أمد/ التحوّل الجيوسياسي لأدوات الصراع
في المنظومة الاستراتيجية للصراعات المعاصرة شهدت أدوات الحرب تحولاً جوهرياً من المواجهات المباشرة إلى حروب غير تقليدية تعتمد على إبادة مقنّعة عبر تجويع الشعوب، واستغلال المنظومة الإنسانية كآلية قتل مُمنهجة… فلم يعد الهدف العسكري مُنحصراً في إخضاع الخصم بل تجاوزه إلى تدمير البنى المجتمعية عبر تجويع المدنيين، وتحويل المساعدات الإنسانية إلى فخاخ مميتة، وهذه الآليات تُعدّ انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني لكنها مع ذلك تُمارسُ تحت غطاء من الصمت الدولي والتواطؤ الإعلامي.
________________________________________
التجويع سلاح إبادة جماعية مُمنهج
الأبعاد التاريخية لتوظيف المجاعة كأداة حرب
تاريخياً ارتبطت المجاعات بالحروب كأداة قمع جماعي بدءاً من حصار ساماريا في القرن التاسع قبل الميلاد مروراً بمجاعة البنغال 1943 التي أودت بحياة 3 ملايين شخص كجزء من سياسات الاستعمار البريطاني، ووصولاً إلى حصار سربرنيتسا 1995 حيث استُخدم التجويع لتمهيد الطريق لمذبحة جماعية.
الآليات الحديثة لسلاح التجويع
في العصر الحديث تتعدد أشكال توظيف التجويع كسلاح:
• الحصار الاقتصادي: كما في حالة غزة حيث تُحظر المواد الأساسية تحت ذرائع أمنية.
• تدمير البنى التحتية الغذائية: كقصف المخازن الاغاثية في السودان.
• عسكرة الموارد الغذائية: عبر منع وصول المساعدات كما حدث في سوريا.
وفقاً لبرنامج الأغذية العالمي فإن 80 %من نزوح المدنيين في الصراعات الحديثة مرتبط مباشرة بانعدام الأمن الغذائي المُفتعل.
________________________________________
المساعدات الإنسانية أداة قتل
التوظيف العسكري للمساعدات الإنسانية
تحوّلت القوافل الإنسانية إلى أدوات قتل عبر:
• الاستهداف المباشر: كما في قصف مستودعات الإغاثة في أوكرانيا 2022.
• التسميم المُتعمّد: كحالات تلويث المواد الغذائية في الصومال.
• الإغاثة المشروطة: ربط المساعدات بالولاءات السياسية كما في إثيوبيا.
الثغرات القانونية والتواطؤ الدولي
رغم أن المادة 54 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف تُجرّم استخدام التجويع كسلاح إلا أن غياب آليات التنفيذ حوّل هذه النصوص إلى حبر على ورق.
________________________________________
الأبعاد الجيوسياسية لاقتصادات المجاعة
صناعة المجاعة كأداة ضغطٍ سياسي
أصبحت الأزمات الغذائية أداة للابتزاز الجيوسياسي كما في:
• استخدام روسيا للصادرات الزراعية كسلاح خلال الحرب الأوكرانية.
• توظيف العقوبات الغربية لخلق أزمات غذائية في فنزويلا وإيران.
عسكرة المنظمات الإنسانية
تحوّلت بعض المنظمات الإغاثية إلى:
• أدوات استخباراتية: لجمع المعلومات العسكرية.
• واجهات لتمويل الجماعات المسلحة: كما في تقارير الأمم المتحدة عن سوء استخدام المساعدات في سوريا.
________________________________________
تفعيل المساءلة الدولية
لم يعد خافياً أن المجاعات الحديثة هي جرائم مُخطّط لها وليست كوارث طبيعية، ويتطلب مواجهتها:
1. تفعيل آلية المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة متخذي قرار التجويع.
2. إصلاح نظام المساعدات الإنسانية لضمان حيادتها.
3. إنشاء مرصد دولي لرصد عسكرة الإغاثة.
ففي عالم يُشرعِن القتل بالجوع تصبح الإنسانية مجرد شعار زائف، وتُصبح الإنسانية على المحك خصوصاً عندما نرى الأطفال يموتون جوعاً فيما يقف العالم مكتوف اليدين أمام ممارسات اشبهُ بالنازية بل وتتعدى كل ما قامت به النازية والفاشية إزاء شعبٍ محاصر من سنوات طوال بحجج أمنيةٍ لا ترقى لإقناع طفلٍ ناهيك عن انسان راشد!