أمد/ رفح تتكلم بعد الصمت: من باع دماءنا لا يمثلنا

في مشهدٍ يعيد فتح جراحٍ لم تلتئم، تناقلت وسائل الإعلام خبر تسليم جثة الجندي الإسرائيلي هدّار جولدين إلى جيش الاحتلال دون مقابل. وكأنّ دماء مئات الشهداء الذين ارتقوا في يوم الجمعة السوداء في رفح 1 أغسطس 2014، كانت تفصيلًا صغيرًا في دفترٍ سياسي بارد.
يومٌ واحدٌ، لكنه كان جحيمًا مفتوحًا:
أكثر من ألف شهيدٍ وجريح، شوارع تغصّ بالدم، نساء يركضن بملابس البيت مذعورات، أطفال يتساقطون كفراشاتٍ حمراء، وأشلاء تلتصق بالأسفلت والجدران. كان ذلك الثمن الفادح لأسر هدّار جولدين… واليوم، وبعد سنوات، يُسلَّم جثمانه بلا ثمن.
أين ذهب ثمن الدم؟
أيها السادة المتحدثون باسم “الواقع” و”الحكمة” و”الضرورات السياسية”،
أجيبونا: أين ذهب ثمن الدم؟
من الذي أعطاكم الحق أن تُغلقوا صفحة المذبحة وكأنّها مشهد من فيلم قديم؟
هل أصبحت دماء الأطفال بندًا في جدول تفاوضٍ بارد؟
هل صار الشهداء أرقامًا تُمسح على الطاولة لتبدو الصورة “متزنة”؟
رفح لم تنسَ، ولن تنسى.
رفح التي احترقت يومًا بنيران القذائف لن تصمت اليوم أمام نيران الخيانة الأخلاقية.
سخرية التاريخ
أيّ سخريةٍ هذه حين يُقدَّم القاتل منتصرًا ويُدفَن الحق تحت مسمى “التفاهمات”؟
أيّ منطقٍ يبرر أن تُسلَّم الجثة بلا مقابل، بينما ما زالت جثث أبنائنا تحت الركام بلا هوية؟
من يتحدث عن “المصلحة العامة” وهو يطأ دماء الأطفال، يظنّ نفسه حكيمًا، لكنه في الحقيقة شريكٌ في الجريمة بصمته، أو بخوفه، أو بتبريره.

إلى المستهترين بأرواح الناس

أنتم لا تمثلون هذا الشعب.
أنتم لا تفهمون معنى أن تفقد أمٌّ ابنها تحت القصف، ولا أن تُحمل جثة طفلٍ في كيس بلا ملامح.
أنتم تتحدثون عن “التهدئة” و”الواقعية” بينما رفح لا تزال تسمع صدى الصواريخ في أذنيها.
من يستهين بدماء الأبرياء فقد خلع عن نفسه كل شرعية، مهما ارتدى من ألقاب.

رفح تقول كلمتها

رفح اليوم لا تبكي فقط، بل تُحاسب.
لن تُغسل جريمة الجمعة السوداء بالماء البارد للسياسة،
ولا ببياناتٍ مكتوبة بلغةٍ خشبية،
ولا بصفقةٍ تُغلف بالخداع.
دماء الشهداء ليست ملك أحد، ولا تُقايض، ولا تُسعّر.
ومن سلّم الجثة بلا ثمن، فقد سلّم نفسه للتاريخ القاسي الذي لا يرحم الخونة.

في ختام سطور مقالي:
لن تُشترى الذاكرة
لن تُشترى ذاكرة رفح، ولن تُمحى من ذاكرة الأجيال.
سيظلّ الأول من أغسطس شاهدًا على القسوة، وعلى التواطؤ، وعلى المتاجرة بالدم الفلسطيني.
وسيبقى السؤال يطارد كل مسؤولٍ وكل ساكتٍ وكل مبرّرٍ حتى النهاية:
ـ “كم يساوي دم طفلٍ واحدٍ من رفح؟
ومن منحكم الحق أن تبيعوه بلا ثمن؟”

شاركها.