تعيش غزة لحظة فارقة، حالة ترقب مشحونة، وجوًّا مثقلًا بالأسئلة المؤجلة.
الناس ينتظرون الهدنة كما ينتظر الجريح ضمادًا مؤقتًا، لا يُعالج النزف لكنه يؤخر الموت. ومع كل هذا الانتظار، ما زالت بعض الخطابات ترفع راية "الصمود"، دون التوقف عند ما تعنيه الكلمة حقًا بعد عشرين شهرًا من حرب طاحنة.
إن "صمود المقاومة" ليس مجرد شعار أو حالة وجدانية، بل يجب أن يكون مفهومًا قابلًا للقياس والتحليل.
نعم، لا تزال هناك مجموعات مقاومة تنفذ عمليات، وهناك من يصرّ على مواصلة القتال رغم الجراح.
لكن الواقع يقول إن المقاومة فقدت قادتها المركزيين، وتراجعت قدراتها القتالية، وتآكلت سيطرتها الجغرافية.
تحوّلت من سلطة تُدير القطاع إلى خلايا تختبئ في أنفاق، تقاتل ببطولة لكنها معزولة عن حاضنة سياسية متماسكة.
في المقابل، الشعب الفلسطيني دفع ثمنًا لا يُقاس.
الغارات لم تترك بيتًا دون دم، والمجاعة باتت أداة حرب، والمجتمع الدولي غائب، أو متواطئ، أو عاجز.
وسط هذا المشهد، الهدنة المرتقبة قد تكون منعطفًا.
إما بداية لمسار فلسطيني يعيد ترتيب البيت الداخلي، ويؤسس لحكم مدني جامع،
أو تكون مجرد وقفة لالتقاط الأنفاس، يُستأنف بعدها القتال دون أفق.
إن المقاومة بلا مشروع سياسي تتحول مع الزمن إلى عبء، مهما عظمت تضحياتها.
والمعركة التي لا تملك خطة لما بعد الرصاص، تُنتج شعبًا منهكًا، لا نصرًا دائمًا.
الناس اليوم لا يبحثون عن بيانات نصر، بل عن إجابة واحدة:
هل ما قدمناه من دماء سيُثمر كرامة، أم سنُترك مرة أخرى على قارعة "اللا مشروع"؟
أمام غزة فرصة… لكنها قصيرة الأمد.
فرصة أن تُعيد بناء ذاتها، بقيادة وطنية رشيدة، لا بشعارات مكرورة.
فرصة أن تقول للعالم: نحن لا نقاتل فقط… نحن نريد أن نعيش.