ترامب.. صراحة على غير العادة.. ولكن بأي ثمن؟

أمد/ يبدو أن عهد الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، يأتي مع وعود قاطعة بوقف الحروب. وربما تكون هذه المرة ميزة استثنائية لهذا الرجل؛ فهو يقول ما يعتزم فعله، ويفعل ما يقوله. فمنذ أيام حملته الانتخابية، كانت عباراته واضحة: “نريد إنهاء الحروب العبثية، والتركيز على إعادة أمريكا إلى عظمتها.” والآن، يبدو أن العالم يتحرك على هذا الأساس، حيث تدفع الدول والقوى الإقليمية والدولية إلى إعادة ترتيب المشهد قبل أن يفرض ترامب رؤيته على الطاولة.
السباق مع الزمن أدى إلى تصاعد الحروب في الشرق الأوسط بوتيرة غير مسبوقة، إلا أن الجميع، من الفصائل المحلية إلى القوى الإقليمية الكبرى، يتسابقون الآن لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب على الأرض قبل حلول ساعة الصفر. في سوريا، تحقق المعارضة تقدماً مفاجئاً، ربما لأن الأطراف المتصارعة تدرك أن التسوية تقترب، وأن من يملك الأرض اليوم سيملك جزءاً من القرار غداً.
وفي غزة ولبنان، تشتعل الحروب التي طال أمدها، لكن يبدو أنها في مراحلها الأخيرة، وسط ضغوط دولية قد تصل إلى فرض التقسيم كحل نهائي، يرضي الجميع أو يجبرهم على التعايش. حتى روسيا وأوكرانيا، اللتان شهدتا صراعاً دامياً ومكلفاً، تقفان الآن أمام واقع جديد: الحرب لم تعد خياراً، والمفاوضات باتت إلزامية.
في ظل هذا التحول الكبير، لا يبدو أن الحروب المنسية ستبقى على حالها. الأزمة السودانية، التي غرقت في صراع داخلي مرير، قد تجد نفسها أمام لحظة حاسمة. ليبيا، المعلقة بين الحل السياسي والاضطراب الأمني، قد تواجه ضغطاً جديداً لإغلاق ملفها إلى الأبد. الولايات المتحدة، بقيادة ترامب، لا ترغب في استمرار استنزافها في الشرق الأوسط، بل تسعى للالتفات نحو معركة أكبر وأكثر جدية: الصراع في الشرق الأقصى.
وباعتقادى بالنسبة لواشنطن، فإن الشرق الأوسط لم يعد ساحة اللعبة الكبرى. الحرب الحقيقية هي معركة الهيمنة في الشرق الأقصى، حيث تصطدم الولايات المتحدة بالصين، القوة الصاعدة التي تهدد بإعادة تشكيل النظام العالمي. ترامب يدرك ذلك تماماً، ويريد توجيه كل موارد بلاده نحو هذه المواجهة.
رغم أن وعود ترامب تبدو جذابة للوهلة الأولى، فإنها تثير تساؤلات كبرى. هل ستُفرض حلول سلمية على الشعوب في الشرق الأوسط دون مراعاة العدالة أو الاستقرار؟ هل ستتحول مناطق النزاع إلى “أراضٍ مجمدة” محكومة بترتيبات دولية هشة؟ وهل يمكن أن يؤدي انسحاب أمريكا من الشرق الأوسط إلى فراغ تملؤه قوى إقليمية جديدة، ربما تجعل الوضع أكثر تعقيداً؟
وأخيراً ان وعد ترامب بوقف الحروب قد يكون نعمة لعالم أنهكته الصراعات، لكنه يحمل في طياته تكلفة سياسية واستراتيجية هائلة. فبينما يتنفس الشرق الأوسط الصعداء، يبدو أن عاصفة جديدة تلوح في الأفق، حيث تتجه الأنظار إلى الشرق الأقصى، ساحة المعركة الكبرى التي ستحدد شكل النظام العالمي لعقود قادمة. فهل يكون ترامب هو الرجل الذي يطوي صفحة الحروب الطويلة، أم أنه يفتح الباب لعصر جديد من المواجهات العالمية؟ الأيام القادمة ستجيب.