ترمب رئيسا.. مصير السلطة الفلسطينية
أمد/ قبل الإجابة عن سؤال ما هو مصير السلطة الفلسطينية؟ لابد من الانطلاق من مسلمة ثقافية سياسية في الصراع الدائر منذ أكثر من قرن.. فمن جديد لابد من تسليط الضوء على طبيعة العلاقة المفروضة بيننا والعدو، إنه بالنسبة له ليست خطرا أمنيا، ولا تنازع حول شروط تحسين المعيشة، إنها صراع وجودي، وتناقض جوهري، ومن هنا نكتشف أن ليس من المقبول من المنظور الصهيوني أي وجود فلسطيني مهما كان لونه فالكل نقيض مرفوض، وعملية الإبادة للشعب الفلسطيني كانت ولازالت قاعدة نهجهم ألإحلالي”أرض بلا شعب”.. و من هنا نصبح مدعوين أكثر لضبط جملتنا السياسية واستحضار روايتنا دوما، وأكثر وعيا بما ينبغي أن نكونه في أدائنا السياسي بتكامل و قدرة على تجاوز ما بيننا من اختلافات بغض النظر عن التوجهات الإيديولوجية والسياسية.. وذلك كمسلكية أخلاقية وسياسية ثابتة.
حرب مجنونة بأدوات إعلامية:
تبث وسائل الإعلام الصهيونية يوميا على عدة وسائط التواصل ومراكز البحوث ومواقع عديدة مناخا يوحي بأن النهايات السعيدة اقتربت للمشروع الصهيوني كما يتحدث مركز موشقاف الصهيوني للدراسات الإستراتيجية والأمنية وهو موقع يكتب فيه خبراء وباحثون ورجال سياسة وأكاديميون من النخبة فلقد جاء في أعداده الأخيرة بطفح هائل من التحليلات والآراء حول مجيء ترمب وبعناوين مثيرة على شاكلة: ” ان فوز ترمب فرصة للتغيير الاستراتجي التاريخي”، “ترمب سيختصر الوقت لتحقيق كل أهداف الحرب” ، ” الحدود الشرقية مع الأردن غير شرعية”، “ترمب سيقوم بضغط اقتصادي وتهديد عسكري على إيران لاستبدال النظام الشرير” وفي هذا السياق يأتي العديد من القراءات والدراسات التي يحتويها الموقع، وأما نتنياهو وجماعته من الوزراء فيستعرض على طريقته المرحلة القادمة بأنه بعد تسلم ترمب سيعلن ألسيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية.. فالى أي درجة تكون هذه التكهنات والأمنيات الصهيونية واقعية..
الأمر لا يقف عند الإعلام الصهيوني ومراكز البحوث الإسرائيلية والسياسيين الإسرائيليين بل انه يشغل العالم كله بالتحليلات والإستشرافات والتوقعات للمرحلة القادمة في أكثر من مكان وفي أكثر من قضية.. وهنا ينبغي أن لا يغيب عنا أن مواقع الإعلام الرئيسية في العالم تصدر عن المصدر نفسه الذي يبث منه الإعلام الصهيوني يترافق ذلك مع استحضار ماضي الرئيس القادم بخصوص القدس والجولان والاتفاق النووي هذا من جهة و من جهة اخرى هذا الرئيس المثير العنيد يوزع الشكوك والإيحاءات شمالا ويمينا والأمر الذي ينشئ حالة من التوتير والاضطراب لصانع القرار العربي والدولي سواء في قضية فلسطين والصين وأوكرانيا والناتو.. و إيران والقواعد العسكرية..
فهل كل ما يقال من باب البروبوغندا والتهويش والإشارة للرئيس القادم بما ينبغي فعله ورسم خريطة طريق له، هل كل ما يقال ليل نهار على قنوات البث الصهيونية في الكيان الصهيوني أو أمريكا يأتي من باب الأمنيات أم ان لديهم معطيات بما ينبغي أن يكون وهل تنجح البروبوغندا الإسرائيلية في صناعة موقف ايحائي لإدارة ترمب لخطوات عملية في الاتجاه ذاته.. وهل تنجح في صناعة موقف نفسي لدى صناع القرار العرب فيكون انهيارهم المضاعف بدون ضغوط وقبل أي لقاء وفي أي مبادرة..
هناك رواية يحاول العدو فرضها تحت ضجيج الدعاية والصواريخ.. ففي السنة الفائتة فقدت الرواية الصهيونية أهم أسلحتها التي اشتغلت أكثر من 80 سنة على جعلها مسلمة في الوعي الغربي وسيفا مسلطا على رأس كل من انتقد او اعترض على السياسة الإسرائيلية تلك التي يتم عنونتها الهولوكست.. فلقد استسلم العقل الأوروبي والأمريكي وكثير من الدول لتلك الرواية التي فرضت على العالم استحقاقات كبيرة من الدعم المالي والعسكري والسياسي والإعلامي والاستعداد الدائم للدعم بكل ما يلزم لجعل الكيان الصهيوني ليس متفوقا فقط بل ومنتصرا على أي طرف إقليمي بغض النظر عن دوافع المواجهات.. هذا القناع سقط سقوطا مدويا وأصبحت الجريمة هي الوجه البارز للكيان الصهيوني فلقد اكتشف الناس في أوربا وأمريكا ان الجنود الصهاينة لم يرتدعوا عن أي جريمة من قتل عشرات ألاف الأطفال وتدمير المستشفيات والمعابد وتدمير المساكن وتجويع ملايين البشر والفتك بهم والقصف بما يوزاي عشر قنابل ذرية مساحة صغيرة من الأرض وهم بذلك تجاوزوا كثيرا ما فعله هتلر والجيش النازي.. وكان لهذا السلوك الإجرامي وقع هائل في الضمير الإنساني الذي تحرك بفاعلية غير مسبوقة في الجامعات الأمريكية والشارع الأمريكي كما الأوربي الى درجة ان التنديد بأفعال الجيش الصهيوني وقياداته أصبح حديثا عالي الوتيرة داخل البرلمانات الأوربية والكونجرس ولعله كان كاشفا بعمق عن طبيعة سيطرة رأس المال على الثقافة والاعلام واستعبدا ملايين البشر في مملكة العصابة المتحكمة في العالم..وتنزاح بعض الدول نحو الاعتراف بفلسطين ويتجه الاخر الى فرض قيود على منشات اسرائيلية وتقوم العديد من الجامعات بقطع العلاقات مع الكيان الصهيوني وتصبح الجريمة الصهيونية متدخلا فاعلا في الانتخابات في فرنسا وامريكا وسواهما.. المهم بجملة أن الكيان الصهيوني لم يعد هو اسرائيل التي تحمل على كتفها الهولوكست بل هي اسوأ مما ارتكبه هتلر.
هذه الحقيقة لابد من التركيز عليها كلما فتح الحديث عن العلاقة بين الغزاة الصهاينة والشعب الفلسطيني انها حرب ابادة اجرامية شاملة ومن حسن حظ الفلسطينيين ان المحاكم الدولية فتحت ابوابها لدعاوى قضائية من دول صديقة لتسم اسرائيل بالجريمة ضد الإنسانية وبهذا تهتز اركان النظام الدولي ويصبح الفلسطينيون هم الضحية وذلك بحكم شعبي ورسمي وهذا جعل القضية الفلسطينية اليوم قضية انسانية عالمية لم تحظ قضية بمثل زخمها الواقعي.
تحاول البروبوغندا جر الوعي والاعلام الى دوائر اخرى غير تلك التي تشير بوضوح الى حجم الخسارات الكبيرة من انحسار الوضع الاقتصادي وتوقف الاف الشركات عن العمل والاوضاع الامنية التي تلجيء ملايين اليهود الى الاختباء وتتسبب في رحيل مئات الافهم من غلاف غزة وشمال فلسطين كما ان الفضيحة الكبيرة التي لحقت بجيشهم فبعد كل جرائمه لم يستطع حتى الان استرداد اسراه ولم يستطع تحقيق أي هدف استراتيجي له فلا زالت المقاومة والصمود الفلسطينيين حاضرين بقوة رغم كل الالم.. الاعلام الصهيوني يخوض عملية تجري الى الامام في حين ينبغي عدم السماح لها من مغادرة هذا المربع الضروري والذي يلقي بأثره في الاقليم والعالم ومن الضروري اليقظة من سياسة هذا الاعلام التي تتجه الى صناعة انتصارات وهمية وصناعة واقع تضليلي.. فلقد كان للعدوان الصهيوني على غزة والضفة أثره البالغ في الاقليم الذي اندفع في أول مرة مساندا للشعب الفلسطيني وحقه في الحياة على أرضه وحقه في الدفاع عن وجوده وفي اقامة كيانه الخاص به وطرد الغزاة.. فهاهي الحرب الضروس بين الكيان الصهيوني ولبنان وما تلقيه من تحديات على الأمن الصهيوني واضرار واسعة على التجمعات الصهيونية والمؤسسات سواء.. ويتضح من سير الاحداث انه رغم ما لحق باللبنانيين من تضحيات واسعة ولازالت التضحيات مفتوحة على كوارث الا ان القيادات الصهيونية بعد فترة نشوة أصبحوا أكثر ادراكا ان المواجهات عنيفة وتلحق اضرارا بالغة بالجيش الاسرائيلي بل والتجمعات الصهيونية في فلسطين وان هناك قدرات متطورة لدى اللبنانيين في معركة من الواضح انها لن تنتهي كما تريد القيادات الصهيونية وهذا أسقط فر روع نتنياهو الامر الذي يدفعه للبحث عن صيغة للخروج من مأزق لبنان.. صحيح انهم يرون في الخطر اللبناني خطرا أمنيا وليس كما يروا في الخطر الفلسطيني خطرا وجوديا ولكن هذه الرؤية أو العقيدة لم تعد راسخة بعد سنة من المواجهات المتواصلة والمتطورة فلقد أصبح واضحا لكل ذي عينين أن الانخراط اللبناني واليمني في المعركة لا يمكن ادراجه تحت عنوان الخطر الامني وانما هو بالقطع خطر وجودي لان الموقف اللبناني واليمني ربطا مصيرهما بمصير فلسطين والقدس.. وهذه الجبهة العربية أخذة في التوسع الاقليمي رغم بطء التفاعلات.. هذا ايضا لابد من استحضاره دوما على اعتبار انه متغير عميق يحصل لأول مرة فلكم قاتل الفلسطينيون وحدهم ولم يشاركهم أحد من البلدان العربية ولا أمثل على ذلك من حرب صيف 1982 التي اضطر الفلسطينيون فيها من الخروج من اخر موقع مواجه للعدو الصهيوني.
ثم حتى ننتبه الى كيفية مناقشة الاعلام الصهيوني الحالي لابد من النظر للواقع بهدوء ولا نستصغر أي خطوة سياسية أو اي موقف رسمي فقبل أيام اجتمع رؤساء وملوك العرب والمسلمين في مؤتمر قمة ورغم عدم رضانا بما نتج عنها الا انها بلاشك كانت تعبر عن موقف رسمي عربي واسلامي مهم وضروري وهو رسالة واضحة للرئيس القادم ان لاسلام ولا تطبيع الا بعد قيام دولة فلسطين وان التعاطف والمساندة كاملة للشعب الفلسطيني واللبناني وان لا لاي محاولة للعدوان على ايران.. موقف بلا شك يعبر عن رؤية سياسية لا يستطيع الرئيس القادم تجاوزها وعلى الصعيد الدولي فانه لايمكن المرور سريعا عن موقف الاتحاد الاوربي الذي تعلو فيه الاصوات عن ضرورة اعادة النقاش في موضوع الشراكة مع اسرائيل.. هذا في ظل تصاعد المطالبات بوقف التسليح لاسرائيل وما بدا من شروخ في المواقف بين قادة اوربيين وقادة الكيان الصهيوني جراء تجاوزات القيادات الصهيونية كل الخطوط الحمراء بالنسبة للاوربيين.
السلطة الفلسطينية الى أين:
من الواضح أننا في الساحة الفلسطينية نمتلك عناصر قوة كبيرة وحقيقية على رأسها الشعب الفلسطيني العظيم وروح الصمود فيه وروح العطاء والابداع والاقدام وروح المقاومة والايمان الأمر الذي جعله محل الاعجاب والفخر الانساني لدرجة ان ذلك اقترن بتقدم الاسلام منهجا انسانيا يجد الاقبال من الاف الناس في امريكا واوربا.. ولكن هذا كله لا يكفي.. ان المقتلة الدائرة في فلسطين تحمل رسالة كبيرة من شقين الشق الاول انه ما كان ينبغي الاعتماد على أي نظام اقليمي ولا الاشتباك معه ولا السماح لاحد بالتدخل في الموقف الفلسطيني بل وعدم الاعتماد على الشعوب العربية والاسلامية في يوميات المعركة، والشق الثاني لقد كان لزاما على كل الفلسطينيين ان يتوحدوا بما هم عليه وان لم يتوحدوا رسميا فعمليا.. ان التوزع المتناقض والمتنافر في الساحة الفلسطينية يعني بوضوح خسارة كل طرف فلسطيني ومن ثم خسارة فلسطين..
اعجبني الموقف اللبناني حقا.. ففي حين انه بين المقاومة اللبنانية وحركة امل ما صنع الحداد من مقاتل وخصومات وشحناء الا ان المقاومة ارتضت ان يكون نبيه بري صديق الامريكان والغربيين مفوضا باجراء المفاوضات.. بل واكثر من ذلك ارتضت بالحكومة واركانها ان يتحدثوا باسم لبنان ومصيره.. انه موقف مسؤول بلا شك وهو قوة حقيقية للبنان يجنبه كثيرا من الاضرار السياسية..
لهذا كان رأيي من بداية العدوان الصهيوني على غزة أن يترك ملف المفاوضات للوضع الرسمي الفلسطيني فهو أقدر عليه وهو معترف بشرعيته دوليا وهو خاض ويخوض حروبا سياسية حقق جملة أهداف مهمة في المؤسسات الدولية ويمكن ان يقوم بالمفاوضات التي تقلل خسائر الشعب الى حد كبير..
من المعروف ان القضية الفلسطينية تقدمت كثيرا وقد انتعشت حية بعد أن كادت تحال الى ملفات التاريخ وكان ذلك بفعل المقاومة الفلسطينية المشروعة من جهة وكان كذلك بفعل هذه التضحيات الهائلة التي حلت بالشعب الفلسطيني.
لن تسقط السلطة الفلسطينية للاسباب السابقة كلها بل ستكون بالنسبة للامريكان بوابة لابد من التوجه نحوها ان ارادت الولايات المتحدة ان يكون لها فاعلية في الملفات الاقليمية.. السلطة الفلسطينية الان مسلحة بموقف دولي وعربي واسلامي.. واهم من ذلك مقاومة الشعب وتضحياته وقدرتها على ادارة الاوضاع في الضفة الغربية وقطاع غزة كما كان سابقا بل بشروط افضل..
انا هنا لا اتكلم اماني ولا رغبات وانما رؤية لواقع اراه يتحرك لتمكين السلطة من الوضع الفلسطيني في عهدة ترمب الثانية ولن يستطيع ترمب حتى لو دفع ان يجتاز الموقف العربي الصديق له وكما ان انفراجات كبيرة ستكون مرافقة لعهدة ترمب الثانية منها ملف اوكرانيا كما انه سيحجم قوة اوربا وستظهر التفارقات بين الطرفين وهذا لصالح القضية الفلسطينية كما انني استبعد تصعيدا من قبل ترمب ضد ايران التي مكنت تحالفاتها مع الروس الذين سيكون لهم دورا كبيرا في صياغات عالمية في المرحلة القادمة.
كلمة لابد منها:
بعد ان اصبح واضحا ان لا نظام عربي يمكن ان يكون حليفا للمقاومة فانه ليس لنا الا انفسنا لابد من التفاهم على الادوار المختلفة والمتنوعة حتى لو لم يحدث هناك لقاء.. ولنا في النضال الايرلندي قدوة.. من الان ينبغي ان تقوم المنظمة التحرير الفلسطينية بالتفاوض بخصوص الشأن الفلسطيني جملة وتفصيلا وبتركيز وهدوء ينبغي الانصراف عن بعثرة الجهود والابتعاد عن لغات التخوين ولتضبط ايقاعات الحديث السياسي بعيدا عن قنوات وفضائيات مشبوهة تعمق الفتنة بين الفلسطينيين.. والله غالب على أمره.