أمد/ في مقابلة مع صحيفة “جيروزالِم بوست” الصهيونية، أطلق المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، تحذيراً صريحاً من أن أي هجوم على منشآت إيران النووية قد يؤدي إلى نتائج عكسية خطيرة. وأشار إلى أن ذلك قد يدفع طهران إلى الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) وربما التوجه نحو إنتاج قنبلة نووية.
هذا التحذير يأتي في وقت حساس للغاية، حيث أعلنت إيران أنها حصلت على آلاف الوثائق السرية والحساسة المتعلقة بالبرنامج النووي للكيان الصهيوني، في ما وصفته بـ”أكبر ضربة استخباراتية في التاريخ” ضد العدو. هذه العملية، التي تم الكشف عنها في يونيو/حزيران 2025، تحمل دلالات استراتيجية عميقة وتعيد رسم معالم الصراع الاستخباراتي في المنطقة.
الحرب الاستخباراتية: صراع خفي يتكشف
لطالما اتسمت العلاقة بين إيران والكيان الصهيوني بصراع استخباراتي حاد، يشمل اغتيالات، اختراقات سيبرانية، تخريباً واسعاً للمنشآت، وعمليات تسلل ميداني. وبينما حافظ الكيان الصهيوني على سياسة “الغموض النووي”، ورفض الاعتراف العلني بامتلاكه ترسانة نووية، سعت إيران إلى فضح هذه السياسات وفضح ازدواجية المعايير الدولية.
الحصول على هذه الوثائق السرية هو إنجاز يتجاوز بُعده التقني، ليشكل خطوة استراتيجية لكسر هيمنة الكيان الصهيوني على رواية “الردع” و”الاختراق”.
تفاصيل العملية الإيرانية: ضربة في عمق الأمن الصهيوني
وفقاً لمصادر إيرانية رسمية، نفذ جهاز الاستخبارات الإيراني عملية مركّبة، جمعت بين الاختراق الميداني والهجوم السيبراني، وأسفرت عن نقل آلاف الوثائق والصور ومقاطع الفيديو المرتبطة بالمشاريع والمنشآت النووية للكيان الصهيوني.
وزير الأمن الإيراني، إسماعيل خطيب، وصف هذه الوثائق بأنها “كنز استراتيجي”، وأكد أنها ستُنشر في الوقت المناسب. الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون الإيرانية وصفت ما جرى بأنه “أكبر ضربة استخباراتية في التاريخ ضد الكيان الصهيوني”.
توقيت محسوب ورسالة إلى الغرب
توقيت الإعلان عن هذه الضربة ليس اعتباطياً. فهو يأتي في لحظة تزايدت فيها الضغوط الغربية على إيران، وتعرضت بعض حلفائها الإقليميين مثل حزب الله وحماس لضربات عنيفة من الكيان الصهيوني. الإعلان جاء ليعيد تثبيت معادلة الردع، وليؤكد أن طهران لا تزال قادرة على المبادرة والمباغتة.
من منظور محور المقاومة، العملية تمثل استعادة للهيبة بعد جولات قاسية من الضربات، وهي رسالة واضحة إلى الغرب: إيران ليست الحلقة الأضعف، بل الطرف الأكثر قدرة على تغيير قواعد اللعبة.
الكيان الصهيوني في موقف دفاعي
رغم ضخامة الحدث، التزم الكيان الصهيوني الصمت رسمياً. وهو ما يعكس مأزقاً حقيقياً. فاعترافه بالعملية يعني الإقرار بضعف أجهزته الأمنية. وإنكاره يزيد من صدقية الرواية الإيرانية. ورغم الصمت، كشفت تقارير غير رسمية عن اعتقال شابين في مدينة “نِشِر” داخل الأراضي المحتلة، بتهم تتعلق بارتباطهما بإيران. ويُعتقد أن هذه الاعتقالات جاءت متأخرة، وبعد أن تم تهريب الوثائق خارجياً.
كما أشارت منصات قريبة من الأجهزة الأمنية الصهيونية، مثل “إنتل تايمز”، إلى احتمال ارتباط العملية الإيرانية باختراق مجموعة “أنونيموس” لمراكز بحث نووية في مارس/آذار 2024. وهو ما يعزز فرضية وجود خلل هيكلي عميق في المنظومة الأمنية للكيان.
الغرب مرتبك… وغروسي يحذر
فيما التزمت واشنطن والعواصم الغربية الصمت الرسمي، عبّر المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، عن قلقه من أن يؤدي استهداف إيران إلى نتائج كارثية. وأكد أن طهران باتت تملك المواد اللازمة لصنع سلاح نووي إذا اختارت ذلك.
تحذير غروسي لا ينفصل عن الحدث الكبير: فالحصول الإيراني على وثائق تخص المشروع النووي الصهيوني يضع الغرب في حرج. فإما أن يعترف بصحة الوثائق، فيخضع الكيان الصهيوني لمساءلة دولية، أو يتجاهل الأمر، ما يعزز السردية الإيرانية بأن الغرب يغض الطرف عن الترسانة النووية الحقيقية في المنطقة.
التأثيرات بعيدة المدى: هل هي ضربة قاصمة؟
من خلال هذا الاختراق، يمكن تلخيص أبعاد التأثير على أربعة مستويات:
1. الأمن القومي للكيان الصهيوني:
إن احتوت الوثائق على تفاصيل عن منشآت مثل ديمونا، فإن الكيان أصبح مكشوفاً أمام خصومه، ما يضرب قدراته الردعية.
2. المعادلة الاستراتيجية:
إيران، التي تلقت ضربات موجعة مؤخراً، نجحت في قلب الطاولة، وأثبتت أنها تملك أدوات الردع الاستخباري.
3. الجانب المعنوي والإعلامي:
عملية كهذه تضع الكيان الصهيوني في موقف دفاعي نادر، خصوصاً بعد أن كان يتفاخر بسرقة الأرشيف النووي الإيراني في 2018.
4. التداعيات الدولية:
في حال تم نشر الوثائق، سيكون المجتمع الدولي أمام تحدٍّ أخلاقي وسياسي: هل يواصل حماية الترسانة النووية الصهيونية، أم يفتح ملفها للمساءلة؟
الخلاصة: لحظة تحول… لا يمكن تجاهلها
من منظور إيران ومحور المقاومة، تشكل العملية ضربة استخباراتية قاسية ضد الكيان الصهيوني بكل المقاييس. وإذا تم نشر الوثائق، فقد تكون بداية لمسار دولي جديد يُنهي عقوداً من التستر على البرنامج النووي الصهيوني.
أما في الكيان، فالصمت والاعتقالات المتأخرة تشيران إلى أزمة داخلية حقيقية، حتى لو حاولت الأجهزة التقليل من حجم الضرر. والغرب، بارتباكه، لا يستطيع إنكار أن طهران سجلت نقطة استراتيجية كبرى في معركة العقول والمعلومات.
هذه الضربة، التي جمعت بين الذكاء السيبراني، والاختراق البشري، والتوقيت الاستراتيجي، قد تكون الحدث المفصلي في تغيير موازين القوى في المنطقة.