونيو 2024، مع زيادة شهرية تُقدّر بـ200 مليون شيكل.

    •    ارتفع التضخم ليتجاوز 500٪بحسب مؤشر أسعار المستهلكين في غزة.

    •    تعدّدت مصادر الانكماش المالي: فقد انقطع نحو 100 مليون دولار شهريًا من عوائد العمال في إسرائيل، و30 مليون دولار من المساعدات القطرية، و13.5 مليون دولار من UNRWA لدفع الرواتب، جميعها تعرّضت للقيود أو الانقطاع الكامل.

ثالثًا: الانتعاش المضطرب للسوق السوداء وظاهرة “التكييش”

    •    انتشرت سوق موازية تديرها وسطاء ومحلات صرافة غير مرخّصة، يفرضون عمولات ضخمة تصل إلى 30‑40 ٪ لتحويل الرواتب أو الحوالات إلى نقد، ومنها تحويل 1000 شيكل إلى نحو 600‑700 نقدًا فقط.

    •    ظهرت ظاهرة “تكييش” أو “Cash repairers”: وأشخاص يرمّمون فئات نقدية ممزقة أو صدئة يدويًا، باستخدام مواد كالمبيض والصمغ، حتى يقبلها التجار مرة أخرى، بينما يكتسبون لقمة العيش من حاجة الناس لنقد صالح.

    •    أوضحت PMA أن هذه الجهات غير المرخصة تعمل بحرية وتواصل استغلال المواطنين، رغم القوانين التي تمنع ذلك، دون تطبيق حقيقي للعقوبات.

رابعًا: علاقة الصرافيين والقوى المسيطرة

    •    هناك شبهات قوية تُشير إلى أن بعض وسطاء النقد لهم علاقات مع فصائل محلية أو جهات نافذة، تُنظر إليها كشبكات محمية بصورة غير مباشرة، في ظل غياب الرقابة وتفكك السلطة القانونية.

    •    حسب تقارير إعلامية ومحللين، يُستخدم نظام الحوالات غير الرسمي (hawala) الذي يُقدّر بمئات ملايين الشواقل سنويًا، لتأمين السيولة من الخارج، وتُديره جهات يُرجّح ارتباطها بجماعات محلية. ثم تُباع تلك النقود في السوق السوداء بأسعار مضخمة.

    •    يذكر تقرير Washington Post أن هناك استغلالًا لبعض التنظيمات للسيولة النقدية والمساعدات وتحويلها لآلة تمويل داخلي، بما في ذلك تحصيل عمولات خارج إطار القانون من خلال شبكات مرتبطة بأسر متنفذة أو تجار كبار في القطاع.

خامسًا: التداعيات الإنسانية والاقتصادية

    •    ارتفعت نسب الفقر إلى أكثر من 80‑90٪، بينما أصبح نحو 90٪ من السكان يعانون انعدام الأمن الغذائي.

    •    تضخمت معدلات البطالة في غزة لتصل إلى 85‑90 ٪ من القوى العاملة، مما أدى إلى شلل الإنتاج الاقتصادي تقريبًا، بحسب البنك الدولي ومنظمة العمل الدولية (ILO).

    •    تراجعت الثقة في النظام المصرفي لصالح التحويلات غير الرسمية، بقيمة آلاف العمليات شهريًا عبر محافظ PMA الإلكترونية، التي تجاوزت 530 ألف محفظة بقيمة تراكمية تخطت 40 مليون دولار حتى فبراير 2025.

سادسًا: التنصل من اتفاقية باريس وجريمة الحصار المصرفي

    •    تنص المادة 4 من بروتوكول باريس الاقتصادي (1994) على إلزام إسرائيل بتحويل فائض الشيكل وتسهيل تدفق السيولة النقدية إلى السلطة الفلسطينية.

    •    منذ أكتوبر 2023، رفضت إسرائيل هذا الالتزام، وفرضت حصارًا اقتصاديًا ونقديًا ممنهجًا على القطاع المصرفي في غزة والضفة، ما يشكّل خرقاً مباشراً لاتفاقيات باريس.

    •    في يونيو 2025، قرر وزير المالية الإسرائيلي إلغاء الإعفاء المصرفي الذي كان يتيح للمصارف الإسرائيلية معالجة المعاملات الخاصة بالسلطة دون مسؤولية قانونية، مما ينذر بعزل مالي واسع وتأزيم الاقتصاد الفلسطيني.

سابعًا: الآثار النفسية والاجتماعية لأزمة السيولة

    •    تفكك الروابط الاجتماعية: تزايدت الخلافات داخل الأسر بسبب العجز عن تلبية الاحتياجات الأساسية، ما خلق مناخًا من التوتر والانكفاء الداخلي.

    •    اضطرابات نفسية حادة: سُجلت حالات متزايدة من الاكتئاب والقلق والانهيار العصبي، لا سيما بين الشباب والعائلات المُعيلة.

    •    تسرب التعليم وتفشي عمل الأطفال: عدم القدرة على دفع الرسوم أو الوصول للمدارس دفع آلاف الأطفال للتسرب أو الانخراط في سوق العمل بشكل عشوائي.

    •    زيادة معدلات الجريمة والانحراف: لوحظ تصاعد في السرقات والنصب، تحت وطأة الفقر والبطالة وانهيار منظومات الدعم الاجتماعي.

    •    الهجرة الداخلية والتهجير القسري: انتقلت آلاف العائلات من منازلها إلى مناطق غير مهيأة، مما أدى إلى تآكل البنية الاجتماعية والشعور بالعزلة.

    •    تدهور كرامة الفرد: أصبحت طوابير المساعدات، وانتظار النقد من صرافين غير مرخصين، مشهدًا يوميًا يُجسد إذلالًا ممنهجًا للكرامة الإنسانية.

خاتمة وتوصيات

تكشف الأرقام والتقارير الحديثة أن أزمة السيولة في غزة باتت أرضية لحصار مركّب، يُمارَس كحرب اقتصادية غير مسبوقة، تستهدف عصب الحياة اليومية للمواطنين. لقد تحوّلت النواقص الفنية إلى أدوات اعتداء، أدّت إلى ارتفاع الأسعار، وانهيار البنية المالية، واستقطاب قوى غير مرخصة لتُحكم قبضتها على المال بعيدًا عن أي محاسبة أو شفافية.

    1.    الضغط الدولي العاجل: حث البنك الدولي وصندوق النقد والاتحاد الأوروبي على ضمان تطبيق اتفاق باريس وتسهيل دخول السيولة.

    2.    صندوق طوارئ نقدي: تحت إشراف أممي ومحلي لتوصيل النقد للموظفين والمتقاعدين دون وسطاء.

    3.    نظام رقمي آمن ومحايد: دعم محافظ إلكترونية مرخصة بإشراف دولي يضمن العدالة والشفافية.

    4.    تحقيقات دولية: لتوثيق نهب البنوك وجرائم الحصار المالي وتقديمها لمحاكم دولية.

    5.    دعم الابتكار المالي الوطني: تعزيز المحافظ الرقمية وربطها بنظم الدفع العالمية لتقليل السوق السوداء.

    6.    تعزيز الرقابة والعدالة: ضبط سوق الصرافة، ومحاسبة الجهات غير المرخصة، وكشف شبكات الاستغلال المرتبطة بالقوى المسيطرة

7.علي سلطه النقد الفلسطينيه

فتح رابط لشكاوي المواطنين

لتقديم شكاوي علي كلا من الصرافين والمرابين اللذين استغلوا معاناتهم واتخاذ اجراءات رادعه بتجميد ارصدتهم في البنوك ووضع اسمائهم علي قوائم الممنوعين من السفر.

محاضر في جامعة الأزهر غزة

عضو الأمانة العامة لاتحاد الاقتصاديين الفلسطينيين

شاركها.