أمد/ في المشهد السياسي المليء بالتناقضات، لا يمكن لمن يعرف دونالد ترامب أن يصفه بالساذج أو محدود الفهم. فالرجل الذي قاد الإمبراطورية الأمريكية بعقلية “رجل الصفقات” لا يتحرك بعفوية، بل بخطة مرسومة تتقاطع فيها المصالح الاقتصادية مع مشاريع النفوذ والهيمنة. ومن هنا، فإن حديث البعض عن منح ترامب لحركة حماس “شهادة الأيزو” ليس مزحة سياسية ولا اتهامًا عبثيًا، بل هو توصيف رمزي عميق يكشف عن بعدٍ خفي في مشروع التهويد الأمريكيالإسرائيلي لفلسطين.

“الأيزو”… المعنى الذي يتجاوز المصطلح

في الأصل، شهادة الأيزو (ISO) تُمنح للمؤسسات التي تطبّق أعلى معايير الجودة والتنظيم. لكن في هذا السياق، جاءت العبارة على سبيل السخرية المرّة: فترامب لم يُصدر شهادة حقيقية، بل منح حماس “شهادة جودة” في تنفيذ مهامٍ تخدم مخططه الأكبر، وهو تفكيك الجبهة الفلسطينية الداخلية، وتحويل المقاومة إلى سلوكٍ سلطوي يعيد إنتاج القهر بأدوات محلية.

ذكاء ترامب السياسي لا سذاجته

ترامب ليس غبيًا كما يظن البعض من قادة “الحركات الإخوانجية”، بل هو مدرك تمامًا أن دعم هذه الجماعات ولو بشكل غير مباشر يحقق أهدافًا استراتيجية للولايات المتحدة وإسرائيل معًا. فحين تُغرق حماس نفسها في صراعات داخلية، وتُقدم على تقليم معارضيها، وتنفذ إعدامات ميدانية تحت ذريعة “العمالة والخروج عن القانون”، فإنها من حيث لا تدري تُنجز مهمة إسرائيلية الطابع بامتياز: إضعاف المجتمع الفلسطيني من الداخل، وتحويل غزة إلى كيان خائف منزوع الإرادة.

شهادة على “جودة التخريب”

منح ترامب لحماس “شهادة الأيزو” هو إشارة رمزية إلى أنه يرى فيها “نموذجًا ناجحًا” في إدارة الانقسام والسيطرة عبر القوة، لا عبر الوعي. فكل عملية قمع أو إعدام، وكل إسكات لصوتٍ معارض، هو خطوة جديدة نحو التهويد السياسي والاجتماعي الذي أراده ترامب ضمن “صفقة القرن”، ولكن بأيدٍ فلسطينية هذه المرة.

مشهد الغابة المظلمة

في غزة اليوم، لم يعد الخطر فقط من صواريخ الاحتلال وطائراته، بل من ثقافة الرعب التي تتغذى على الخوف وتبرّر القتل تحت لافتات “الوطنية” و”الشرعية الثورية”. هذا ما يدركه ترامب جيدًا، وما يراهن عليه الإسرائيليون أكثر من أي سلاح. فحين يتحول الفلسطيني إلى خصمٍ لأخيه، وتُدفن الحقيقة باسم المقاومة، تُصبح الطريق إلى التهويد سالكة بلا جهد.

في ختام سطور مقالي:

ترامب ليس ساذجًا، بل ممثل بارع في مسرحية طويلة الإعداد. أما “شهادة الأيزو” التي منحها لحماس، فهي ليست اعترافًا ببطولة، بل مكافأة رمزية على “جودة الأداء” في تفكيك الذات الفلسطينية. إنّ أخطر ما نواجهه اليوم ليس فقط الاحتلال، بل عقلية استبدادية تُعيد إنتاج الاحتلال داخلنا بثوب المقاومة.

شاركها.