اخر الاخبار

تأثيرات طوفان الأقصى في عامه الأول 3/3

أمد/ التأثيرات الاستراتيجية لمعركة طوفان الأقصى بطبيعة الحال تأثيراتها طالت وستطال البعدين الإقليمي والدولي، من خلفية أنّ القضية الفلسطينية شاءت الأنظمة أم لم تشأ، هي قضية مركزية جامعة أثبتت سياقات التاريخ البعيد والقريب وحتى في المستقبل أنها ستبقى القضية الأكثر جذباً واستقطاباً، بل وبوضوح شديد هي أكثر، فمن يريد أن يُعلا شأنه سواء كان نظام حكم أو حزباً وطنياً أو قومياً أو علمانياً أو إسلامياً، عليه أن يتبنى القضية الفلسطينية ويقف معها ويدعم شعبها ومقاومته. وقد أكد عام من حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة على عالمية هذه القضية إنسانياً وأخلاقياً وقانونياً.

التأثيرات على الواقع الإقليمي يمكن وضعها في نقاط هي الأبرز من بين التأثيرات في هذا السياق، مع عدم التغافل أو إسقاط تأثيرات ستظهر تباعاً ربطاً بالتطورات والأحداث التي قد تتمدد نحو حربٍ إقليمية.

1. إعادة الاهتمام بالقضية الفلسطينية، حيث ستُعطي الحرب الحالية دفعة للرؤية العربية المتمثلة في حل الدولتين وإن كانت لفظية إعلامية ليس إلاّ. وعلى الرغم من ذلك الكيان الصهيوني وفي خضم حرب الإبادة التي يشنها على الشعب الفلسطيني، لا يزال يرفض وبإصرار إقامة أية دولة فلسطينية، مع كل ما قدمته دول التطبيع ومعهم المملكة السعودية من ضمانات لأمنه. وحتى تتسلح موافقه بالجانب التشريعي أو القانوني صوّت ما يسمى “الكنيست” بتاريخ 18 تموز من العام الجاري على قرار ينص على رفض إقامة دولة فلسطينية بأغلبية 68 عضواً بمن فيهم “بيني غانتس” رئيس ما يسمى ب “حزب الوحدة”. حيث اعتبر القرار إقامة دولة فلسطينية في أعقاب أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول عام 2023 بأنها “مكافأة للإرهاب” وستكون خطراً وجودياً على كيانهم الغاصب من جهة، ومن جهة ثانية جاء القرار بعد اعتراف خمس دول، هي النرويج وإيرلندا وإسبانيا وسلوفينيا وأرمينيا، خلال بالدولة الفلسطينية.

2. كشفت معركة طوفان الأقصى عورات النظام الرسمي وبؤسه وتماهيه جراء صمته وعدم اتخاذه أية خطوات عملية من شأنها ردع الكيان الصهيوني، وإرغامه على وقف حرب الإبادة الجماعية بحق شعبنا على مدار عام كامل، من خلال طرد سفراء الكيان، ووقف التطبيع بكل أشكاله، والضغط على المجتمع الدولي من أجل اتخاذ تطبيق قراراته بما يوقف تلك الحرب، سواء في الأمم المتحدة أو في المحاكم الدولية. ولكن جاءت الوقائع والدلائل لتشير إلى عكس ذلك تماماً، حيث استمرت سفارات الكيان تعمل بشكل اعتيادي، بل وتتم حمايتها من المتظاهرين وقمعهم وزجهم بالسجون (الأردن نموذجاً). وعندما تمكن الأشقاء في اليمن من فرض معادلة في البحر الأحمر بوقف الحرب على غزة مقابل وقف الإغلاق للباب المندب، سارعت تلك الدول إلى تسيير خط بري محمي من الخليج وصولاً إلى الكيان ماراً عبر السعودية والأردن، لإغراق أسواق الكيان بما يلزمه من حاجيات واحتياجات استهلاكية وغيرها، فيما المجاعة تُحاصر أهلنا في قطاع غزة. واليوم الكل يسأل ويتساءل أين هي الجامعة العربية مما يجري على أرض قطاع غزة واليوم في لبنان. وهي أفردت عضلاتها في تشريع التدخل الدولي بهدف إسقاط دول وطنية بعينها (ليبيا نموذجاً). وجمدت عضوية سورية وهي العضو المؤسس للجامعة العربية كُرمى عيون شذاذ الآفاق ودعاة الحرية والديمقراطية وهي منهم براء. وليس بعيداً عن مشهد الخذلان والتخلي تأتي مواقف منظمة التعاون الإسلامي لتكمل هذا المشهد البائس بكل ما حمله من ترك الشعب الفلسطيني لقدره ومصيره. والمؤسف بل والموجع مصر تلك الدولة العربية الكبرى والتي يفصلها عن قطاع غزة ممر دخله المحتل الغاصب الصهيوني في تحدٍ صارخ لسيادتها ولم تفعل شيء لتثأر لتلك السيادة التي انتهكها نتنياهو وحكومة الفاشية وجيشه النازي في رفح وفيلادلفيا (عبر صلاح الدين) جهاراً نهاراً وكما يقولون على رأس الأشهاد.

3. المعركة أكدت على أن هناك محوراً للمقاومة يمكن الركون إليه في التصدي لأطماع وسياسات الكيان الصهيوني الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية، كوحدة لساحات المواجهة سواء على جبهة الجنوب اللبناني التي لم تشهد هدوء في العمليات العسكرية منذ 8 أكتوبر تشرين الأول من العام الماضي، لتتوسع إلى حرب بكل ما تعينه الكلمة من معنى. وجبهة اليمن المساندة كما المقاومة العراقية وفي سوريا وصولاً حتى إيران. وأثبت المحور قدرته على مراكمة الإنجازات محققاً الانتصار ولو بالنقاط على اعتبار أنّ معركة الطوفان التي انطلقت في 7 أكتوبر تشرين الأول من العام الماضي قد انطلقت بهدف التحرير الشامل والكامل.

4. عرقلة مسارات التطبيع الجارية وتحديداً بين السعودية والكيان. إذ ستصعّب “طوفان الأقصى” المحاولات المحمومة للكيان، للفصل بين اتفاقيات التطبيع وبين حل القضية الفلسطينية. وبالتالي ستتراجع جدوى اتفاقات التطبيع في الأفق الاستراتيجي مع الدول العربية والإقليمية، على الرغم من أنّ هذه الأنظمة تبدي مقاومة في مواجهة الحالة الشعبية المتنامية في الشارع بما في ذلك حملة مضايقات واعتقالات طالت النشطاء الرافضين للتطبيع أو أية أشكال العلاقة مع الكيان (الأردن والمغرب نموذجاً).

5. الإبقاء على القنوات الدبلوماسية مفتوحة وبوتيرة عالية بين الولايات المتحدة وباقي دول الإقليم، خاصة مصر وقطر بوصفهما وسيطان في التوصل إلى صفقة توقف العدوان. وبالتالي العمل على اليومي الثاني لانتهاء الحرب على قطاع غزة في عناوين التفاوض لتبادل الأسرى، وإعادة إعمار غزة، وكيفية التعامل مع المقاومة، وإدارة القطاع.

6. على الرغم من المواقف الحادة التي اتخذتها تركيا رفضاَ وشجباً واستنكاراً لحرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني على يد الكيان الصهيوني وجيشه النازي، والتي وصلت بالرئيس التركي أردوغان وصف نتنياهو بهتلر العصر ويتهمه بأنه يعمل على تفجير المنطقة. وحذر من مخططات تستهدف سورية من قبل كيان الاحتلال وصولاً إلى تركيا. إلاً أنّ تلك المواقف لم ترتقي إلى مستوى اتخاذ خطوات عملية تطال العلاقات الدبلوماسية أو الاقتصادية وحتى التعاون العسكري أو التبادل التجاري.

أما التأثيرات على الواقع الدولي يمكن وضعها في نقاط لا تقل أهمية عن التأثيرات الإقليمية، مع عدم التغافل أو إسقاط أنّ هناك تأثيرات ستظهر تباعاً ربطاً بالتطورات والأحداث التي قد تتمدد نحو حرب إقليمية.

1. كشفت معركة الطوفان والحرب الدائرة منذ عام، أولاً على ترهّل المشروع الأميركي، بعد ضرب بنيان وأساسات قوة الردع لدى كيانه الوظيفي المتمثل بكيان الاحتلال الصهيوني. وثانياً تطوّر محور المقاومة الذي يحمل شعار مستقبل فلسطين، مع ما يؤشر ذلك إلى تحوّلات ستحصل في الخريطة السياسية ولربما الجيوسياسية في البعدين الإقليمي والدولي.

2. ستجد الإدارة الأمريكية وبعد عام مجبرة في الإبقاء على مساعيها لاحتواء إشعال حرب إقليمية، إلى جانب منع هزيمة الكيان كلياً، والسعي إلى إعادة ترميم صورة الردع التي فقدتها في 7 تشرين الأول من العام الماضي على المستوى العسكري والأمني وحتى السياسي. لأن الحرب الإقليمية إذا ما اندلعت ستطال مصالحها في الشرق الأوسط، ولربما في العالم في لحظة تراجع النفوذ الأميركي وتدنّي التأثير في النظام الدولي التي تتصارع عليه مع كل من روسيا والصين.

3. من الواضح وبعد مضي عام على الحرب الولايات المتحدة الأميركية لن تقف مكتوفة اليدين، بل وحشيتها ستزداد للدفاع عن مصالحها وهيمنتها. وهذا سيفتح آفاقاً في ارتفاع منسوب المواجهة على المسرح الإقليمي والدولي. خصوصاً أنّ روسيا والصين ومعهما تكتلات سياسية واقتصادية ولربما عسكرية أبرزها إيران، ستعملان عن إعادة رسم العالم ذات الأقطاب المتعددة. من غير أن يعني ذلك أنه قد يتحقق في المدى المنظور.

4. سيزداد التفاعل من دول كبرى على صراع مع واشنطن، مثل روسيا والصين، في إطار محاولات تلك القوى تهديد الهيمنة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط. لذلك وعلى الرغم من عدم تفهمنا ابتعاد الدولتين روسيا والصين ومنذ 7 أكتوبر تشرين الأول من العام الماضي وحتى الآن لم تخرطان بشكل نشط في المنطقة، تاركين للإدارة الأمريكية عبر وزير خارجيتها بلينكن الميدان السياسي وحده اللاعب الدولي الوحيد في استفراد واضح ومكشوف. غير أنهما تلعبان دوراً مقدراً في المحافل الدولية وفي التعبير عن مواقفهما بشكل إيجابي إزاء حرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني. مضافاً لذلك لا نستطيع الجزم عن أنهما تقفان في حيادية مطلقة، فالتطورات تشي أنّ ثمة تعاون مع إيران في العديد من المجالات والعسكرية في أولوياتها.

5. تنامي العداء لأمريكا في المنطقة على خلفية مشاركتها في الحرب على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. ورفضها وقف الحرب من خلال استخدامها حق النقض الفيتو في مجلس الأمن، والعمل في التأثير على محكمة الجنايات والعدل الدوليتين من اتخاذ وإصدار أحكام ضد قادة الكيان الصهيوني وفي مقدمتهم بنيامين نتنياهو ووزير جيشه القاتل غالانت.

6. معركة طوفان الأقصى عرت كل من أمريكا والغرب الأوربي الذين سقطوا في حيادهما، حيث أثبتت حرب الإبادة على قطاع غزة، في انحيازهم المطلق للكيان الصهيوني واعتبار حربه على الشعب الفلسطيني دفاع عن النفس في مواجهة الإرهاب الفلسطيني. وبسبب ذلك ستعاني الولايات المتحدة على وجه الخصوص من عزلة متزايدة في العالم لدعمها وانحيازها إلى جانب الكيان. حيث جاء حراك الجامعات الأمريكية واستقالة البعض من مسؤولي وزارة الخارجية، وانكفاء أو انفضاض الكثيرين من محازبي الحزب الديمقراطي حزب الرئيس بايدن والمرشحة هاريس، ليعري ويفضح سياسات بلدهم العمياء في دعمه اللامحدود لحكومة نتنياهو في حرب الإبادة على قطاع غزة ليزيد من هذه العزلة.

7. فضحت ازدواجية المعايير الدولية، حيث تتم تغطية جرائم الكيان بمنع مساءلته الأخلاقية والتاريخية والقانونية عن كل سياساته الإجرامية بحق الشعب الفلسطيني. في حين تُعاقب وتُحاصر الكثير من الدول على خلفية عدائها للولايات المتحدة الأمريكية، وعدم انصياعها لإملاءاتها وسياساتها في الهيمنة والتسلط ونهب ثروات العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *