جولةٌ في المدى بحثا عن المقرّ الجديد لشركة انترنت مدى

أمد/ لدواعيها واسبابها الخاصة، وربما لدواعي ومن اجل تطوّرها وتطويرها، فالارباح وفيرة، غيّرت شركة انترنت مدى وبدّلت مقر مكاتبها، من المقر القديم في عمارة برج الشيخ، على طريق القدس، في مدينة رام الله والبيرة، إلى مكاتب جديدة في مقرٍ جديدٍ، في حي الماصيون الراقي،
وهنا مربط الفرس واصل الحكاية والرواية “والسالوفة”،
وصلني، على هاتفي الذكي النقّال، رسالة مكتوبة من شركة مدى للانترنت، فحواها ما يلي:
“مُشتركنا العزيز، يُسعدنا استقبالك في مركز الخدمات في مقرّنا الجديد، بُرج إيليت، شارع ناجي العلي، الماصيون، رام الله”،
انتهى نص الرسالة،
ووصلني بنفس الطريقة بعد عدة ايام رسالة ثانية من مدى تقول:
“مُشتركنا العزيز، نُعلمكم بان فاتورة الرقم، …، قد صدرت بتاريخ 15 2025، نشكر ثقتكم ونعتزّ بكم”،
انتهى نص الرسالة الثانية،
يعني تعالوا ادفعوا الفاتورة!!!،
أنا، بدوري، وكالتزام عليّ، اخذت الموضوع بجدّية وربما ببساطة، وخاصة وان هناك فاتورة قد ازف موعد تسديد قيمتها نقدا وكاش، وباليد،
قلت في نفسي: “انه مُجرّد عنوان، لا اكثر ولا اقل، والسالوفة ليست طويلة ولا قصيرة،
ونحن في رام الله ولسنا لا في نيويورك ولا في شنغهاي!!!”،
ألم اقل لكم انني اخذت الامور ببساطة وربما اكثر مما ينبغي؟؟؟!!!،
شددت الرحال امس صباحا في رحلة بحثٍ عن العنوان المطلوب ( وونتيد، كما في افلام الكاوبوي الامريكية)،
لكنني، عندما بدأت رحلة البحث هذه “الميمونة”، عن عنوان شركة مدى الجديد “النوفي”، في هذا الفضاء الرحب الفسيح المدى، تبيّن لي أن الموضوع ليس سهلا كما بدا لي للوهلة الاولى وكلّ الخطوط المزركشة يتعدّى!!!،
اين طرف الخيط؟؟؟، اين امسك طرف الخيط، من اين ابدأ؟؟؟،
“هذا هو السؤال، كما يقول شكسبير”،
فكلّ ما في جعبتي من معلومات لا تتعدّى:
“عمارة إيليت، شارع ناجي العلي، الماصيون”، رام الله،
ما شاء الله ما شاء الله، ربما احتاج الامر إلى قارئة فنجان أو عالم في التنجيم والتبصير وعلوم الفلك!!!،
وهل يا تُرى ساجد شارع ناجي العلي بسهولة؟؟، وهل وضعوا على طول الشارع صور رسم “حنظلة”، احتفاء بشخصية ناجي العلي الكاريكاتيرية الاشهر من نار على علم؟؟؟!!!،
توكّلت على الله وقلت في نفسي، ساسير على هدي مقولة الامام علي ابن ابي طالب، الذي اعتبره بحق من اعظم رجال التاريخ:
“الاقتصاد في النفقة نصف العيش وحُسنُ السؤال نصف العلم”،
نعم “حُسنُ السؤال نصف العلم”، فسأسأل وأسأل اذن،
توجّهت بسيارتي من شارع الارسال في مدخل البيرة الشمالي باتجاه ما اعتبرته حي الماصيون،
ربما لانني متعوّد للذهاب إلى متحف محمود درويش على التلّة المقابلة لقصر الثقافة لحضور والمشاركة في فعاليات ادبية وثقافية، فقد اتجهت اولا نحو تلك المنطقة لامسك طرف الخيط،
توقّفت امام عمارة باسقة تحوي في رحمها مطعم “اسكيدنيا”، سبق ان كان لي قصة معه، فهل تتكرّر القصص؟؟؟،
كان على مدخل العمارة في الشارع العريض النظيف خمسة شبّان، اثنان منهما يتمنطقان ببزة الشرطة الرسمية ويحملان سلاح الكلاشنكوف، وهو سلاح روسي اخترعة وابدع فيه روسي اسمه كلاشنكوف، ويسمونه تبسيطا “كلاشن”،
والثلاث شبان الآخرين يرتدون ملابس مدنية، لكن تبدو عليهم ملامح اليقظة والتحفّز وصغر السن،
تقدّم احدهم مني من جهة شباك سيارتي المفتوح، وسلّم بتهذيب شديد وسأل اذا ما كنت بحاجة إلى شيء،
فاجبته طبعا محتاج إلى شيء،
“محتاجٌ ان اصل إلى عمارة ايليت شارع ناجي العلي في الماصيون، أليس هنا الماصيون؟؟،
فاجاب لا، هنا حي عين منجد،
فقلت له بسرعة وانا منجد، اذن انتم في ممتلكاتي، قلتها ضاحكا مازحا، ونحن في نهاية الشهر وربما ليس في جيبي مئة شيقل، لكن “صيت غنى ولا صيت فقر”، كما يقول المثل الشعبي،
يبدو ان سالوفة عين منجد وربطها بي اعجبت الشباب فبدأوا يتهامسون بصوت عالي ويتمايلون،
قلت له: “ألا تدلّني على العنوان، من فضلك؟؟؟”،
فاستلّ من جيبه هاتفه النقال وبدأ يُدقدق عليه طلبا للمعلومة،
مع معلرفتي المتواضعة بشؤون الانترنت بدا لي انه يتصل مع موسكو وواشنطن وربما باريس وروما طلبا للمعلومات حول عمارة ايليت!!!،
وبعد تدخّل حثيث من الشباب الاخرين، توصلوا إلى قرار جماعي، لم اشارك به، بل كنت متفرّجا، أن هذه العمارة إيليت في هذا الشارع ناجي العلي، تقع يالقرب من مقر البنك العربي وفندق الغران بارك في المصيون، بعيدا عن عمارتهم،
شكرتهم جزيل الشكر على المساعدة واللطافة، وسألت الشاب: “ماذا تعمل؟؟؟،
فاجابني بنوع من الزهو والفخر: “اعمل امن مع الشرطة الاوروبية،
قلت في نفسي الحمد لله لدينا شرطة اوروبية ايضا!!!، فالاوروبيين جيراننا الشماليون في حوض البحر الابيض المتوسّط،
شددت الرحال إلى ما يمكن ان اسمّيها المرحلة الثانية من رحلة البحث عن مقر شركة انترنت مدى الجديد،
يا فرج الله، ارجو ان تسير الامور على خير، فالشمس بدأت تلسع باشعّتها رغم ان الشتاء المُنصرم ما زال يُعاند في المغادرة!!!،
وصلت إلى حي الماصيون، بحق وحقيقي، وكنت افكّر في العثور على مطلبي ومرادي، بالقرب من بناية البنك العربي وفندق غراند بارك، كما ارشدوني “جماعة عمارة عين منجد” اللطفاء،
إلتففت بالمركبة من ناحية فندق الغراند بارك نحو الجهة الثانية المُقابلة، التي تشمخ فيها عمارة البنك العربي، “والبنوك هي اغنى المؤسسات في وطننا الحبيب”، حتى ان الموظفين العاملين فيها، اللهم لا حسد، هم شريحة مرتاحة وربما مريّشة، من الموظفين، يتقاضون رواتبهم كاملة شاملة في توقيت خلق الله والناس، وليس كموظفي القطاع العام، الذين يتقاضون نسبة من رواتبهم فقط، ويصرفون على الدولة من رواتبهم وجيوبهم!!!، “ولله في خلقه شؤون”،
قبل بناية البنك العربي، على الرصيف العريض، تحفّهاشجار جميلة مُنسقّة، لاحظت “كُشكيبيع القهوة والشاي والمرطبات، قلت في نفسي:
“إربط هنا، هنا مبرط خيولنا،
ما ان توقفت على طرف الشارع بجانب الكشك، حتى سارع شاب يجلس يجانب الكشك في الشمس ويلبس طاقيّة كسكيت، وسألني ان كنت احبّ ان اتناول شيئا؟؟؟،
“احضر لي من فصلك كأس قهوة مغليّة مليح، دون وش، وزجاجة ماء باردة”، اجبته
احضر لي القهوة والماء البارد سريعا، سألته: “هل تعرف في هذه المنطقة عمارة إيليت؟؟،
فاشار دون تردد إلى العمارة المقابلة من الجهة الثانية وقال: “تلك”،
معقول؟؟؟، وبهذه السهولة وهذه البساطة، يبدو انه سيضيّع علي هكذا مغامرة طويلة!!!،
قلت له “ماشي، اشرب قهوتي واذهب إلى العمارة، فهي “خبط العصا”،
استدرت بسيارتي مة ثانية وصعدت الشارع المتعامد الذي بدا لي انه يحتضن بالب العمارة الرئبسي،
ما ان توقفت امامها حتى خرج من الباب شابٌ يلبس زيّ رجل الامن،
حييته وسألته بشيء من الثقة، فالمعلومة لدي طازجة وتوّها خرجت من فرن صاحب كشك القهوة: “هل هذه عمارة إيليت؟؟
“ابدا، لا”، اجابني بلطف لكن بحزم، واردف: “انظر انها عمارة باديكو، مكتوب اسمها فوق الباب”،
واضحٌ ان معلومات صاحب القهوة لا تتعدى كونه يصنع قهوة لذيذة امّا في عالم الجغرافيا والطبغرافيا وتخطيط المدن، فليس له ناقة ولا بعير،
ومع ذلك رجعت إليه، فهو الوحيد الذي “اعرفه” في الديرة،
وما زال الامل معقودا عليه، بحكم تواجده في المنطقة، أن يُنير لي شمعة في طريق الوصول إلى عمارة إيليت، بدل ان نلعن الظلام!!!،كما يقول المثل الصيني،
قلت له، ليست عمارة إيليت، انها عمارة باديكو،
تمتم وتلبّك وهزّ رأسه، وهرول في مكانه ورفع كاسكيته ليحك رأسه، ربما ليُخرج منه معلومات “اطزج” وادقّ!!!،
تحرّكت بسيارتي إلى الامام ودائما قريبا من طرف الشارع على اليمين،
توقّفت بعد قليل مقابل عمارة كبيرة فاخرة، امامها، في بهوها الخارجي عدة رجال يُصلحون الساحة امام العمارة، وتُسمع اصوات معاولهم ومعدّاتهم،
ناديت على احدهم فجاء آخر اقرب إلى الشارع،
سألته من فصلك هل تعرف عمارة إيليت؟؟؟،
قال ماذا بها، ماذا تريد منها؟؟؟،
اجبته انها يفترض ان تكون المقر الجديد لشركة انترنت مدى،
قال: “آه أه نعم، مقر مدى في العمارة التي خلفنا في الشارع السُفلي، تقدّم وانحرف يمينا ثمّ يمينا، فتكون امام العمارة،
يا فرج الله يبدو أن الرجل لديه معلومات مُحكمة،
لكن الامور لم تنتهي هنا بهذه السهولة!!!،
سرت بالسيارة حسب وصفة بالضبط، واذا انا امام عمارة إيليت، وعلى طرفها، في مدخل كراجها السفلي توجد “كارمة” كبيرة، مكتوب عليها مدى،
نزلت من السيارة واتجهت نحو باب العمارة الكبير، كان موصدا والغبار من خارجه وداخله يوشي بان العمارة مهجورة،
تنبّهت إلى باب جانبي للعمارة وكان ايضا موصدا، على نفس الحالة من الغبار،
رجعت إلى سيارتي وكدت أن اغادر،
لكنني لاحظت على طرف العمارة الآخر، بجانبها سور، قوسا ليس كبيرا تحته فتحة تبدو انها درج، مكتوب في اعلى القوس “مدى”،
اقتربت من الفتحة واذا بدرجٍ طويل يهبط ليس له مثيل إلا درج سور الصين العظيم،
نزلت على الدرج على مهل فامامي كوريدور طويل محصور ما بين العمارة والسور،
هبطت وهبطت واستمريت في السير إلى ما بعد منتصف الكوريدور، حينها سمعت صوتا رقيقا يُنادي عليّ، فاستدرت واذا بباب جانبي سُفلي للعمارة انفتح عن حورية جميلة رقيقة،
قالت لي تفضّل، بعد ان عرفت حاجتي،
جلستُ واحضرت لي كأسا من الماء البارد، كنت بحاجة له،
وقالت لي أنا دينا، موظفة خدمات الجمهور في مدى،
قلت لها: اهلا يا دينا، وربما كنت اعرفها من المقر القديم،
قلت لها: “اتعرفين دينا مشهورة على اسمك؟؟؟،
انها الملكة دينا، زوجة الملك حسين الاولى، مصرية الجنسية، وهي ام الاميرة عالية، “أوّل اسم لشركة الطيران الاردنية، قبل تغييراسمها إلى الملكية الاردنية،
وبعد طلاقها من الملك تزوجت الملكة دينا مع صلاح التعمري،
لكن المعلومة الاهم بالنسبة لي انني كنت قد التقيت الملكة دينا في مؤتمر للكوبلاك، “كونفدرالية الجاليات الفلسطينية في الامريكتين، انعقد في ليما، عاصمة البيرو، عام 1987 وكنت انا منسقا ومترجما للمؤتمر، الذي حضره فاروق القدومي ابو اللطف وخالد الحسن ابو السعيد وابو ايمن المالكي والاب عياد والاب كبوتشي، والملكة دينا طبعا،
وقد تفاجأت من اهتمام الصحافة بها ومن عدد المقابلات الصحفية المتعددة معها، التي كنت انا مترجما، ما بين اللغتين العربية والإسبانيّة”،
انهيت عملي، مهمتي لدى مدى، وشكرت دينا على لطافتها،
خرجت ومشيت نحو سيارتي، وبعض الافكار تراودني وتتزاحم في ذاكرتي قصص ونوادر وروايات وحكايات، منها: “اليس في بلاد العجائب، ورحلات ابن بطوطة، ومغامرات روبنسون كروزو في الجزيرة النائية، وجيليفر في بلاد الاقزام وجيليفر في بلاد العمالقة، وقصص وحكايات شهرزاد في ألف ليلة وليلة”،
وصلت وصعدت في سيارتي،
ما ان جلست وقبل ان أدير المفتاح في سويتش السيارة لتشغيلها، حتى صرخ هاتفي النقال برنّة وزمرة رسالة وليس مكالمة هاتفية،
نظرتُ إلى الشاشة فوجدت رسالة جديدة من مدى، تقول التالي:
“شكرا لتسديدك مبلغ 170 شيقل، لحساب الرقم، …”،
انتهى نص الرسالة.
عين منجد عين منجد ممتلكاتي بالكاد تالي الراتب يشتري باكين دخان لو كنت مدخنا
امن من الشرطة الاوروبية
قهوة من الظاهرية عمارة باديكو
عمارة ايليت مقفلة
درج سور الصين العظيم، دنيا الصبية،
دفعنا 170 شيقل،