جدل فرنسي حول زيارة الرئيس تبون إلى باريس
تفاعلت مواقع ووسائل إعلام فرنسية مع الإعلان عن موعد زيارة الرئيس عبد المجيد تبون إلى فرنسا بعد تأجيلها عدة مرات، متسائلة في مجملها عن مدى إمكانية تجاوز الخلافات العالقة بين البلدين.
بعد إعلان رئاسة الجمهورية وقصر الإليزيه عن توافق الرئيس تبون ونظيره الفرنسي خلال محادثة هاتفية على إجراء الرئيس زيارة إلى فرنسا في نهاية سبتمبر وبداية أكتوبر المقبل، تساءلت وسائل إعلام فرنسية عن مستقبل العلاقات بين البلدين. وجاء في مقال على موقع “فرانس 24” الناطق بالفرنسية أن باريس ترتقب زيارة رسمية للرئيس إلى فرنسا بحلول “نهاية سبتمبر وبداية أكتوبر”، متسائلة في السياق “هل سيسخن الصيف العلاقة المضطربة الفرنسية الجزائرية؟”.
ولفت المقال إلى أن الرئاسة الفرنسية تقول إن هذه الزيارة التي تم تأجيلها عدة مرات على خلفية تكرار الجو الحار والبارد بين البلدين ستتم “في موعد يحدد لاحقا”. ومن المقرر أن يتم ذلك قبل أسابيع قليلة عن الانتخابات الرئاسية في الجزائر المقرر إجراؤها في ديسمبر، مستدركا أن الرئيس تبون لم يعلن بعد ما إذا كان سيترشح لولاية ثانية أم لا.
وذكر المقال أنه “كان من المقرر أن تتم الزيارة في البداية في أوائل ماي 2023 ولكن تم تأجيلها حتى جوان من نفس العام مع خوف الجزائريين من أن تفسدها مظاهرات ماي ضد إصلاح نظام التقاعد المثير للجدل في فرنسا. وفي ديسمبر أكدت الجزائر مرة أخرى أن شروط الزيارة “غير مناسبة”، ثم ذكرت خمس قضايا يتعين حلها مسبقا، بما في ذلك الذاكرة والتنقل والتعاون الاقتصادي والتجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية”.
من جانبه تساءل موقع “جون افريك” عن توفر الظروف المناسبة للزيارة قائلا في بداية مقاله “بعد تأجيلين، هل هذه هي المرة المناسبة؟”. واعتبر أن البيان الصادر عن الرئاسية الفرنسية عقب الاتصال بين الرئيس تبون ونظيره الفرنسي جاء بنفس مضمون بيان 24 مارس 2023، الذي أعقب الأزمة التي وقعت بين البلدين على خلفية قضية مواطنة مزدوجة الجنسية تسبب تسللها من تونس إلى فرنسا في استدعاء مؤقت للبلاد سفير الجزائر بفرنسا.
وأشار الإليزيه آنذاك إلى أن الرئيسين “شددا على ضرورة تعزيز التعاون بين البلدين في كافة المجالات، في ضوء زيارة الدولة التي يقوم بها الرئيس عبد المجيد تبون إلى فرنسا”.
ويرى الموقع ذاته أنه “نادرا ما شهدت زيارة رئيس جزائري لفرنسا هذا الكم من التأجيل والتردد وسوء الفهم والتساؤلات من الجانبين”، مذكرا أنه “كان منتظرا من تبون أن يقوم بهذه الرحلة إلى فرنسا في الفترة من 2 إلى 3 ماي 2023. حتى أن البرنامج كان محددا: عرض في قصر ليزانفاليد وغداء عمل مع إيمانويل ماكرون وعشاء رسمي في الإليزيه مع شخصيات فرنسية وجزائريين وزيارة القصر الكبير. مسجد باريس… واختتمت الرحلة بسلسلة تذكارية في قصر امبوز لتكريم الأمير عبد القادر الذي اعتقل هناك مع عائلته وحاشيته من 1848 إلى 1852”.
واعتبر معلقون سياسيون في إذاعة “راديو كلاسيك” الفرنسية أن ظروف زيارة الرئيس تبون إلى فرنسا لا تزال غير مناسبة ولهذا السبب يستمر تأجيلها كل مرة، وأوضحوا أن “العلاقات بين باريس والجزائر متقلبة إلى درجة أنه يصعب الرهان على موعد محدد للزيارة أو حتى على استمرار هذه الزيارة، وإذا تم ذلك بالفعل وفقا للجدول الزمني الجديد الذي طرحه الإليزيه، فإنه سيتم في منتصف الحملة الانتخابية للانتخابات الرئاسية المقررة في ديسمبر 2024، التي لم يعلق عليها عبد المجيد تبون بعد”.
وأشارت الإذاعة المذكورة إلى أن الخلافات تتمحور حول خمس قضايا رئيسية ثقيلة تتعلق بالتجارب النووية والتعويضات المطالب بها للضحايا الجزائريين والذاكرة وملف التنقلات والفيزا، معتبرا أن هذه القضية وهي من أكثر القضايا تعقيدا شهدت تقدما طفيفا منذ زيارة إيمانويل ماكرون للجزائر في صيف 2022. ويتعلق الجزء الأول بإصدار تأشيرات للجزائريين المواطنين، أما الجزء الثاني فيتعلق بملف ترحيل الجزائريين الذين تطالبهم فرنسا بمغادرة أراضيها.
ومن بين النقاط العالقة مسألة إعادة برنوس الأمير عبد القادر وسيفه، إضافة إلى مصحف وخيمة، في حين ترفض السلطات الفرنسية ذلك بحجة أن إعادة هذه المقتنيات مرهونة بإقرار المشرع الفرنسي قانونا يجيز إعادة الممتلكات الثقافية المنهوبة إلى بلدانها الأصلية، وفي حالة عدم صدوره يجب أن تبقى الأشياء المملوكة للأمير عبد القادر في فرنسا.
ولفت المصدر ذاته إلى أن العلاقات بين باريس والجزائر تشهد تقلبات أيضا تبعا لعلاقات فرنسا، لافتا إلى أن باريس عانت في الأشهر الأخيرة من انتكاسات دبلوماسية مع كل من الجزائر والمغرب، وفي فيفري استأنفت عملية التهدئة مع الرباط دون عرقلة المناقشات مع الجزائر.