تعويضات التجارب النووية.. رقم لا يعكس حجم الجريمة
بلغ عدد ملفات الجزائريين المقبولة من طرف لجنة التعويض عن التجارب النووية الفرنسية 9 ملفات في السنة المنصرمة، من إجمالي 328 طلب، من بينهم 240 ضحية قاطنة بجزر بولينيزيا و79 بفرنسا، وتعويض بقيمة 15 مليون أورو (1.77 مليار فرنك) مقسمة على 172 ضحية أو ذوي الحقوق، حسب مضمون تقرير 2022 المنشور بموقع لجنة تعويض ضحايا التجارب النووية الفرنسية.
يشير التقرير السنوي إلى ضعف طلبات الضحايا الجزائريين التي لا تتعدى 9 ملفات، وهو رقم لا يعكس حجم الجريمة البيئية وتأثير الإشعاعات النووية على ساكنة المناطق الصحراوية المقيمة على مقربة من مواقع التفجيرات، سواء التجارب في الهواء الطلق بمنطقة رقان أو التجارب الجوفية بمنطقة عين إيكر وتين أفلة بتنمراست.
وسبق لجمعيات الضحايا التنديد بارتفاع الملفات المرفوضة، وبسبب تحديد سقف 1 ميليسفير من التعرض للإشعاعات النووية كشرط للاستفادة من التعويض، بالإضافة إلى ضرورة إثبات تواجد الضحية في مواقع التجارب النووية وهو شرط تعجيزي للجزائريين بسبب غياب الوثائق الثبوتية، واحتفاظ السلطات العسكرية الفرنسية بأرشيف فترة التجارب من 1960 لغاية 1967، رفضت اللجنة من إجمالي 240 طلب لضحية بولينيزية 84 ملفا، ووافقت على 46 طلبا، وتحفظت على استقبال 13 طلبات لأنها لا تستجيب للمعايير المنصوص عليها في مرسوم التعويض.
وسجلت اللجنة ارتفاعا في عدد طلبات التعويض بنسبة 50% مقارنة بسنة 2021، واقترحت تعويضا بالتراضي لـ172 ضحية أو ذوي الحقوق بقيمة 15 مليون أورو، أي بمعدل أكثر من 86 ألف أورو للشخص الواحد. ويعود ارتفاع طلبات التعويض إلى قرار المجلس الدستوري في 10 ديسمبر 2021 إعادة دراسة الملفات المرفوضة. وتتضمن قائمة الأمراض ذات الصلة بالإشعاعات النووية مختلف سرطانات الصدر والجلد والثدي.
في سياق آخر، لا يزال سكان مواقع التجارب النووية بالصحراء الجزائرية ينتظرون تقارير اللجنة المشتركة الفرنسية الجزائرية والوكالة العمومية المستحدثة لهذا الغرض، من أجل مباشرة أشغال التطهير من مخلفات الإشعاعات النووية المنتشرة في كامل المنطقة.
وقد طالبت مجموعة من المنظمات غير الحكومية، قبل نحو أسبوع، في رسالة بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة التجارب النووية الموافق لـ29 أوت، السلطات الفرنسية بـ “رفع السرية عن أرشيف التجارب، وكشف مواقع دفن النفايات وتنظيفها، وتسهيل رفع دعاوي التعويض للضحايا الجزائريين، والتوقيع على معاهدة حظر الأسلحة النووية أو التصديق عليها”، وشجعت الدولة الجزائرية على “استكمال عملية المصادقة على نفس المعاهدة.”
وحملت الرسالة الموجهة للسلطات الفرنسية والسلطات الجزائرية والمجتمع الدولي، على حد سواء، إمضاء منظمات دولية ناشطة في مجال الدفاع عن ضحايا التفجيرات النووية وأطباء ومختصين.
وطالبت هذه المنظمات الدولة الفرنسية بـ “رفع السرية عن الملفات المتعلقة بالتفجيرات والتجارب النووية في الجزائر للاطلاع عليها من طرف المنظمات الدولية التي تشرف على المراقبة، وعدم التحجج بأسرار الدفاع والأمن القومي، وتقديم القائمة الكاملة للأماكن التي دفنت فيها النفايات إلى السلطات الجزائرية، مع تحديد مواقعها ووصف المواد المدفونة، ونشر البيانات المتعلقة بالمناطق الملوثة، وتقديم المخططات الخاصة بالمنشآت تحت الأرض التابعة لهضبة رقان العسكرية إلى السلطات الجزائرية، وكذلك المخططات الخاصة بمختلف الأماكن في إن إيكر، وتنظيف هذه المناطق مع السلطات الجزائرية، تسهيل رفع دعاوى التعويض وتسريع عملية التعويض للضحايا الجزائريين، ولا سيما الوصول إلى المحفوظات الطبية التي تحتفظ بها دائرة المحفوظات الطبية بالمستشفى العسكري، التوقيع على معاهدة حظر الأسلحة النووية أو التصديق عليها أو الانضمام إليها حتى تثبت حسن النية في معالجة ملف كارثة تجاربها النووية في الجزائر.”
وحمّلت المنظماتُ المجتمعَ الدولي، وخاصة وكيل الأمين العام والممثل السامي لشؤون نزع السلاح بالأمم المتحدة، مسؤولية “الضغط على فرنسا لتقديم خرائط تفجيراتها النووية وأماكن دفن النفايات النووية بالتفصيل، ومساعدة الجزائر تقنيا ولوجستيا. مساعدة الجزائر في معالجة النتائج الإنسانية المترتبة على استخدام الأسلحة النووية الفرنسية وتجريبها على أراضيها، والضغط من أجل الوصول إلى اتفاق بين الجانبين الجزائر فرنسا بشأن إرث التجارب النووية في الصحراء الجزائرية”.
وذكّر محررو الرسالة بأن “فرنسا شرعت في إجراء تفجيرات نووية في الجزائر وامتدت إلى ما بعد الاستقلال، عام 1960 حتى عام 1966، حيث أجرت 17 تجربة تفجير نووية نفذتها في عدة مواقع في الصحراء الجزائرية، وبالضبط في رقان وإن إكر، وما زالت آثارها الكارثية مستمرة على السكان والبيئة حتى اليوم. وبرغم مرور أكثر من 60 عاما على التجارب النووية الفرنسية في الجزائر، مازالت فرنسا تتهرب من المسؤولية وتصر على الاحتفاظ بملف التجارب النووية بسرية تامة، على الرغم من المحاولات العديدة من طرف أصحاب المصلحة على الأقل لتحديد بدقة أماكن دفن النفايات النووية من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية البيئة والسكان كإجراء وقائي، خوفا من التعرض للإشعاع في المناطق التي يتزايد فيها عدد مرضى السرطان على اختلاف أنواعه، وتكرار الولادات غير الطبيعية والتشوهات الخلقية التي يتم تسجيلها في تلك المناطق، وغيرها من الظواهر المرضية المزعجة”.