أمد/ في زاوية خيمة مهترئة، لا تقي من بردٍ ولا جوع، جلست أمٌّ فلسطينية تضم بين ذراعيها طفلتها الرضيعة. كانت تُغطيها بملابس خفيفة لا تردُّ الصقيع، وتشدّها إلى صدرها علّ حرارتها تُعيد لهذا الجسد الصغير دفئًا فقده منذ ليالٍ طويلة. لكن البرد كان أقوى من كل محاولة، وأقسى من كل حنان.
في تلك اللحظات، داخل خيام النازحين في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، توقّف الزمن.
لم تعد الأم تبكي، فقد تجاوز الألم حدوده. نظرت إلى طفلتها التي هدأ نفسها إلى الأبد، وكأنها نامت نومًا أخيرًا لا تريد أن تستيقظ منه. رضيعٌ لم يعرف من الدنيا سوى حضن أمه، ولم يعرف من الحرب سوى البرد والجوع والترحال.
إنها قصة واحدة من بين آلاف القصص التي لا تُروى، ومعاناة تتكرر كل يوم داخل الخيام التي لا تضمن حياة، بل تؤجل الموت فقط.
بردٌ ينهشُ الصغار، وجوعٌ يحاصر الكبار، وأمّهاتٌ يحاولن المستحيل لحماية أبنائهن في عالمٍ لم يعد يكترث بما يجري خلف أسوار غزة.
نكتب اليوم حتى لا ننساهم.
حتى لا تصبح هذه الطفلة رقمًا في الأخبار، أو سطرًا عابرًا في تقرير.
حتى لا نتعامل مع الفاجعة كأنها مشهدٌ اعتدناه.
حتى لا نسمح للإنسانية أن تتآكل داخلنا ونحن نشاهد أمًّا تُودّع قطعة من قلبها لأن خيمة لم تمنحها دفئًا، ولأن العالم كله لم يمنحها فرصة الحياة.
هذه القصة ليست نهاية، بل نداء.
نداء بأن هناك أطفالًا ينتظرون قبس دفء، وأمهاتٍ ينتظرن أن يشعر أحد بمعاناتهن، وشعبًا كاملًا يقف على حافة الألم كل يوم.
نكتب… ونعلم أن الكلمات لا تكفي، لكنها أقل ما يمكن فعله حتى لا ننساهم.
