ترسيخ قيم التسامح والتعايش لمواجهة الإسلاموفوبيا
قال رئيس الهيئة الأوروبية للمراكز الإسلامية وإمام مسجد المركز الإسلامي بجنيف، الشيخ مهاجري زيان، في حوار لـ””، إن الهيئة “تعدّ المرجع الرئيسي في تفعيل المراكز الإسلامية وتأهيل الأئمة في أوروبا”، مشيرا إلى أن هذه المساجد والمراكز الإسلامية “تقوم على الدعوة والخطابة من طرف هؤلاء الدعاة والأئمة المتميزين”، موضحا أن محاولات إلصاق الإرهاب بالإسلام كان “نتيجة تصرفات بعض المتشدّدين”، مشيرا إلى أنها “كانت ومازالت وسيلة اليمين المتطرف لمزيد من العداء للمسلمين والمهاجرين العرب”.
لماذا أسستم الهيئة الأوروبية للمراكز الإسلامية؟
الهيئة الأوروبية للمراكز الإسلامية منظمة غير حكومية، متخصصة في العناية بشؤون المراكز الإسلامية والارتقاء بأدائها، ولها تمثيل في 14 دولة أوروبية، مقرها مدينة جنيف في سويسرا، وتعدّ المرجع الرئيسي في تفعيل المراكز الإسلامية وتأهيل الأئمة، وتتواصل مع المجتمع المدني في العديد من البلدان الأوروبية، لنشر القيم النبيلة ورفع منسوب الوعي للعالمين في الدعوة وأبناء الجالية، وتفنيد الأكاذيب التي يردّدها اليمين المتطرف، خصوصا ما يردّده الإعلام وبعض المتطرفين بأن المسلمين خطر على الحضارة الأوروبية، وهذا اعتقاد مغلوط لا أساس له من الصحة، لكن التوجه الآن تسويق مثل هذه الأكاذيب، بسبب الحملات المنظمة لليمين المتطرف والإعلام الذي يهيّج الرأي العام ضد المسلمين، ويستغل بعض الأخطاء التي وقع فيها المسلمون.
الإسلاموفوبيا متفشية في أوروبا، كيف تعملون على إزالة هذه الظاهرة بالغرب عامة وأوروبا تحديدا؟
محاولات إلصاق الإرهاب بالإسلام نتيجة تصرفات بعض المتشدّدين كانت ومازالت وسيلة اليمين المتطرف لمزيد من العداء للمسلمين والمهاجرين العرب، والإرهاب ليس نتاجا للدين حتى وإن رفع الإرهابيون لافتاته، بل هو نتيجة تراكمات الفهم الخاطئ لنصوص الأديان عند المسلمين وغيرهم، والأمر يحتاج إلى جهد من الجميع، خاصة نحن في أوروبا، فدائما اللوم على الجهات الإسلامية، لكن حالة الكراهية والتعصب تتطلب نشر قيم التسامح بين المخالفين. والمؤكد أن المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي تقوم بدور فعّال في التوعية ونشر الوسطية، كما أن المساجد والمراكز الإسلامية في أوروبا تقوم على الدعوة والخطابة من طرف دعاة وأئمة متميّزين. لكن ظاهرة الإسلاموفوبيا وتيارات العداء العنصري للمسلمين في الغرب لم تحظ، حتى اليوم، بالاهتمام الكافي من صناع القرار والنخب السياسية والفكرية والثقافية والإعلامية، رغم خطورة نتائجه، الأمر الذي يتطلب تحركا عاجلا من الدول والمنظمات لتجريمها ورفع الغطاء السياسي والديني عن أصحابها.
ما الدور الذي تؤديه الهيئة في تنوير الرأي العام السويسري وتعريفه بالإسلام؟
دائما ننصح المسلمين في الغرب بعدم الإساءة أو القطيعة مع غير المسلمين، والهيئة الأوروبية للمراكز الإسلامية على استعداد لتقديم كل أنواع المساعدة والتوجيه والبرامج، من خلال رصيدها العلمي وتجربتها الميدانية، لتسهم مع الجميع رسميا وشعبيا برؤية مناسبة، لترسيخ قيم التسامح والتعايش السلمي وقبول الآخر المخالف. وهناك مسؤولية كبرى تقع على المسلمين في الخارج، وهذا يتمثل في التعامل بأخلاق الإسلام، والاندماج في المجتمع والتعامل على مبدأ المواطنة والتعايش السلمي وقبول الآخر. ونتواصل مع الإعلام والمؤسسات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني لمواجهة حملات اليمين المتطرف، والرد على الأكاذيب التي تستهدف تخويف الناس في الغرب من المسلمين، ومحاولات الربط بين تصرفات الجماعات المتطرفة أو الإجرامية وبين المسلمين الذين يعيشون كمواطنين في البلدان الأوروبية ولهم إسهاماتهم المشهود بها، رغم أن تصرفات تلك الجماعات تتناقض مع تعاليم الإسلام.
ما أبرز جهودكم في مجال تحصين الشباب المسلم في أوروبا من الانحرافات بكافة صورها؟
ننصح الشباب دائما بالعفة والأخلاق والبعد عن الفاحشة، وننصح الأسرة والعائلة كذلك بمتابعة الأبناء وتوعيتهم، ودائما ما تتضمن الخطب والدروس هذه القضايا لأنها تعدّ محورية في سبيل توعية أبناء الجالية، إلى جانب بعض الأنشطة الثقافية والتدريبية.
ما هو دور الهيئة في مساعدة الجالية المسلمة على المشاركة الإيجابية في التنمية المجتمعية والتعايش مع مختلف مكوّنات المجتمع الأوروبي؟
ننصح دائما أبناء الجالية بالاندماج الإيجابي في المجتمعات التي يعيشون فيها، وأن يكون لهم الدور المؤثر في كافة المجالات، وأن يكون هناك تواصل مع الرأي العام والإعلام ومؤسسات المجتمع المدني، وضرورة أن يشارك أبناء الجالية في كافة المجالات والمناشط التي تدعم قيم المواطنة والتسامح والتعايش السلمي وقبول الآخر، وضرورة التعامل بأخلاق الإسلام مع الناس جميعا.
هل هناك مشكلات تخص الهُوية العربية والفكر الإسلامي المعتدل؟
الفضاء الإلكتروني أصبح مركز استقطاب وتربة خصبة لزراعة الأفكار المتطرفة أو المغالطات والشبهات، ولذلك، لابد أن تكون المواجهة بالفكر من خلال تفعيل مراكز رصد الفتاوى والآراء المتشدّدة، والعديد من المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي لديها مراكز لرصد الفكر المتطرف، ويتم تفنيد هذه الآراء والرد عليها باللغات الأجنبية المختلفة، لكن يجب التنسيق لتعظيم الفائدة، بهدف أن تكون المواجهة شاملة، بجانب التواصل مع الشباب عبر وسائل التواصل الحديثة التي أصبحت تلعب دورا كبيرا في حياة الشباب، ويمكن استخدامها في الدعوة لتكون من ضمن الوسائل التي تجذب الشباب، وتشجيعهم على التواصل مع العلماء والدعاة المستنيرين.
في ظل تفشي أوجه التطرف بمختلف أشكاله، كيف تعملون على مكافحة وتحصين الشباب المسلم في أوروبا من الانحرافات الخلقية والفكرية بكافة صورها؟
مواجهة التطرف تعتمد في الأساس على بيان سماحة وعظمة الإسلام، وأنه دين التسامح والتعايش السلمي وقبول الآخر المخالف، ونعمل على ذلك من خلال مبادرات تخاطب الشباب والناشئة، لتعزيز قيم التسامح الثقافي والديني والاجتماعي، وترسيخ خطاب تقبل الآخر، وكذلك عبر مبادرات إعلامية هادفة على الصعيد الدولي، بجانب توعية الأسرة بأهمية احتضان الأبناء والتأكيد على غرس منظومة القيم والأخلاق، والتأكيد على دور المسجد في نشر الثقافة الإسلامية الوسطية، والعمل على بيان مخاطر التشدّد على الفرد والمجتمع، والتحذير من فكر الجماعات المتطرفة التي تعتمد على المفاهيم المغلوطة.
هل للهيئة دور في مجال تعليم اللغة العربية؟
نهتم كثيرا بتعليم اللغة العربية لأبناء الجالية وكذلك لغير الناطقين بالعربية، وهناك إقبال كبير على تعلم اللغة العربية. وقد أصدرت قرارا منذ فترة باختيار سيدة خبيرة في اللغة العربية لتشرف على هذا العمل، وأتابع باستمرار هذا العمل، وهناك تقدم جيد في هذا المسار. ويتم، حاليا، التوسع في تعليم اللغة العربية عن بعد عبر الوسائل الحديثة.
ما هي أبرز جهودكم في مجال تطوير أداء الأئمة والدعاة ورفع كفاءتهم لتتواكب مع حاجة وتطلعات الجالية المسلمة في أوروبا؟
التدريب المستمر هو أهم ما يمكن أن يدعم جهود الدعاة، والتدريب يكون على فقه الواقع وحاجة المجتمعات، كذلك نستضيف كبار العلماء، وهذا يساعد في تنمية أفكار وفهم الدعاة في المراكز الإسلامية، بجانب المحاضرات والندوات، وكثيرا ما تستضيف علماء من الرابطة في محاضرات متخصصة.