أمد/ بعد مرور أسابيع على بدء عملية “عربات جدعون الثانية” في غزة، كشفت القناة 12 الإسرائيلية عن خطة إسرائيلية لتفريغ غزة وإخلائها من السكان وإجلاء سكان القطاع عبر البحر والجو والبر، وذلك في إطار استراتيجية عسكرية جديدة تهدف إلى تغيير الواقع السكاني في قطاع غزة وقد أقر رئيس الأركان الإسرائيلي السابق بأن حصيلة ضحايا حرب غزة تجاوزت 200 ألف بين ضحية وجريح بما يعادل نسبة 10 بالمائة من السكان
وكان جيش الإحتلال الإسرائيلي أصدر أمراً بإخلاء مدينة غزة فوراً وأصدر تحذيراً من خطورة البقاء فيها، مع استعداد مئات الدبابات وناقلات الجند لبدء اجتياح بري.
في الوقت الذي يواجهون فيه السكان النازحون أوضاعاً إنسانية صعبة في المخيمات المكتظة، مع نقص في المأوى والمياه والرعاية الصحية، مما يدفع بعضهم للعودة إلى المدينة رغم المخاطر
ما يحدث الأن في غزة من دخول بري لقطاع غزة ليس لمحاربة حماس، لأن حماس لم تعد موجودة فعليًا. ما يُقال عن وجود قوة لحماس أو إطلاق صواريخ ليس سوى فرقعات سياسية وإعلامية. الهدف الحقيقي من العملية البرية هو تفريغ السكان من المناطق التي سيتم الهيمنة عليها بالكامل، تمهيدًا لمخططات إعادة الإعمار.
ما يحدث الأن هو تفريغ غزة بهدوء في أكبر عملية تهجير ناعم في التاريخ الحديث فما يحدث اليوم في قطاع غزة ليس له علاقة بقوة حماس أو ببعض النشاطات المحدودة لبعض الفصائل الفلسطينية حيث لا وجود حقيقي لمقاومة حقيقية تمتلك قدرة مؤثرة، فغزة سياسيًا وجغرافيًا انتهت وما تقوم به إسرائيل حاليًا هو تفكيك آخر ما تبقى من جسم مادي قابل للحياة في القطاع، تمهيدًا لإخراج السكان بطريقة مدروسة وطوعية نحو الخارج.
عودة الحرب على غزة ليست مرتبطة بالمفاوضات مع حماس. فرغم أن حماس اعتقدت أنها لاعب رئيسي لمجرد امتلاكها عدداً من الرهائن، لكن الحقيقة أن الأحياء منهم قد لا يتجاوزون أصابع اليد. ومع ذلك، فإن الحرب لم تعد فقط بسبب الرهائن، بل هي رسالة واضحة للغزيين بالرحيل ومغادرة غزة، بالإضافة إلى الانتقام الذي تحدثت عنه إسرائيل مراراً، خاصة بعد سلوك حماس الاستفزازي من وجهة نظر إسرائيل في تسليم الرهائن
فكرة ان نتنياهو يريد فرض شروط بالقوة علي حماس حتي تتخلى عن سلاحها وتسلمه هي محاولة منه لإيهام العالم وحكومته ومواطنيه ان غزة فيها جيش نظامي وبالتالي يعدل مفهوم الابادة والتصفية الي مفهوم الحرب اي بمعني ان هناك قوتين مكافأتين بينهما نزاع وهي محاولة منه لتصوير هذا الوهم وتصديقه وبالتالي الهروب من اي تبعات للمحكمة الدولية باعتباره مجرم حرب هو ورجال جيشه وحكومته التي قامت بابادة جماعية وتطهير عرقي وتصفية لغزة وفقا لكل الاعراف والقوانين والمفاهيم للتغطية علي خساراته العسكرية الفعليا والامنية والاستخبارتية وبالتالي لا يتم محاسبته علي ذلك داخليا
المرحلة الثانية انتهت بالفعل بعد إعلان نتنياهو عن عدم وجود تهدئة وهو ما يعني انه لا ويتكوف ولا ترامب قادرين علي وقف الحرب
اما بالنسبة لقضية الرهائن قد إنتهت بالنسبة لإسرائيل ، للأسف اعتقدت حماس أن لديها ورقة رابحة باحتجاز الرهائن، لكن الرهائن الإسرائيليون ورقة خاسرة، حياتهم أو موتهم ليس له تأثير في المخططات الإسرائيلية والأمريكية الحالية . فالإسرائيليون يعتقدون أن هناك دائماً أثمان للحروب والرهائن ستكون ثمن هذه الحرب
حيث قادت إسرائيل خلال أكثر من عامين سياسة ممنهجة لإقناع الغزيين والعالم أن لا مستقبل لهم داخل القطاع وأن الهجرة باتت الحل الوحيد، لكن هذه المرة، لن يتم التهجير كما حدث في نكبة 1948 أو نكسة 1967 فالعالم تغيّر وقواعد اللعبة تغيّرت أيضًا اليوم تُدار العملية بشكل ناعم وصامت بعيدا عن الإعلام تحت غطاء الأزمات الإنسانية والقصف المتقطع، وبآليات مدنية وليست عسكرية فقط
وللمرة الأولى بشكل مباشر يطلب جيش الاحتلال من سكان مناطق واسعة في رفح الإخلاء الفوري نحو “المواصي” المنطقة التي يتم تجهيزها منذ أسابيع لتكون سجنًا مفتوحًا لا دخول ولا خروج فيما عرف بخطة “المنطقة الإنسانية” والتي صرح بها وزير الدفاع الإسرائيلي كانس وانتقدها رئيس وزراء إسرائيل الإسبق ” إيهود أولمرت ” ووصفها بأنها ستكون أقرب لمعسكرات إعتقال كبيرة وهي نوع من انواع التطهير العرقي للفلسطينيين ووسيلة من وسائل التهجير القسري لهم
هذا الإعلان لا يعني فقط تصعيدًا عسكريًا فحسب بل يعني أننا دخلنا رسميًا في المرحلة الثانية من خطة التهجير الجماعي عن طريق حصر الناس في منطقة محددة تحت السيطرة ومنع المساعدات عن باقي المناطق للضغط الإنساني والنفسي ثم تسويق ما يحدث لاحقًا على أنه “هجرة طوعية”في حين أنه تهجير قسري
والخطير أن كل هذا يتم تحت عنوان محاربة حماس بينما الهدف الحقيقي هو تفريغ غزة من أهلها، خطوة خطوة من هنا يتضح ما حذرنا منه أصبح واقعًا ملموسًا
رفح تُفرّغ، المواصي تُحشد، والحدود المصرية تترقب المرحلة القادمة بصمتٍ مريب
لكن في المقابل سيدفع سكان غزة الثمن، لأن إسرائيل رغم معرفتها بأن 60% أو أكثر من الغزيين لا يريدون حماس لكنها مقتنعة بأن جميع الفلسطينيين يحملون بداخلهم العداء و الرغبة في الانتقام من إسرائيل وقد نشأوا على معاداتها وتوارث فكرة حق العودة. لهذا، لن تقبل إسرائيل بوجودهم في غزة ولا حتى في سيناء ، حتى لا يشكلوا بؤر انتقامية جديدة. وهذا ما يقلق مصر بأن تتخذ سيناء قاعدة فيما بعد للهجوم علي إسرائيل ثم تتخذها إسرائيل زريعة لمهاجمة سيناء
أما موضوع أنهم يريدوا منطقة المواصى منطقة إنسانية وآمنة والدعوات انه كل سكان مدن غزة والوسطى ينزحوا الى المواصي فهي خدعة لانه لا يوجد منطقة آمنة فقد أصدر جيش الإحتلال أوامره بإخلاء معظم مناطق مدينة غزة والمناطق الغربية من خان يونس من السكان وحذر سكان عدة أحياء في مدينة غزة من عودة قواته للقتال بشدة ويدعوهم للانتقال بشكل فوري إلى منطقة المواصي وأوامر الإخلاء هذه دليل علي بداية نزوح جديد وإستمرارا لمخطط التهجير
الهدف الأساسي هو تهجير الغزيين طوعًا وبصمت نحو دول العالم وليس نحو المحيط الإقليمي القريب حيث أن خيار توطينهم في مصر أو الأردن غير مطروح إلا لعدد محدود فقط بما لا يؤثر ، الخطة تتركز على تفتيت المجتمع الغزي وتوزيعه عالميًا مع منحهم جنسيات الدول المستقبلة مقابل إسقاط إقامتهم في غزة ولتحقيق ذلك تحتاج إسرائيل إلى
إجراء إحصاء دقيق للسكان، وتصنيفهم حسب العمر، المستوى التعليمي، القدرات الجسدية وتحديد خيارات الهجرة: أمريكا، أوروبا، آسيا، أفريقيا، وبعض الدول العربية مثل الخليج للأكاديميين وأصحاب رؤوس الأموال فالولايات المتحدة وأوروبا ستستقبل الأطفال والشباب غير المؤدلجين سياسيًا، للحد من خطر تكوين تجمعات مناصرة لحماس أو تيارات مشابهة ، أما كبار السن ومن تبقى ممن لا يرغبون أو لا يستطيعون مغادرة غزة سيُحشرون في جنوب القطاع، ليعيشوا حياة بدائية، صامتة، معتمدين على مساعدات إغاثية هامشية حتى يحين موعد وفاتهم….
ولإنجاح الخطة، قد تلجأ إسرائيل إلى إصدار بطاقات هوية وجوازات سفر جديدة، بالتنسيق مع سلطة رام الله وفتح معابر جديدة، وتسهيل الخروج عبر المعابر الإسرائيلية والمصرية ومن المتوقع أيضًا إنشاء مطار صغير داخل القطاع لاحقًا لتسريع حركة المغادرين وقد تلعب مصر والأردن دورًا عبر معابرهما لخروج مؤقت، دون السماح بتوطين دائم،هكذا تدير إسرائيل بهدوء أعقد عملية تفريغ سكاني في التاريخ الحديث تحت أنظار العالم وفي صمت وبدون ضجيج في أخطر مرحلة من مراحل الحرب فيما يطلق عليها ” الحرب الصامتة”
هذه حرب تهدف إلى تفريغ غزة وتصفيتها ، تجويع سكانها، وتدمير ما تبقى منها في الوسط والجنوب. فالفلسطينيون في غزة يُسحقون ويموتون تحت القصف، والهدف في النهاية هو إجبارهم علي أن يخرجوا طوعاً عبر جميع المعابر الممكنة، سواء الإسرائيلية أو البرية أو البحرية، لكن إسرائيل لا تريدهم في سيناء أو في مكان واحد مثل مصر، بل تسعى إلى توزيعهم في دول العالم. الولايات المتحدة، على وجه الخصوص، ستستقبل الأطفال منهم، وايضا أوروبا وجميع دول العالم وسيحملو جنسية الدول التي ستستقبلهم ليصبحوا مثل الأرمن الذين تشتتوا في أنحاء العالم بعد إبادة الأتراك لهم
أما حماس فأصبحت عبئاً حتى على الدول التي تحتضنها، وعلى رأسها قطر. سياساتها أصبحت منبوذة فلسطينياً ودولياً، وحتى إيران تخلت عنها لفقدانها بوصلة القوة. تعنتها لم يعد له قيمة، ومن المرجح أن تتم تصفية قياداتها قريباً كما حدث مع حزب الله.
ما يحدث الأن هو تصفية غزة وتفريغها من سكانها وتحويل سكان غزة إلى لاجئين في أمريكا وأوروبا وأفريقيا ودول أسيا ولكن بصبغة مواطنين في هذه الدول ثم ضم الضفة الغربية لإسرائيل والتعامل مع الفلسطينيين كـ”تجمعات سكانية ناطقة بالعربية” في الضفة الغربية لإنهاء القضية الفلسطينية
فغزة في نظر إسرائيل ليست سوى قطاع معزول، ذو كثافة سكانية عالية أغلبها من اللاجئين، وله ثقافة خاصة، محكومة بأيديولوجية حماس السياسية وظروف اقتصادية مختلفة عن بقية فلسطين. لذا، القضاء على غزة بهذا الشكل المفزع ، من وجهة نظر إسرائيل لن يغير التركيبة الجغرافية أو الثقافية للشعب الفلسطيني، لكنه سيمثل نقطة تحول كبيرة في طبيعة القضية الفلسطينية وتحويلها من قضية وطنية إلى أزمة إنسانية تتعلق بالتهجير والمعاناة
أما المخطط الأمريكي لإعادة إعمار غزة فهو أن تبدأ عملية إعادة الإعمار بالتزامن مع القصف والتهجير، وستتهافت العديد من الدول للمشاركة فيها لأنها فرصة استثمارية مربحة للغاية ومن بين هذه الدول أمريكا رقم واحد طبعا ثم يأتي بعدها الصين تركيا، الصين، الخليج وبعض الدول العربية ودول أخرى.كل هذه الدول سيكون لها شركات عالمية ستشتري حصصًا لها في غزة كمقرات لها وفق رؤية أمريكية فغزة بحاجة إلى ما لا يقل عن 100 مليار دولار لتتحول إلى “ريفيرا الشرق الأوسط”وفق رؤية ترامب وهذا المبلغ سيجذب استثمارات ضخمة، مما يجعل إعادة الإعمار مشروعًا عالميًا وليس مجرد جهود إنسانية.
كما يخطط ترامب أن يكون لرجال الأعمال والعمال من الضفة الغربية دور كبير في إعادة إعمار غزة، حيث سيتم فتح الأبواب أمامهم للمشاركة في هذه العملية كما سيتم إعادة ترتيب الضفة الغربية لتكون تحت إدارة خدماتية لوجستية، بسيادة إسرائيلية، وبحضور أمريكي سعودي أوروبي، مما يعكس تغييرات كبيرة في شكل القضية الفلسطينية ومصيرها.