تأمُّلاتٌ في مدينةِ الوَهم ..!

أمد/ باتتِ المدينةُ تَرزَحُ …
تحتَ حُكمِ ثلاثِ قَدّيساتٍ عجائزْ …
القديسةُ “اضطهاد”
تُحكمُ القبضةَ على الحُرّيةِ، ..
تَخنقُ النبضَ في القصيدةِ، ..
وتَشنقُ الأسئلةَ على مشانقِ التقاليدْ …
***
القديسةُ “تزمّت” …
تَغسلُ الوجوهَ بلونٍ واحد، ..
تَصنعُ من القَيدِ قانونًا، ..
ومن الصمتِ مِحرابًا، ..
وتَرفعُ فزّاعةَ الدِّينِ في وجهِ الحياةِ النابضةْ…
***
القديسةُ “اشمئزاز” …
تُشهرُ سلاحَ الطُّهرِ الكاذبْ، ..
تَشمئزُّ من الضحكةِ، ..
وتَنفرُ من الجمالِ، ..
وتَرجمُ كلَّ من لا يُشبهها ..
بنظراتِ الشكِّ والازدراءْ …
***
في ظِلّ هذا الثالوثِ المريضْ، …
يَنتشي التافهونَ…
يُقحمونَ أنوفَهُم ..
في خصوصياتِ الناسِ باسمِ الفضيلة، ..
كأنّ انتهاكَ الحريةِ صارَ بطولةً، ..
وكأنّ السُّقوطَ في أعراضِ الآخرينَ مَكرُمةْ…
***
لكن، ..
ابنُ خَلدونَ ما زالَ يقولُ:
“لابُدَّ من إعمالِ العقلِ في ْ”، …
غير أنَّهم يُمرِرونَ الروايةَ ..
كما تُمرّرُ الشائعاتُ في المقاهي، ..
كأنّ العقولَ مُعطّلة، ..
والألسنَ أوتادٌ تَثبُتُ بها الخِرافةْ…
***
أواهِ يا مدينتي…
ما عُدتِ مدينتي، ..
صرتِ خِدعةً جميلةً، ..
فيها الوجوهُ مُزيفةً، ..
والشوارعُ مرآةٌ للخيبةِ،
والقُداسةُ تُمنحُ لمن يَسجُنُ الحُلم، ..
ويُطفئُ نورَ الفِكرْ…
***
ورغمَ العتمة، …
هناكَ مَن يَقاومُ بالسؤالْ، ..
مَن يُشهرُ قلمهُ سيفًا، ..
ويَحفُرُ في الصخرِ ..
ليكتبَ نَجمةً تُضيءُ الزّمانْ…
***
هو الشاعرُ والباحثُ ..
الذي يؤمنُ أنّ الكلمةَ وطن، ..
وأنّ الصَّوتَ ولادة، ..
وأنَّ السكوتَ على القهرِ ..
خيانةٌ للضوءْ…
***
هو وحدهُ، ..
لكنه يحملُ في نبضِه آلافَ الصادقين، ..
وفي حنجرتِه ..
زغاريدَ الحقيقةِ المكبوتة، ..
وفي دفاترهِ يقظةُ الوعي، ..
وصيحةُ أنْ لا نَركعْ، ..
ولا نُسلّمَ المدينةَ ..
لثلاثِ عجائزَ يحكمنَ باسمِ العَدمْ…
***
فلنُعد للعقلِ مكانتَه، ..
وللكلمةِ سُلطتَها، ..
وللحريةِ معناها، ..
قبلَ أن نصحو على مدينةٍ ..
لا نَعرفُ مَن بناها، ..
ولا لماذا اقتفينا آثارَ خُدعتها…
……………………………………………
التعليق على النص بقلم الأستاذ الدكتور / محمد صالح الشنطي…
له كل التحية والتقدير والاحترام والمحبة والشكر الجزيل. على ذلك التعليق الهام. تمثيل رمزي جميل يضخ الحياة في شرايين اللغة ويستنبت الدلالات في حقول المفردات، اتساق بين وهج الشعر وصفاء الفكر في كوميديا ساخرة وسيناريوهات سافرة، تميط اللثام عن حقائق لا يأتيها الباطل تشخّص العقلية الكهنوتية وتنحت في جلمود صخرها الجرانيتي الذي تكلّست فيه الرؤى، وتحولت إلى رتاجات مقفلة تحول بينها وبين منابع النور ومسالك الهداية. تقديس الرفض وإعدام الرأي واحتكار الحكمة التي تلبس ثوب الضلال؛ فالاضطهاد قيود ترسف في أصفادها أصوات العقل ونداءات الضمير، تجسّدت في ثوب عجوز شمطاء تدّعي القداسة وتتمنطق بجمود الفكر وجفاف خضرة الإبداع؛ وأما التزمت فهو الضلع الثاني في مثلث الخيبة والسقوط واللواذ بحصون نحتتها في جلمود اليباس والغصن الذاوي في ثلاثية السقوط وطريق القنوط فيتمثل في نرجسية عجفاء وتقمص زائف لصفاء العقيدة، وتلويث سافر لنقاء الروح وانحدار سحيق في مهاوي الفشل والسقوط. نص إبداعي جميل. لا فض فوك أخي الحبيب (د. عبد الرحيم)