تطبيع العلاقات السعودية الايرانية ..تعزيز للدبلوماسية الجزائرية
سينعكس تطبيع العلاقات السعودية الإيرانية على تعزيز الدبلوماسية الجزائرية في القضايا العربية والإقليمية والدولية، من خلال استغلال قوة ومكانة الرياض وطهران لتعزيز التحالفات وتقوية العمل المشترك في مختلف الهيئات والمنابر للدفاع عن مصالح الأمة والعمل على تقليص محاولات الاختراق الخارجي والتصدي لمختلف التهديدات والمخططات التي تهدف لجعل الدول العربية والإسلامية والنفطية ساحات للحروب والصراعات بالوكالة.
كانت الجزائر قد دعت في الكثير من المرات وخاصة في قمة جامعة الدول العربية الأخيرة على أرضها، إلى منح الدبلوماسية والحوار فرصة لمعالجة الاختلافات مع إيران وتركيا اللتان أصبحتا مؤثرتين في مختلف الأزمات والقضايا العربية خاصة باليمن ولبنان وفلسطين وليبيا وسوريا، وهو ما جعل الكثير من الدول العربية تتحفظ وتبدي قلقها من هذا التوغل والامتداد.
وبعودة العلاقات السعودية والإيرانية إلى حالتها الطبيعية بعد مسار من اللقاءات والمفاوضات، كانت الكثير من المؤشرات الايجابية، حيث تقارب الطرفان في الجزائر في سبتمبر 2016 أشهر بعد القطيعة بمناسبة اجتماع “أوبك” وبإلحاح من الجزائر قبل وزراء النفط والمحروقات الخليجيين والإيرانيين، من الجلوس جنبا إلى جنب والمشاركة في القرار التاريخي بخفض إنتاج “أوبك” لإنقاذ أسواق الطاقة المنهارة آنذاك.
وظهر عندها أن الجزائر من خلال إعادة تطبيع علاقاتها مع إيران في بداية القرن الحالي، كان خيارا صائبا، من خلال تفضيل الحوار والدبلوماسية مع إيران بدلا من التراشق الإعلامي والدبلوماسي وتم حل نقاط الخلاف ومنه توجيه المجهودات للتعاون والتنسيق لخدمة المصالح المشتركة الثنائية والإقليمية.
تطبيع العلاقات بين طهران والرياض جاء بعد أشهر من استتباب الأمن والاستقرار في اليمن ودعوة السعودية لتسبيق الدبلوماسية شرط عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج، وهو ما بدأت تقتنع به طهران التي وجهت الكثير من الرسائل الإيجابية للسعودية واستعدادها لمناقشة كل القضايا وفقا لمصالح المنطقة والعمل على خفض التوترات.
وجاء هذا المكسب الدبلوماسي للدول العربية أياما بعد تغيّر الخطابات تجاه سوريا وتليين المواقف من أجل تمهيد عودة سوريا للحضن العربي، بعد تأجيل ذلك بمناسبة قمة الجزائر، حيث وبعد مجهودات الجزائر الدبلوماسية الحثيثة، خرجت سوريا قبل القمة وعبّرت عن تفهمها لمواقف الكثير من العواصم العربية المترددة، وقالت إن المصلحة العامة أولى على أن يتم معالجة ملفها لاحقا وما هي إلا أشهر حتى تغيّرت الكثير من المعطيات تجاه سوريا، ويظهر أن القمة العربية المقبلة بالسعودية ستعرف عودة سوريا رسميا، من خلال العمل على عودة السيادة الكاملة على الأراضي السورية.
وستستغل المملكة العربية السعودية مكانتها الإقليمية والعالمية بعد وصولها إلى صفر مشاكل مع الكثير من الدول، على غرار تركيا وإيران لمساعدة الكثير من الدول العربية لتجاوز أزماتها بفعل قوتها الاقتصادية والمالية التي أوصلتها السنة المنصرمة إلى الاقتصاديات التريليونية وما وضعها لـ 5 ملايير دولار كوديعة في البنك المركزي التركي إلا رغبة منها في التموقع كدولة تعمل للصالح العام في المنطقة ومنه تقوية الدول العربية ومنع أية مشاكل تسمح باختراق المجال الحيوي العربي.
وفي السياق ذاته، ستساهم السعودية في إعادة الملف النووي الإيراني إلى الواجهة والعمل دبلوماسيا على إحياء وإنجاح المفاوضات بين الغرب وطهران لتعزيز السلام والأمن العالميين والنأي بالمنطقة عن المشاكل التي تؤثر سلبا على الاستقرار والتنمية وحماية الاقتصاد العالمي من أية تهديدات خاصة في مجال التموين بالطاقة.
ومع عودة العلاقات السعودية الإيرانية، ستدحض الرياض أية تبريرات إسرائيلية لتشكيل ناتو عربي ضد إيران والعمل على توظيف فزاعة إيران للضغط على دول الخليج ودفعها للتسلح والتطبيع. وعليه فالمملكة العربية السعودية تكون قد ضربت عصافير كثيرة بنصف حجر، من خلال خدمة القضية الفلسطينية وإضعاف الكيان الصهيوني وإجبار الولايات المتحدة الأمريكية على مراجعة حساباتها في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط لفعل هذه التحولات، وكذا ما ستفرزه الأزمة الأوكرانية.
ان السعودية مع رؤية 2030 التي يراهن ولي العهد محمد بن سلمان لجعل المملكة قوة عالمية فاعلة ومؤثرة ظهرت جليا في قمة التنمية التي احتضنتها جدة في منتصف 2022 وكانت فرصة لإعلان التوجهات الجديدة للمملكة، من خلال تنويع الشركات بين الشرق والغرب، حيث عززت علاقاتها مع الصين وكوريا الجنوبية ووجهت رسالة واضحة بأن من يعتقد أن الرياض زبون لشراء الأسلحة وضمان التموين بالطاقة فهو مخطئ، وفهم الرئيس الأمريكي جو بايدن، أن الرياض من خلال رد فعلها حول أسواق الطاقة ورفض أية اتهامات بالانحياز في الأزمة الأوكرانية، من خلال قرارات “أوبك بلوس”، كما أن محاولة فرض إنشاء حلف عسكري مع إسرائيل “ناتو عربي” ضد إيران، أمر بعيد المنال ولا يتماشى مع المملكة ودول الخليج.
إن هذا التحول في المجال الإقليمي العربي والإسلامي، أمر مهم جدا سارت فيه الجزائر من قبل وأظهر نجاعته، من خلال تنويع التحالفات بين محاور بكين وأنقرة وطهران وموسكو، والحفاظ على صداقة الاتحاد الأوروبي وواشنطن..
ومن المنتظر أن تعمل الجزائر وتركيا وإيران والمملكة العربية السعودية مستقبلا، على إرساء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، خاصة وأنهم مرشحين بقوة للانضمام إلى مجموعة البريكس، ومنه فرض توازن عالمي يحفظ السلام والأمن والتنمية، بعيدا عن الابتزاز والغطرسة والانحياز الفاضح.