أمد/ في تصريح مثير للجدل، الأحد 1 يونيو/حزيران 2025، قال السفير الأمريكي لدى إسرائيل، مايك هاكابي، إنه إذا كانت فرنسا مصممة على الاعتراف بدولة فلسطينية، فعليها أن “تقتطع جزءًا من الريفييرا الفرنسية وتُقيم الدولة هناك”، معتبرًا أن الضغوط الفرنسية على إسرائيل في هذا التوقيت “مقززة” و”غير مقبولة”.

جاءت تصريحات هاكابي خلال مقابلة مع شبكة “فوكس نيوز” في القدس، حيث عبّر عن رفضه الشديد للمساعي الفرنسية والسعودية لعقد مؤتمر دولي في نيويورك منتصف يونيو/حزيران الجاري، يهدف إلى الدفع نحو الاعتراف بدولة فلسطينية. وأكد أن الولايات المتحدة “لن تشارك في هذه الخدعة”، على حد وصفه.

وأضاف هاكابي أن الاعتراف الأحادي بالدولة الفلسطينية، خاصة في ظل استمرار الحرب في غزة، يُعد “أمرًا غير مناسب على الإطلاق”، مشيرًا إلى أن مثل هذه الخطوات “تشجع على التطرف وتُقوّض جهود السلام”.

تأتي هذه التصريحات في وقت تشهد فيه العلاقات بين إسرائيل وفرنسا توترًا متصاعدًا، بعد إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن نية بلاده الاعتراف بالدولة الفلسطينية خلال الأشهر المقبلة، معتبرًا أن “الاعتراف ليس من المحرمات”.

مثل هكذا تصريحٍ يعكس انحيازًا صارخًا ويتجاهل أبسط حقائق التاريخ والقانون الدولي، حيثى أدلى السفير الأمريكي لدى إسرائيل بمواقف اعتبرت من قبل العديد من المراقبين خروجًا فاضحًا عن الأعراف الدبلوماسية، وتنكّرا للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

ومن المؤسف حقا أن يجهل ممثل دولة كبرى مثل الولايات المتحدة، أو يتجاهل، أن الشعب الفلسطيني يمتلك جذورًا عميقة في هذه الأرض تعود إلى آلاف السنين، حيث كانت فلسطين عبر تاريخها موطنًا لحضارات متعاقبة ساهم فيها الفلسطينيون في مختلف مناحي الحياة الثقافية والسياسية والدينية. لم يكن الوجود الفلسطيني طارئًا أو مستجلبًا، بل هو امتداد حضاري لشعب عاش على أرضه قبل أن تُفرض عليه النكبة والشتات والاحتلال.

السفير الأمريكي، بتصريحاته الأخيرة، ينقض أي ادعاء بأن بلاده تسعى إلى لعب دور الوسيط النزيه في الصراع الفلسطينيالإسرائيلي. فالوسيط يجب أن يكون محايدًا، يستند إلى القانون الدولي لا إلى أيديولوجيات أحادية، ولا يعطي شرعية لسياسات الاحتلال والتوسع الاستيطاني التي تُعدّ انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي

ما تجاهله السفير أو حاول طمسه هو أن الأمم المتحدة، عبر عشرات القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة، أقرت بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. القرار 242 (1967)، القرار 338 (1973)، القرار 478 (1980)، القرار 2334 (2016) وغيرها، كلها تؤكد عدم شرعية الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي، وتدعو إلى احترام الحقوق الوطنية الفلسطينية.

لا يمكن لأي عملية سياسية أن تنجح أو لأي سلام أن يتحقق ما دامت حقوق الشعب الفلسطيني تُنكر أو يُنتقص منها. السلام الحقيقي يبدأ من الاعتراف بالآخر، واحترام القانون الدولي، والالتزام بقرارات الأمم المتحدة، وليس عبر فرض الأمر الواقع أو تغيير الحقائق بالتضليل والتصريحات المنحازة.

وحقيقة القول إن تصريحات السفير الأمريكي تفضح عمق الانحياز الأمريكي في هذا الصراع، لكنها لن تُغيّر من حقيقة أن للشعب الفلسطيني حقوقًا تاريخية وقانونية لا تسقط بتصريح ولا تُلغى بسياسة. وستبقى المطالبة بهذه الحقوق واجبًا وطنيًا وأخلاقيًا على جميع أحرار العالم.

شاركها.