أمد/ تل أبيب: كشفت وسائل إعلام عبرية يوم الاثنين، عن خطة حكومية جديدة تتضمن استثمارًا ضخمًا بقيمة 730 مليون دولار (ما يقارب 2.7 مليار شيكل) في الضفة الغربية المحتلة خلال السنوات الخمس المقبلة؛ بهدف تعزيز الوجود الاستيطاني وتثبيت السيطرة الإسرائيلية على المنطقة.
وتشمل الخطة، التي أُقرت بدعم من وزارات متعددة، نقل قواعد عسكرية، وتوسيع البنية التحتية للمستوطنات القائمة، إلى جانب تخصيص نحو 179 مليون دولار لبناء 17 مستوطنة جديدة.
وزعم وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، أنَّ الضفة الغربية حزام أمني لإسرائيلي وأنه يفتخر بقيادة تلغي فكرة تقسيم إسرائيل و”إقامة دولة فلسطينية”.
وتؤكد التقارير الإسرائيلية أن الخطة تهدف إلى ترسيخ واقع ميداني يصعب على أي حكومة مستقبلية تغييره، ما يعكس توجهًا استراتيجيا لإحكام السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية المحتلة، في وقت تواجه فيه الحكومة ضغوطًا دولية متزايدة بشأن وقف التوسع الاستيطاني.
ففي خطوة وُصفت بالدراماتيكية، وتحمل تداعيات بعيدة المدى على الواقع الميداني في الضفة الغربية، يضخّ وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش ميزانيات غير مسبوقة تهدف إلى تطوير مستوطنات جديدة، وشقّ طرق، وتسجيل الأراضي، وتعزيز منظومات الأمن. وتشمل الخطة، للمرة الأولى، نقل ثلاث قواعد عسكرية تابعة للجيش الإسرائيلي إلى شمال الضفة، في خطوة تُقدَّم بوصفها قادرة على تغيير خريطة المستوطنات.
وتُظهر البيانات التي نشرتها صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية للمرة الأولى حجم المبالغ التي تُحوَّل إلى الضفة الغربية: مليارات الشواقل من ميزانية الدولة تُخصَّص لنقل قواعد عسكرية، وإقامة بنى تحتية لعشرات المستوطنات الجديدة، وفتح طرق رئيسية نحوها، إضافة إلى إنشاء مؤسسات عامة وتعزيز الأمن.
أحد البنود الأكثر بروزًا في الخطة يتمثل في نقل قواعد عسكرية إلى ما وراء الخط الأخضر، وتحديدًا إلى شمال الضفة. فبعد أن كانت إسرائيل قد أخلت مواقع عسكرية في المنطقة بموجب اتفاقيات أوسلو، يأتي التحرك الجديد بهدف تعزيز السيطرة الإسرائيلية عبر إعادة تموضع القواعد في منطقة شانور، وهي مستوطنة تم إخلاؤها سابقًا بموجب قانون فك الارتباط. وبحسب ما أُعلن، يسعى المستوطنون إلى العودة إلى شانور قبل الانتخابات، تطبيقًا لقرار حكومي يهدف إلى تكريس وجود دائم في الموقع.
وسيُعاد تموضع مقر لواء منشيه من معسكر عين شيمر إلى شانور، إلى جانب نقل قواعد تابعة لكتيبتين إلى المنطقة نفسها، في خطوة إضافية لتعزيز الوجود العسكري الإسرائيلي في موقع كان قد تم إخلاءه.
وتقوم الخطة على استثمار يقارب 2.7 مليار شيكل يُوزَّع على خمس سنوات، يهدف إلى تعزيز بنى تحتية واسعة خارج الخط الأخضر، في إطار خطوات توصف بأنها ترسيخ لسيادة إسرائيلية فعلية في الضفة الغربية.
ومن هذه الميزانيات، سيُخصَّص 1.1 مليار شيكل لدعم المستوطنات القائمة والجديدة؛ بينها 660 مليون شيكل لسبع عشرة مستوطنة جديدة صادقت عليها الحكومة مؤخرًا، من بينها معالوت حلحول وشانور وهار عيبال. كما تُخصَّص 338 مليون شيكل لـ 36 مستوطنة وبؤرة استيطانية قيد التنظيم، تشمل إنشاء بنى تحتية للمياه والكهرباء والصرف الصحي، إلى جانب مبانٍ عامة كدور العبادة والمراكز المجتمعية.
وتتضمن الخطة إنشاء “مجمّعات استيعاب” في المستوطنات الجديدة، تضم نحو 20 كرفانًا لاستقبال العائلات تمهيدًا للتوسع العمراني. كما ستُخصِّص الدولة نحو 300 مليون شيكل لهذه المستوطنات، منها 160 مليون شيكل على شكل “منحة تأسيس”، و140 مليون شيكل لأغراض التنظيم والنشاط. وتُرصد 434 مليون شيكل لإعادة تأهيل البنى التحتية في المستوطنات القديمة، فيما تُحوَّل 300 مليون شيكل للمجالس والسلطات المحلية في يهودا والسامرة.
وفي خطوة تُعد من أكثر بنود الخطة حساسية وتأثيرًا، ستُخصَّص 225 مليون شيكل لإنشاء وحدة تسجيل أراضٍ (“تابو”) خاصة بالضفة الغربية. فعلى مدى السنوات الماضية، كانت عمليات تسجيل العقارات في الضفة تتم عبر الإدارة المدنية وفق السجلات الأردنية، بينما تهدف الخطوة الجديدة إلى نقل عمليات التسجيل إلى “تابو” إسرائيلي مخصص للمستوطنات، بعد استكمال أعمال المسح ورسم الخرائط. وستعمل الوحدة الجديدة عبر 41 وظيفة مُعتمدة، وتهدف إلى تنظيم نحو 60 ألف دونم بحلول عام 2030.
كما تُرصد 140 مليون شيكل لإقامة حواجز طرق جديدة، معظمها لأغراض عسكرية، إلى جانب 150 مليون شيكل لحماية الحافلات في الضفة الغربية خلال السنوات الثلاث المقبلة، في زيادة تُضاعف المخصصات التي كانت قائمة سابقًا. ومن المتوقع أن يحوِّل وزير الجيش يسرائيل كاتس ميزانيات إضافية لتعزيز الأمن في المستوطنات الجديدة، عبر أسوار ذكية وكاميرات ومحطات معدات ومنظومات حماية أخرى.
وتشير التقديرات إلى أن حجم الميزانيات المخصَّصة سيُكرّس واقعًا جديدًا خارج الخط الأخضر، يصعب على الحكومات المقبلة التراجع عنه. ويبرز في خلفية هذه القرارات الدور المتصاعد لمجلس المستوطنات “يشع”، الذي استعاد خلال العام الماضي نفوذًا واسعًا في دوائر صنع القرار. وقد رُصد حضور مسؤوليه، بمن فيهم المدير العام عمر رحاميم، في وزارة المالية خلال الأيام التي سبقت إقرار الميزانية وحتى ساعات الفجر يوم المصادقة عليها.
ويعتمد العمل التنفيذي المتعلق بالضفة الغربية على تنسيق وثيق بين مجلس “يشع” ومكتب الوزير سموتريتش، إلى جانب التعاون مع مكتب وزير الجيش والمؤسسة الأمنية والجيش. وتُجسّد هذه الخطة، بحسب التقديرات، رؤيةً كان المجلس يطرحها منذ سنوات، ويعمل سموتريتش على تنفيذها الآن عبر أدوات حكومية ومالية واسعة النطاق.
