بين تخصيب اليورانيوم وتخصيب الأحلام: رواية شقة منزوعة السلاح

أمد/
في عصر العجائب الشرقأوسطية، قررتُ أخيرًا أن أمتثل لنداء “الشرعية الدولية” وأخلي شقتي في عاصمة الجنوب اللبناني من كل أنواع السلاح المحظور، تطبيقًا صادقًا لقرار 1701. لا مزاح هنا، فالعدو أعلنها صراحة: المبنى الذي أسكنه يشتبه بان يكون موقع عسكري. لا بد أن عيون الأقمار الصناعية رصدت قلاية البطاطا الكهربائية وهي تنفث الدخان كمفاعل نووي صغير، أو التقطت صورة لسكين تقطيع الخضار وهي ترقد بجانب رغيف من خبز التنور كأنها صاروخ “سكود” في غفوة استراتيجية.
حملتُ سلاحي وذكرياتي، ماكينة “الهوفر”، وعدة كتب منسية في الأدراج، روايات استبدلت الرصاص بالحبر، ونثرتهم على الأرض. استعرضتهم كما تستعرض الدول ما تبقى من كرامتها أمام لجان التفتيش. فكرت في استدعاء “أوتو خالد” بكل شاحناته لنقل هذه “الترسانة”. لكن السؤال الوجودي بدأ يتسلل: إلى أين؟ هل أضعها في كراتين الإعاشة؟ هل أفرشها فوق الفرش الممهورة بأختام الإنسانية الكريمة؟
كل شيء بات خطرًا، حتى الذكريات. فهي إن خرجت من مخبئها، قد تصرخ بفزع: “من أنتم؟ وماذا أفعل هنا؟” تخيّل أن تشرح لذاكرتك أنك اليوم في وطن بلا ذاكرة، أن المقاومة صارت ماركة مسجلة، والسلاح امتيازاً طبقيًا، والولاء بطاقة تموينية.
أخليت الكتب أولاً. فالكتب أخطر من الأسلحة، أخطر من صواريخ الكاتيوشا ومن كل منظومات الدفاع الجوي. في كل كتاب قنبلة فكر، شحنة وعي، شبهة “استقلال ذهني”. احتفظت بها داخل الفرش، تماماً كما نخفي الذهب أيام الحرب. فرشٌ وزعتها المنظمات الأممية علينا ونحن نائمون، كي لا نتهمها بالانحياز. فرش أصبحت منصات نوم جماعي لحلم مؤجل.
ضحكت. ضحكة واسعة. كأنني أطلق رصاصة رحمة على ذاكرتي، قبل أن تصيبها طائرة مسيّرة وتحوّلها إلى مادة للتفاوض، أو منشورٍ فيسبوكي. ذاك الماضي… لا أسف إن مضى. فالمستقبل لا يزال في الحضانة، وربما يحتاج إلى “تأشيرة خروج” من دائرة النفوذ أولاً.
نعم، خلّينا السلاح. فقط السلاح المطبخي، والفكري. أما البقية… فليطلبها القرار 1701 بخطاب أكثر شاعرية.