أمد/ في عالمٍ تتشابكُ فيهِ المصالحُ وتتصارعُ يبرزُ الخطابُ السياسيُ للرئيس الأمريكي السابقِ دونالد ترامب كنموذجٍ صارخٍ للتبجحِ والازدواجية في التعاملِ مع القضايا الدولية، فبينما يهددُ ترامب حركةَ المقاومة الإسلامية “حماس” يدعمُ بشكلٍ غير مشروطٍ الاحتلالَ الإسرائيلي، ويتجلى التخاذل العربي في مواجهةِ تلكَ التحديات المصيرية في حين يقفُ الغربُ بأسرهِ مدافعاً عن أوكرانيا بدوافع تختلفُ جذرياً عن تلك التي تربطُ العربَ بقضيةِ فلسطين!

تبجحُ ترامب ومساندتهُ للاحتلال

خلال ولايتهُ الرئاسية الأولى والثانية لم يتردد ترامب في إظهارِ دعمهِ الكاملِ لإسرائيلِ متجاهلاً المعاناة الفلسطينية ومتحدياً القوانين والأعرافِ الدولية حيثُ أعلن الاعترافَ بالقدسِ عاصمةً لإسرائيلِ ونقل السفارةَ الأمريكيةَ إليها مما مثلَ ضربةً قاصمةً للعمليةِ السلميةِ والحقوق الفلسطينية… كما أشرفَ على صفقةِ القرنِ التي هدفت إلى تصفيةِ القضية الفلسطينية بمعزلٍ عن تطلعاتِ الشعب الفلسطيني وحقهُ في تقريرِ المصير وبمساندة بعض الدول العربية المارقة وأموالٍ عربية للأسف.

تهديد ترامب لحماس يأتي في إطارِ هذا النهج المتعنت حيث يعتبرُ المقاومةَ الفلسطينية إرهاباً بينما يتغاضى عن عنفِ الاحتلالِ الذي يمارسُ أبشعَ أنواعِ القمعِ ضد المدنيين الفلسطينيين… هذا الموقفً لا يعكس فقط انحيازاً أعمى لإسرائيل، وإنما يكشفُ النفاقَ السياسي الذي يُبرزُ ازدواجيةَ المعاييرِ في السياسةِ الخارجيةِ الأمريكية.

تخاذل العرب واستفراد الدول العربية

في مقابل ذلك يواجهُ العالمين العربي والإسلامي حالةً من التخاذلِ والانقسامِ تجاه القضيةَ الفلسطينية، فبينما تتصاعدُ الاعتداءاتُ الإسرائيليةُ على غزة والضفة الغربية تتراجعُ الأصواتُ العربيةُ حتى عن المطالبة بوقف هذه الانتهاكات، فيما بعضُ الدول العربية تسارعُ إلى تطبيعِ العلاقاتِ مع إسرائيل دون ضماناتٍ حقيقيةٍ لحقوقِ الفلسطينيينَ بل لحقوقهم أنفسهم خصوصاً بعد تصريحات نتن ياهو التي يتحدثُ فيها عن إسرائيل الكُبرى والتي حسب مُخططه ستبتلع أقطاراً عربيةً برمتها وأجزاءً من أخرى!

هذا التخاذلِ العربي يمهدُ الطريقَ لذلك ولاستفراد إسرائيل بكلِ دولةٍ عربيةٍ على حدة.. حيثُ تفتقدُ الأمةَ العربية لاستراتيجيةٍ موحدةٍ وقويةٍ لمواجهةِ التحدياتِ المشتركة، مصداقاً لمقولةِ “أكلت يوم أكلَ الثورُ الأبيض” الذي تنطبق تماماً على هذا الواقع المُزري حيث يغيبُ التضامنُ العربي الفعالُ في لحظاتِ المصيرِ الحاسمة.

ازدواجيةُ المعاييرِ.. أوكرانيا … فلسطين

يكشفُ الموقف الغربي من أوكرانيا عن ازدواجيةٍ صارخةٍ في تطبيقِ المعاييرِ الدولية! فبينما يقدمُ الغربُ دعماً سياسياً وعسكرياً غير مسبوقٍ لأوكرانيا في مواجهةِ العدوانِ الروسي يتغاضى عن المعاناةِ الفلسطينيةِ تحت الاحتلالِ الإسرائيلي… هذه الازدواجيةُ تطرحُ تساؤلاتٍ حولَ أسسِ الشرعيةِ الدوليةِ ومبادئَ حقوقِ الإنسان التي يفترضُ أن تكونَ عالميةً وغيرَ انتقائية.

فأوكرانيا لا تربطُها بالغربِ لا لغة مشتركة ولا أراضي مشتركة لكنها تمثلُ خطاً أحمرَ في مواجهةِ النفوذِ الروسي وحائط الصد لهم لذا يستبسلُ الغرب أجمع في مساندتها والدفاع عنها فيما فلسطين التي تربطها بالعرب والمسلمين روابط تاريخيةٍ ودينيةٍ وثقافيةٍ وهي خطُ الدفاع الأول المانعِ لأطماع الصهيونية العالمية في ضم الأراضي العربية من النهر إلى البحر تُترك لقمة سائغة للاحتلالِ دون تدخلٍ حقيقيٍ عربي واسلامي ودولي… بل يتعدى الغباء العربي والهوان إلى مستوى التخلي عنها في مواجهةٍ غير متكافئةٍ ليس فقط مع الكيانِ الصهيوني المحتل وإنما مع الغرب بزعامةِ الولاياتِ المتحدة الأمريكية!

نحو موقفٍ عربيٍ موحد

إن تبجحَ ترامب وازدواجيةُ المعاييرِ الدوليةِ لا يجبُ أن يكونا مبرراً للاستسلام والخنوع بل يجب أن يحفزا العالمِ العربي على إعادةِ تقييمِ مواقفهِ واستراتيجياتهِ في الدفاع عن أنفسهم ووجودهم أولاً، فالقضيةُ الفلسطينيةُ ليست مجرد قضيةٍ عربيةٍ إسلاميةٍ فحسب إنما هي قضيةُ الإنسانيةُ والعدالة والكرامة..

على العربِ أن يُدركوا أن التخاذلَ اليومَ سيعززُ من قدرةِ إسرائيلَ وحلفائِها على الاستفرادِ بكلِ دولةٍ على حدة مما يهددُ الأمنَ القوميَ العربيَ برمَته.

إن الوقتَ حان لكي تنتقل الأمةَ العربيةَ من مرحلةِ الشعاراتِ إلى مرحلةِ الفعلِ، ومن التخاذلِ إلى التضامن الفعال حتى لا يصبح مصيرها كمصيرِ الثور الأبيض في المثل العربي القديم.

شاركها.