أمد/ عودٌ على ذي بدء ، بتنا نشهد حراكاً دراماتيكياً ، وقفزةً جديدةً للأمام ، هكذا بات المشهد داخل العمق السوري جهة القنيطرة وخاصة منطقة السويداء ، حيث يتواجد الدروز بكثافة في محافظتي السويداء والقنيطرة في سوريا ، وتعتبر السويداء هي المعقل الرئيسي للدروز في سوريا ، ويُطلق عليها أحيانًا “جبل الدروز” ، كما أن هناك تواجدًا درزيًا ملحوظًا في القنيطرة ، خاصةً في الأجزاء التي كانت تحت الإدارة السورية قبل عام 1967..

فالجيش السوري ينظر إلى الخارطة الجيوسياسية على وجه العموم ، ووجوب بسط سيطرته على جميع الأراضي السورية ، “وعلى اعتبار وحدة الأراضي السورية مع عدم تعارض ذلك مع التَّكتُّلات الطائفية” ، إلا أن هذه الخطوات لم ترق للخصوم ، فالجميع له أهدافه التي تتعارض مع هذه الخطوات غير المسبوقة منذ تولِّي الشَّرع “الجولاني” رئاسة الدولة السورية..

لاعبين كثر في المشهد ، ومع تبدُّل التحالفات ، نشأت خطط جديدة تهدف تغيير وجه الشرق الأوسط ومن ضمنها سوريا ، فالأطماع التوسعية لإسرائيل لا زالت على قائمة التنفيذ ، كيف لا وجُلُّ هذه الأهداف تمَّت صياغتها ووضعها لتحقيق الحلم الكبير (مملكة داوود | إسرائيل الكبرى)..

ومن جديد تطفو القضية الإيرانية على السطح ، وما التَّذرُّع الإسرائيلي ومن خلفه الأمريكي بالنووي وسلسلة الأبحاث والمخزون النووي ، والضغط على إيران لإجبارها على العودة للمفاوضات على قاعدة التخلِّي عن كامل إنجازاتها في هذا الملف ، إلا لتفجير المشهد ، ومحاولة عاجلة لقطع الطريق على إيران ومنعها من التدخُّل في الشَّأن السوري ، على خلفية حماية الشيعة العلويين هناك ، وتقطيع أوصال الإمتداد الشيعي بين إيران وسوريا ولبنان ، كما سبقتها العراق ، مع عدم التغافل عن أهداف السعودية المنبثقة عن حماية السُّنَّة ، وتركيا التي دعمت وأتت بدعم صهيوأمريكي بقائد المرحلة الجديد ” الشَّرع | الجولاني” ، وعلى خلفية ذلك قضمت مساحات واسعة من الأراضي السورية ، من أجل حماية عمقها الإستراتيجي ، وقطع الطريق على إيران وإسرائيل في تلك الجغرافيا الممتدة هناك ، وكلٌّ له أهدافه ومصالحه..

نتنياهو يقفز بقوة بإتجاه سوريا للسيطرة على القنيطرة والسويداء “جبل الدروز” ، بهدف حماية الدروز ، ومن خلف ذلك يقبع هدف إقامة دويلة للدروز وحكم ذاتي فيها ، وقد سبق ذلك السيطرة على جبل الشيخ ، ومن قبلها بسنوات السيطرة على الجليل والجولان بعد 1967 ، وعلى الجهة الأخرى يقفز ترامب هذه المرة بإتجاه إيران ، ويوجه رسالة قوية للشعب الإيراني بمغادرة طهران ، وما ذلك إلا بدوافع قوية من قبل إسرائيل ، من أجل إعادة الكرَّة من جديد ، ونصب عينها قلب وتغيير نظام الحكم في إيران لينسجم ويتماشى مع أهداف المرحلة “شرق أوسط جديد” ، وإرباك المشهد الإيراني ، لمنع إيران وقطع الطريق عليها من النفاذ إلى المشهد السوري والإنشغال بذاتها وما يحدث على ساحتها من مستجدات..

على الجانب الآخر ، حراك تفاوضي ، في قطر بمشاركة مصر ، وخلف الكواليس بتوجيهات أمريكية، مماطلة وتسويف إسرائيلي ، وخرائط إعادة الإنتشار للجيش الإسرائيلي تعرقل كامل المفاوضات ، وتعيق إتمام الصفقة ، مع الظهور بمظهر الراغب بإتمامها ، وإتهام حماس بعرقلتها ، والإهتمام الأمريكي بسرعة الإنجاز ، وما الهدف من وراء ذلك إلا محاولة إطفاء نيران الشارع الإسرائيلي ، وتخفيف ضغط المعارضة ، والهروب من ملفات القضاء ومحاكمته ، وخشية الإطاحة بالحكومة وحل الكنيست ، خاصة بعد إنسحاب ثلاثة أحزاب دينية من الإئتلاف الحاكم ، وكذلك تخفيف الضغط الدولي الناجم عن الحرب التي تشنُّها إسرائيل في غزة ، وبذلك يضمن تحويل كامل الأنظار بإتجاه الأحداث في سوريا ، وتباعاً ما سيحدث في إيران..

وبين هذا وذاك ، هناك الكثير من الساحات التي تنتظر عبثية المشهد ، ويتم تحضير الخطط لذلك ، وتم وضعها تحت المجهر ، بالموازاة مع سلسلة إختراقات سياسية وأمنية وإقتصادية وتكنولوجية ، من أجل السيطرة والتحكُّم المستقبلي لحظة التنفيذ ، فلا زالت الساحات العراقية ، والكويتية ، واليمنية ، والمصرية ، والسودانية ، والأردنية تنتظر على خارطة الإنتظار ، أما الساحة اللبنانية فالحراك الأمني والعسكري لم يتوقف فيها ولم تستكمل جملة أهدافها بعد ، وقد تلتحق بالمشهد السوري كإمتداد وعمق جغرافي إستراتيجي لإسرائيل ، وأطماعها في المنطقة..

⬅️ الخاتمـــة :

وفق توصيف المشهد الجيوسياسي ، فدول “الهلال الخصيب” والتي يشار إليها في الإصطلاح الجغرافي “منطقة الشرق الأوسط” وتتميز بخصوبة أراضيها ووفرة مياهها ، ونشأت على أراضيها العديد من الحضارات القديمة ، باتت أحد أهم الأهداف الحالية والمستقبلية لإسرائيل وأمريكا على حدٍّ سواء..

ولقراءة الخارطة الجيوسياسية بشكل من الوضوح ، نرى أن دول الهلال الخصيب تشمل ما يلي من دول :

العراق (بلاد الرافدين) ، سوريا ، لبنان ، فلسطين (بما في ذلك الضفة الغربية وقطاع غزة وإسرائيل) ، الأردن..

ووفقاً لبعض المصادر ، قد يشمل الهلال الخصيب أيضاً أجزاء من:

تركيا (خاصة الأجزاء الجنوبية الشرقية التي تشمل منابع نهري دجلة والفرات) ، إيران (الأجزاء الغربية أو الجنوبية الغربية) ، مصر (خاصة منطقة شبه جزيرة سيناء ونهر النيل) ، الكويت (شمال الكويت) ، قبرص (في بعض الأحيان) ، وقد شهدنا حركة النزوح اليهودية خلال الصراع مع إيران بإتجاهها وامتلاك عقارات وأراضي فيها..

ويُشار إلى أن الهلال الخصيب هو منطقة جغرافية تاريخية وليست حدوداً سياسية ثابتة ، لذلك قد تختلف الدول المشمولة في التعريف قليلاً حسب السياق والدراسة ، ورغم هذا الإختلاف فجميعها مشمولة في الخارطة الجيوسياسية والديموغرافية (لمملكة داوود | إسرائيل الكبرى).

وهنا تثار جملة من التساؤلات والتي تبحث في الحقائق عن إجابات:

🟥 هل نشهد تمزيق النَّسيج المجتمعي والجُّغرافيا السُّوريَّة على أساس طائفي ، وإقامة دويلة وحكم ذاتي للدُّروز ؟!

🟥 أم هي قفزة إسرائيلية للتَّوسُّع شرقاً وقضم مساحات واسعة من الأراضي السُّوريَّة بدعوى حماية الدُّروز ، والهدف من خلفها خطوات جديدة تدعم وترسِّخ قيام مملكة داوود (إسرائيل الكبرى) ؟!

🟥 وعَودٌ على ذي بدء ، هل تحذو إيران حذو إسرائيل ، والتَّدخُّل في الشَّأن السُّوري بدعوى حماية الشِّيعة وتطالب بدويلة لهم ، ومن خلفها السُّعودية لحماية السُّنَّة وتطالب بحماية الأراضي السُّوريَّة ؟!

🟥 ثم أين الدَّور التُّركي اللاعب الأبرز من مجمل الأحداث التي تدور على الأراضي السُّوريَّة ، أليس هي من أدخلت الجُّولاني إلى هناك ودعمته ، وقضمت مساحات كبيرة من الأراضي السُّوريَّة كعمق إستراتيجي لها ؟!

🟥 أليس ما يدور بسوريا مخطَّط صهيوأمريكي تم إعداده مسبقاً بإزاحة الأسد ، لتأتي بالجُّولاني ومهَّدت الطَّريق أمامه ، من أجل العبث بخارطة الجُّغرافيا السِّياسيَّة للمنطقة ، لخدمة الهدف الكبير (الشَّرق الأوسط الجَّديد) ، والذي بدوره يخدم المطامع الصَّهيونيَّة بسوريا ؟!

🟥 ومن ثم ، ما الهدف من القفزة الأمريكية وفي هذا التوقيت الحرج بالذات بإتجاه إيران تارةً أخرى ، والتهديد بضرب طهران ووجوب نزوح سكانها بشكل عاجل ، أهو لإرباك المشهد كعنصر إلهاء عن ما يدور بسوريا وقطع الطريق عليها ، أم بهدف الإطاحة بالنظام وتغييره بما يخدم الأهداف الصهيوأمريكية في المنطقة ؟!

🔴 في الحقيقة أنَّ جميع الإجابات على جميع ما سبق تؤَصِّل لمفهوم واحد ووحيد ، هو أنَّ تمزيق سوريا قائم لا محالة ، وقطار الأطماع التوسُّعية إنطلق بإتجاه دول الهلال الخصيب دون توقُّف ، وتعدَّدت الخصوم واللاعب الفائز واحد..

شاركها.