اخر الاخبار

تصاعد رغبة الشباب الغزي بالهجرة في ظل الضغوط الإقليمية والدولية

أمد/ تشهد رغبة الشباب الفلسطيني في قطاع غزة بالهجرة تصاعدًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، مدفوعةً بالأوضاع الاقتصادية المتردية، وانعدام فرص العمل، وانعدام الأمن نتيجة الحروب المتكررة. ورغم أن هذه الظاهرة ليست جديدة، فإنها تكتسب زخمًا خاصًا في ظل النقاشات الدولية والإقليمية حول سيناريوهات مستقبل القطاع، بما في ذلك التصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول إمكانية تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن، والضغوط التي تمارسها واشنطن على القاهرة وعمان لقبول هذا السيناريو.

واقع الشباب الغزي ورغبة الهجرة

تشير نتائج استفتاء أجراه “مركز رصد للدراسات السياسية والاستراتيجية” إلى أن نسبة كبيرة من الشباب الغزي، وخصوصًا خريجي الجامعات، يعبرون عن رغبتهم في الهجرة إلى دول توفر بيئة آمنة وظروفًا اقتصادية مستقرة. ويرجع ذلك إلى عدة عوامل، أبرزها:

1.  الأوضاع الاقتصادية المتدهورة: يعاني قطاع غزة من معدلات بطالة مرتفعة تتجاوز 45%، وتصل إلى أكثر من 70% بين الشباب والخريجين. في ظل هذه الأوضاع، يصبح البحث عن فرص عمل في الخارج خيارًا حتميًا لكثيرين.

2.  غياب الأمن والاستقرار: الحروب المتكررة، والتصعيد العسكري المستمر، وانعدام الأفق السياسي تخلق بيئة طاردة للشباب، الذين يبحثون عن حياة أكثر استقرارًا وأمانًا.

3.  القيود المفروضة على التنقل: استمرار الحصار الإسرائيلي وإغلاق المعابر يجعل الهجرة بحد ذاتها تحديًا صعبًا، لكنه في الوقت ذاته يدفع المزيد من الشباب لمحاولة مغادرة القطاع بأي وسيلة متاحة.

4.  تراجع الخدمات الأساسية: تعاني غزة من أزمات مزمنة في الكهرباء والمياه والرعاية الصحية، مما يجعل الحياة اليومية في القطاع غير محتملة لكثير من الشباب.

وناقشت ورقة بحثية أصدرها مركز رصد للدراسات السياسية في لندن واقع الهجرة في غزة بين الرغبة الفردية والحسابات السياسية: وفي هذا الصدد تقول الورقة رغم أن رغبة الشباب بالهجرة تعود أساسًا إلى عوامل داخلية متعلقة بالوضع الاقتصادي والاجتماعي، إلا أن التطورات السياسية الأخيرة أضافت بُعدًا جديدًا للنقاش. فقد تزامنت هذه الرغبة مع الطرح الأمريكي القاضي بضرورة إيجاد “حلول” لسكان غزة، وهو ما يتضمن تهجيرهم إلى دول الجوار. وقد هددت إدارة ترامب كلًا من مصر والأردن بوقف المساعدات المالية في حال رفضتا استقبال الفلسطينيين.

في هذا السياق، يلاحظ أن مصر تتعامل مع ملف غزة بحذر، حيث تسعى للحفاظ على دورها كوسيط سياسي بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، لا سيما في ملف المفاوضات المتعلقة بتبادل الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة. وقد زادت القاهرة من متابعتها لتصريحات المتحدث باسم كتائب القسام، أبو عبيدة، الذي أعلن تعليق المفاوضات، وهو ما يعكس تقاطع المصالح بين الأبعاد السياسية والميدانية لهذا الملف.

وعن الانعكاسات المحتملة لكل هذا تقول الورقة آنه لمن المتوقع حصول:

1.  موجة هجرة غير منظمة: في حال استمرار التدهور الاقتصادي وانسداد الأفق السياسي، قد نشهد تصاعدًا في محاولات الهجرة غير الشرعية عبر البحر الأبيض المتوسط أو عبر معبر رفح بطريقة غير قانونية.

2.  توظيف ملف الهجرة سياسيًا: من المحتمل أن تستغل بعض الأطراف الدولية والإقليمية هذه الظاهرة لتمرير مشاريع توطين الفلسطينيين خارج أرضهم، مما قد يؤدي إلى تفريغ غزة من طاقاتها الشابة.

3.  تصاعد الضغط على مصر والأردن: استمرار الضغوط الأمريكية قد يدفع القاهرة وعمان إلى اتخاذ مواقف أكثر وضوحًا في رفض التوطين، مع البحث عن بدائل لتخفيف الأعباء الاقتصادية والسياسية الناجمة عن التعامل مع قطاع غزة.

وفي الخاتمة والتوصيات التي خرجت بها الورقة يمكن القول بأن رغبة الشباب الغزي في الهجرة تعكس أزمة حقيقية تتطلب معالجة جذرية بدلاً من استغلالها سياسيًا لتمرير أجندات دولية. وعليه، فإن الحلول يجب أن تركز على:

تحسين الظروف الاقتصادية في غزة عبر مشاريع تنموية حقيقية توفر فرص عمل وتحد من البطالة.

ضمان استقرار سياسي وأمني يسمح للشباب بالبقاء في وطنهم دون الحاجة إلى البحث عن ملاذ آمن في الخارج.

رفض أي محاولات لتوظيف الهجرة كأداة سياسية، والتأكيد على حق الفلسطينيين في العيش في أرضهم بكرامة دون تهجير قسري.

تبقى غزة مركزًا للصراع الإقليمي، ولكن مستقبلها يجب أن يكون بيد أبنائها، بعيدًا عن المخططات التي تسعى إلى تفريغها من سكانها، سواء عبر الضغط الاقتصادي أو من خلال صفقات سياسية مفروضة من الخارج.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *