انقضت ثلاث سنوات على تفشي جائحة “كوفيد19”.. هذا الضيف الذي حل ثقيلا على البشرية عندما حصد عديد الأرواح، ونشر الذعر في نفوس الملايين من المصابين رغم المعركة المضنية التي قادتها مختلف دول العالم، سيما الجزائر في احتواء الجائحة والتخلي عن الإجراءات الاحترازية. فهل نحن مستعدون لموجة وبائية جديدة بعدما أظهرت البيانات العلمية أن الفيروس قلّت ضراوته؟
يسود تفاؤل وسط خبراء الصحة حول قرب نهاية الجائحة، وتحول كورونا إلى فيروس موسمي فقط، مؤكدين في الوقت نفسه على ضرورة وضع نظام استباقي للتقليل من مضاعفات أي جائحة قد تتعرض لها البلاد في المستقبل.
وفي الموضوع، يرى البروفيسور عبد الرزاق بوعمرة المختص في علم الأوبئة والطب الوقائي بالمستشفى الجامعي تيبازة، أن جائحة كوفيد 19 كانت مرحلة عاشتها الجزائر ككل دول العالم، مشيرا إلى أن الوضع الصحي للوباء مستقر جدا، خاصة بعد التراجع الكبير في عدد الحالات وعدم ظهور متحورات جديدة.
لكن الأهم، حسب البروفسور بوعمرة، “هو أن لا ننسى الصعوبات والعمل الاستشرافي والتآزري بين عمال الصحة وأطر في الدولة، وفي الوقت نفسه نأخذ النقائص التي واجهتنا على محمل الجد لنستعد لأية جائحة مستقبلا، خاصة في ظل الحرب البيولوجية”.
وفي رده عن سؤال حول مساهمة اللقاحات في التقليل من خطورة كوفيد19، تابع البروفيسور بوعمرة: “للقاح كورونا دور كبير في كسر سلسلة انتقال الفيروس التاجي، خاصة في الدول التي كانت نسبة التلقيح فيها كبيرة، بالإضافة إلى المناعة التي اكتسبها المتعافون من كورونا”.
وبعد ثلاث سنوات من ظهور فيروس كورونا، وما تبعه من أزمات صحية واقتصادية وحتى جيوسياسية، يرى البروفيسور بوعمرة أنه حان الوقت لاستباق جوائح وأزمات صحية محتملة في المستقبل بالجزائر، وذلك من خلال تطوير الكفاءات العملية والصحية كعلم الأوبئة والفيروسات، وإنشاء مراكز صحية جديدة لاستباق المخاطر، وحتى نكون مستعدين لموجة وبائية جديدة.
من جانبه، أكد عضو اللجنة العلمية لرصد ومتابعة فيروس كورونا الياس أخاموك، في تصريح لـ “” أمس، أنه مثلما كان متوقعا فيروس كورونا سيبقى موسميا كالأنفلونزا الموسمية، ولكن هذا لا يعني نهاية الوباء الذي لم نشهد له تحورات جديدة منذ 6 أشهر، رغم تسجيل حالات كثيرة وبدون وفيات.
وأضاف أخاموك أن الجزائر استطاعت التغلب على الفيروس التاجي بأخذ القرارات السليمة في كل موجة وتعلم خصائصها، سيما غلق المجال الجوي الدولي والوطني الذي سمح بتأخير انتشار الموجة الأولى، فضلا عن تعليق الدراسة في ذروة موجة متحور أوميكرون مما سرّع نهاية الموجة الرابعة، وهو ما يجب أن نتعلم منه الدرس حتى نستعد لمواجهة أية جائحة أو موجة جديدة مستقبلا، سواء عن طريق التلقيح، أو تداول المعلومة الصحيحة لتفادي الخوف والارتباك.
وبخصوص توقف حملات التلقيح التي صاحبت الجائحة، قال أخاموك أن الأمر طبيعي، لارتباطه بعقلية الجزائريين الذين كانوا يقبلون على اللقاح كلما ظهرت موجة جديدة ثم يعزفون عنه بعد تراجعها.
من جانبه، يرى الطبيب العام بمستشفى عين مليلة الدكتور محمد شيدخ، أننا أوشكنا على الوصول إلى حالة الاستدامة الوبائية تأسيسا للموسمية، فتصبح بذلك كورونا كالزكام تتبع نظاما تناوبيا وفق مسار فصلي ثابت، ما يعني أن احتمال زوال الجائحة نهائيا قد تلاشى تقريبا كلية مع بقاء “انتشارية الفيروس”، و استمرار وجوده لمدة طويلة بهذا الشكل المعتدل من حيث ضعف فتكه.
وأوضح الدكتور شيدخ أن الانزلاق إلى الحالة الوبائية الموسمية قد نكون قيد التأسيس له على أن نتحقق من ذلك منتصف فصل الربيع وبداية الصيف، حيث نسجل تراجع كل من الأنفلونزا الموسمية والأومكرون المتخفي وراءها.
واستنادا إلى المنظمة العالمية للصحة، يشير الدكتور محمد الطاهر عضو المجلس الوطني لأخلاقيات الطب، ومختص في تشخيص الأمراض لدى الأسلاك شبه الطبيين، إلى أن العالم وجائحة كوفيد19 يسيران على نفس خطوات الأنفلونزا الإسبانية عام 1918، والتي انتشرت في جميع أنحاء العالم وأصابت حوالي33 بالمائة من سكان الكرة الأرضية، لكن قلت خطورتها فيما بعد وأصبحت كالأنفلونزا الموسمية.
خطر فيروس كورونا قد يصبح شبيها بالإنفلونزا الموسمية
وقالت منظمة الصحة العالمية أن العام الجاري قد يشهد تراجعا كبيرا لجائحة كورونا، واعتبرت المنظمة التابعة للأمم المتحدة، أن الخطورة الناجمة عن الفيروس، قد تصبح خلال العام الجاري، شبيهة بالخطورة التي يسببها فيروس الإنفلونزا المعتاد.
وأشارت إلى أنها تتوقع في وقت ما خلال 2023، إعلان نهاية لحالة الطوارئ، الخاصة بالوباء، الذي عطل النشاط البشري الاجتماعي في مختلف بقاع العالم.
ونشر حساب المنظمة على تويتر تغريدات ضمنها تصريحات للأمين العام تيدروس أدهانوم غبراسيوس، قال فيها “بالتأكيد نحن في وضع أفضل بكثير، مما كنا عليه في أي وقت سابق، خلال الوباء”.
من جانبه قال مدير الطوارئ في المنظمة، مايكل رايان، في إيجاز صحفي “أظن أننا بدأنا مرحلة ننظر فيها إلى فيروس كورونا، كوفيد19 تماما كنظرتنا إلى الإنفلونزا الموسمية”.
وأضاف أن الفيروس سيشكل “خطرًا على الصحة، ويستمر في حصد الأرواح، لكن في الوقت نفسه لن يعرقل الحياة، والنشاط المجتمعي”، مردفا “أعتقد أن ذلك سيحدث خلال العام الجاري”.
واستغرق الأمر نحو 5 أشهر، من المنظمة بعد ظهور الفيروس في مدينة ووهان الصينية، نهاية 2019، حتى أعلن الأمين العام للمنظمة، تدروس غبراسيوس أدهانوم، الفيروس وباء عالميا، بعد ظهور حالات الإصابة سريعا في أوربا، والولايات المتحدة.
ووصل معدل الوفيات أسبوعيا على مستوى العالم، بسبب كورونا، خلال الشهر الماضي، إلى نحو 5 آلاف حالة، وهو المعدل الذي يقل عن مثيله عندما أعلنت المنظمة للمرة الأولى فيروس كورونا وباء عالميا.
ويشير موقع منظمة الصحة العالمية على شبكة الإنترنت، إلى أن عدد الوفيات بسبب كورونا يقترب من 7 ملايين شخص، من بين أكثر من 760 مليون إصابة مؤكدة، على مستوى العالم.
فريق بحث يتوصل إلى “أقوى دليل حتى الآن على أصل وباء كورونا”
من جهة أخرى عثر فريق دولي من خبراء الفيروسات على بيانات وراثية من سوق ووهان بالصين تربط “كوفيد” بكلب الراكون، ما يعزز الأدلة من جديد حول نشوء الفيروس من التجارة غير المشروعة في الحياة البرية، وفق ما نقلت مجلة “ذي أتلنتيك”.
وكان الجدل حول منشأ الفيروس يدور حول فرضيتين: الأولى تقول أنه تسرب من مختبر صيني والثانية تقول أن له جذور طبيعية بحتة، والأخيرة كانت تفتقر لأدلة جينية من سوق ووهان تدعمها، ولم يتم نشر تفاصيل التقرير بعد، لكن المجلة أوردت بعض مضامين ما توصل إليه الفريق.
وتنقل المجلة أن فريقا دوليا من علماء الفيروسات وعلماء الجينوم وعلماء الأحياء التطورية، ربما قد عثروا أخيرا على بيانات تساعد في حل اللغز الذي يؤرق العالم منذ سنوات.
وحسب المجلة، يظهر تحليل جديد للتسلسلات الجينية التي تم جمعها من السوق أن كلب الراكون الذي يباع بشكل غير قانوني في السوق ربما كان يحمل الفيروس.
وقالت صحيفة “نيويورك تايمز” إن البيانات الجينية أخذت من مسحات من سوق ووهان للمأكولات البحرية بدءا من يناير 2020، وبعد وقت قصير من إغلاق السلطات الصينية للسوق بسبب الشكوك في ارتباطه بتفشي فيروس جديد.
وتكشف الصحيفة أن الباحثين مسحوا الجدران والأرضيات والأقفاص المعدنية والعربات التي تنقل الأقفاص.
وفي العينات التي كانت تحمل الفيروس، عثر فريق البحث على مادة وراثية تخص الحيوانات، ومنها كمية كبيرة تخص حيوان كلب الراكون، حسبما قال ثلاثة علماء مشاركين في التحليل للصحيفة.
وأثبت التحليل أن آثارا جينية من الراكون وجدت في نفس المكان الذي عثر فيه على المادة الوراثية للفيروس، ما يتفق مع فرضية انتقال الفيروس من حيوان بري إلى البشر، وفق العلماء الثلاثة.
يأتي التقرير بعد أن عادت فرضية تسرب الفيروس من المختبر إلى الواجهة بفضل تقييم استخباراتي جديد من وزارة الطاقة الأميركية وجلسات الاستماع التي قادتها القيادة الجمهورية الجديدة لمجلس النواب، وفق “نيويورك تايمز”.
ونقلت الصحيفة عن جيريمي كامل، عالم الفيروسات في مركز العلوم الصحية بجامعة ولاية لويزيانا في شريفبورت، والذي لم يشارك في الدراسة، قوله أن النتائج تظهر أن العينات من السوق تحتوي على الحمض النووي لحيوانات برية.
وأشار كامل إلى أن ذلك لا يعد دليلا قاطعا، لكنه يسلط الضوء على دور تجارة الحيوانات البرية في تفشي الفيروس.
وتنقل الصحيفة أن عينة لفتت انتباه الفريق أخذت من عربة عثروا فيها على الحمض النووي لكلب الراكون وحمض الفيروس أيضا، وفق ما نقلت “نيويورك تايمز” عن ستيفن غولدشتاين، عالم الفيروسات في جامعة يوتاه الذي عمل على التحليل الجديد.
وتنقل مجلة “تايم” بدورها أن وجود الحمض النووي لكلب الراكون والمواد الوراثية للفيروس في نفس المكان يعني أنه من الممكن أن كوفيد أصاب الراكون، وانتقل إلى البشر الذين كانوا يترددون على السوق.
“جائحة كورونا أحدثت تغييرات لافتة في المجتمع”
أكد الأخصائي اجتماعي البروفيسور أحمد قوراية أن جائحة كورونا أترث على الصحة النفسية والعقلية للجزائري، بالإضافة إلى ظروف العمل والعادات المعيشية، فضلا عن القيود الاجتماعية المرتبطة بها مثل فرض القيود والحجر الصحي.
وأبرز قوراية في تصريح لـ””، أن الناس تأثروا بطرق متفاوتة، بسبب ما فرضته الجائحة من تغيرات في الوضع الاجتماعي والاقتصادي، فقد أدت مثلا إلى اكتشاف العمل عن بعد الذي ينطوي على أضرار وإيجابيات في نفس الوقت.
وأكد أن كورونا خلفت أزمة لا مثيل لها في حياتنا يومية، خاصة فيما يتعلق بالصحة النفسية للأفراد، وقد يكون لذلك، حسبه، تداعيات خطيرة لسنوات عديدة قادمة على كل البشر، وأضاف أن الآثار قد تمتد حتى للصحة العقلية، وهو ما يحتاج إلى مزيد من التحليل والفهم في الدراسات النفسية مستقبلا.
كما أوضح المختص الاجتماعي أن جائحة كورونا خلفت وضعا جديدا مغايرا لما كان عليه سابقا، فثلاث سنوات من عمر الأزمة الصحية كانت كافية لتغير سلوك المجتمع الإنساني برمته، وتركت آثارا واضحة المعالم في العديد من نواحي الحياة الإنسانية، وهو ما يظهر جليا في سلوك الفرد وطرق وأسلوب عيشته.
