بماذا تجيب سوريةعلى الاعصار أمد للإعلام
أمد/ نحن بصدد الحديث عن سورية وليس بلاد الواق واق.. هنا انهزمت الامبراطوريات.. ومن هنا بدأت عالميتنا العربية الاسلامية العظيمة وصولا الى الاندلس.. هنا سقط كل الغزاة وهنا كان العلماء والصالحون والانبياء.. هنا التوسط بين التطرفين الاعتدال والتطرف.. وهنا كانت اول حضارة للانسان.. فالحديث عن سورية يجب ان يكون خاصا ممتلئا باليقين وليس بالظن فسورية لن ترحل وهي عماد بلاد الشام..
سورية ليست نظام سياسي مهما طال مكثه، وليست وجهة نظر مهما استبدت.. سورية الجغرافيا الاستراتيجية التي تفرض على أهل المكان مهمات خاصة لا يمكن أن يتنازلوا عنها وفي حال تراجع حكامها عن وظيفة المكان وانتخابه ألقت بهم على هامش التاريخ.. وكما قيل: إن كانت لا حرب بدون مصر فلا سلام بدون دمشق.
حتى لا نتوه مع التصريحات والبيانات والتحليلات التي تتهاطل هذه الأيام على الوسائل الإعلامية في خضم الخوض في الشأن السوري علينا بكل واقعية وعلمية تناول الحديث عن سورية انطلاقا من وعي بحركة التاريخ في المنطقة و بموقع البلاد الاستثنائي وعلاقته بالمنطقة كلها..
سورية اليوم تواجه تحديات فيرمي البعض المعارضة بالخيانة والتبعية.. ويرى البعض انها عملية انبعاث لنهضة عربية اسلامية كبيرة.
بعيدا عن هؤلاء وليس قريبا من اولئك سأحاول قراءة التحديات التي تقف أمام سورية في المرحلة القادمة على المستوى القريب والمتوسط.. كيف ستواجهها وما هي ضمانات المواجهة واين تكمن الكمائن و حقول الألغام..؟ ما هي قدرات سورية على اجتياز التحديات واي خريطة سياسية محتملة واين تكون سورية فيها.. وماهي علاقة ما حصل باحتمالات تمدده في المنطقة العربية كموجة جديدة من الربيع العربي الذي تم اختراقه من قبل القوى المعادية فسقط حلم جماهير عريضة في لعبة الشياطين.
الخروج من مأزق اللحظة:
سقط النظام السوري بعد 11 يوما أمام زحف المعارضة من مدينة إدلب ولعل كيفية السقوط والانهيار السريع يحتاج مكانا أخر لمناقشته وليس هنا لذلك موضعا.. انما ننطلق من واقع الانهيار وفتح السجون وتوحيد ادلب بالمدن السورية التي كانت تحت سيطرة النظام وعودة المشردين الى ديارهم.. حتى هنا دفعت العملية الشعب السوري في غالبيته الى الفرح والشعور بالانتصار والحرية.. ولكن هذا بلاشك لا يكفي فلئن تم النجاح في اسقاط النظام المجرم الديكتاتوري وهذا في حد ذاته أمر كبير فهل ينجح الانتقال الى دولة كريمة سيدة حرة تحمي الحريات والحقوق والوطن وتوحد الشعب والارض..
هنا تبدأ الاجابات وكثيرها محمل بالشك والتخوف والتسرع.. وبعضها محاولة للدفاع النفسي عن اوضاع يعيشها الكاتب والمتحدث خشية انهيار السقف على رأسه، وكل ذلك مشفوع بالاعذار والمبررات.. ويدخل الموقف الايديولوجي المسبق تجاه المعارضة المسلحة والموقف السياسي وشبهة الارتباط بقوى اقليمية.
وحتى نختصر المسألة فلعلنا لا نجد ثورة ولا حركة اصلاحية لم يتم اتهامها حقا وباطلا بجملة تهم تكاد تعصف بسمعتها ومصداقيتها.. والفيصل في ذلك المواقف فهي وحدها التي تبدد الشكوك والاشاعات.. فهل تستطيع هذه العملية الكبيرة التي حصلت في سورية تثبيت مواقف تفند ما يشاع حولها.
باختصار يمكن ذكر المشتركين في الازمة روسيا وايران وتركيا والدوائر الغربية والكيان الصهيوني وكل طرف له سهم في الازمة كما انه له مصلحة حسب وجهة نظره ولئن منيت ايران وروسيا بخسارة استراتيجية في سقوط النظام السابق فان الاتراك والدوائر الغربية يقفون من مواقع ليس بالضرورة متطابقة نحو صيغة ومقاربة لما ينبغي ان تكون عليه سورية..
ستتحرك سورية مثقلة بكل مفاعيل الاطراف المساهمة في ازمتها نحو مستقبل غير آمن وليس من شيء مضمون سوى الموقف الشعبي الذي عبر عن وجود شعب لم تكسره الديكتاتورية رغم قسوتها.. وهنا يلوح الغربيون أن العقوبات لن ترفع عن سوريا الا بعد ان يتم ترجمة الكلام عن حقوق الاقليات والمرأة وبناء دولة ديمقراطية الى افعال.. بمعنى سننتظر ليس قليلا قبل أن ترفع المؤسسات الغربية حصارها وعقوباتها الامر الذي يدفع بالمعارضة المتحكمة الان الى الاسراع في صياغة الدستور والدعوة الى انتخابات تشريعية ورئاسية وتشكيل حكومة حسب ما ينتهي اليه الدستور.. لعل المعارضة السورية بذلك تحقق شروط الاندماج في المنظومة الاقليمية والعالمية.. وهنا ينبغي ادراك قيمة ان تتقبل الدول الاقليمية والغربية بالدولة الوليدة وتمنحها الفرصة في التحرك لبناء مؤسساتها والانطلاق في عملية الاعمار للمساكن وترميم البنية التحتية المهدمة.. واحتواء البطالة والتضخم وبناء قواعد اقتصاد وطني حقيقي.
اقتصاد السوق والتطبيع:
ولكن هناك أمر لم يفصح عنه الغربيون الذين يتوافدون على دمشق ولعلهم يدسونه في شروط اخرى انه باختصار يشمل عنصرين الاول القبول باسرائيل دولة اقليمية والتطبيع معها والاخر الانخراط في النظام الاقتصادي الراسمالي اقتصاد السوق.. ولئن كان العنصر الثاني لا يستفز جموع الناس الا ان التطبيع مع اسرائيل ينطوي على خطر حقيقي في عدم الاستقرار فمن غير الوارد ان يقبل الشعب السوري التطبيع وفي حال وجود برلمان حر وحكومة مرشحة من قبل برلمان..
لقد اعلن قادة المعارضة خيارهم الاقتصادي انه اقتصاد السوق وضربوا مثلا قدوة في ذلك قطر وتركيا والامارات.. ولعله ليس من السهل مناقشة هذا الخيار الذي يستدعي حالة من الوعي العميق لعجلة راس المال العالمي ومن يتحكم فيه وكيف يتحرك في تكبيل الدول واستعباد الشعوب.
اما مسألة التطبيع فحتى الان لم ترد حولها تصريحات واضحة حاسمة، ولقد وردت عبارات ومواقف يمكن تحميلها معاني متناقضة حيث لم يكن من الواضح ماذا يعني الاستقرار في المنطقة لكل دولها فهل تقصد المعارضة ان اسرائيل دولة؟ والحديث انهم ليسوا بصدد الصراع مع اسرائيل هل هذا يعني موقفا مؤقتا ام انه اصيلا؟ ومع ذلك كله كيف سيواجه الحكم القادم في سورية التعامل مع الدول الغربية والادارة الامريكية التي تشترط الاعتراف باسرائيل والتطبيع معها شرطا كبيرا للتعامل والمساعدة.. فهل يكون اتخاذ الامارات وقطر وتركيا قدوة في السلوك السياسي كذلك تجاه اسرائيل..
الأمر الذي يحتاج تفسير هو الطلب من الفصائل الفلسطينية التوقف عن التمظهر بالسلاح والابقاء على المكاتب لكن دونما نشاط عسكري.. وهنا لابد من توضيح ان الفضائل الفلسطينية منذ 1970 ممنوعة من اي عمل عسكري من الجولان، ولقد كان من يحول فعل ذلك يلقى جزاءه من العقاب القاسي من قبل النظام، وشيء اخر ان بعض هذه الفصائل متورط بالتعامل الذيلي مع اجهزة امن النظام السابق والتورط في العدوان على السوريين والفلسطينيين كما فعلت الجبهة الشعبية القيادة العامة والمنشقين عن فتح ومنظمة الصاعقة وسواهم..
والامر الذي يطرح للتشكيك او الاستفسار كيف لم ترد المعارضة على العدوان الاسرائيلي الذي اجتاح مساحة واسعة من المناطق السورية على الحدود ولم يحدث اي رد على العدوان الصهيوني المتواصل على مقدرات الجيش السوري.. لعلنا نسمع تبريرا من انصار المعارضة يقول وهل لم تكن الجولان محتلة منذ 1967 اولم تكن طائرات اسرائيل تقصف بشكل مستمر مواقع سيادية في سورية اولم تذبح غزة في وجود كل هذه الاسلحة فماذا فعل النظام سوى اعتقال مئات الفلسطينيين لعشرات السنين.. ويزيد هؤلاء القول انهم الان بصدد بناء دولة ومؤسسات تخدم الشعب وليس لديهم من السلاح والعتاد ما يكفي للدخول في معركة في هذه الظروف..
بعيدا عن التشكيك والتهويل والانبهار نقول في هذا الصدد اذا لم يستطيعوا الحرب الان وانهم كما يقولون منخرطون في بناء دولة ومؤسسات فليس أقل من عدم التطبيع وعدم الاعتراف مهما بلغت الضغوط.. ضمانة هذا الموقف هو الشعب السوري الحر وطلائعه المؤمنة بفلسطين.. ولكن لكل حادث حديث.
فوحدة سورية ودستور يحترم ارادة الشعب ونسيجه وطموحه وحكومة وبرلمان هذه اهداف استراتيجية في بناء الدولة وان كان من الصعب استيعاب مسألة خطورة اقتصاد السوق فانه ليس من الصعب ابدا استيعاب خطورة التطبيع على الامن الوطني والقومي..
الرؤية الإسرائيلية:
الكيان الصهيوني هو العدو التقليدي والحقيقي لسورية وللأمة وهو المعبر الحقيقي عن طموحات الاستعماريين الغربيين ولهذا لابد من قراءة موقفه مما حصل بسورية لقد جاء على لسان رئيس معهد مشغاف “مئير بن شبات” رئيس مجلس الأمن القومي السابق قوله: “خمسة أشياء على إسرائيل أن تفعلها بعد سقوط النظام السوري وانهيار المحور الإيراني. ومن وجهة نظر إسرائيل فإن سقوط نظام الأسد وانهيار حلقة النار الإيرانية يغير ميزان القوى في الشرق الاوسط فمن أدنى نقطة رهيبة في 7/10 وبعد حرب طويلة متعددة الساحات ازداد حجم الإنجاز. مع التأكيد انه لا يوجد مكان للنشوة والرضا عن النفس. لابد أن نتبنى نهجا حذرا ومتشككا”
“أولا يجب أن نأخذ على محمل الجد تهديدات إيران عن القضاء على السرطان الصهيوني ولديها برنامج نووي ويورانيوم مخصب بنسبة 60% فإن ذلك يتطلب اليقظة والاستعداد لسيناريو الاختراق النووي العسكري..”
“ثانياً: في ايران اطلت تهديدات سلامي قائد الحرس الثوري الإيراني بمواصلة المقاومة عبر قنوات أخرى غير سوريا. كما لابد من النظر الى أن تقويض المملكة الهاشمية لاستخدامها ضدنا ليس امرا مستبعدا في نظر إيران..”.. وهذا ما حذر منه ترمب أمس 17 ديسمبر.
“ثالثاً: مستقبل سوريا غامض حاليا، ولم يتم القضاء على المخاطر التي تواجه إسرائيل، بما في ذلك الصدام مع القوى الجهادية التي ستترسخ في المنطقة.” ،”رابعا: في لبنان لن تتخلى ايران عن حزب الله. وسوف تستثمر جهودها في محاولة بناء قوته رغم الصعوبات وحتى لو تطلب الأمر الوقت والصبر.”، “خامساً: الحوثيون في اليمن والميليشيات الشيعية في العراق. يمكن الافتراض أن إيران ستعمل على تعزيزها واستخدامها أكثر من ذي قبل”…
وفي الحديث عن علاقة ما حصل في سوريا بتركيا تقول “نوح إلى زيمي” مديرة لأبحاث العلاقات العسكريةالمجتمعية في كلية العلوم السياسة وقد عملت في الماضي كمنسقة أبحاث في معهد الإستراتيجية الصهيونية:
“ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، تشددت تركيا تدريجيا في مواقفها تجاه إسرائيل. وينعكس هذا في القرار التركي بقطع العلاقات التجارية.. وكما تذكرون، في يوليو/تموز من هذا العام، صعد الرئيس التركي وهدد بغزو إسرائيل: “تمامًا كما دخلنا ناجورنو كاراباخ، تمامًا كما دخلنا ليبيا، سنفعل الشيء نفسه مع إسرائيل”. وما بدا في ذلك الوقت وكأنه تهديد فارغ، أصبح الآن يبدو وكأنه سيناريو أكثر واقعية في ضوء النجاح المذهل الذي حققه المتمردون في سوريا، الذين تدعم أنقرة الكثير منهم، والذين نجحوا في إسقاط نظام الأسد في 11 يومًا فقط.”
“وماذا سيحدث لإسرائيل؟ فهل سيستخدم أردوغان نظاماً متعاطفاً في سوريا لدفع الجنود والأسلحة إلى حدود إسرائيل وبالتالي تنفيذ تهديده؟ من المؤكد أن توسع النفوذ التركي في سوريا يعطي دفعة للرؤية العثمانية الجديدة التي يقودها أردوغان.”
” لابد من منع تأسيس إسلاميين موالين لتركيا في سورية، وقوى معادية في الأردن من قبل إيران، التي تسعى لمهاجمة إسرائيل من الضفة الشرقية”.. هذا نفس القول الذي طرحه ترمب
يقول “موشيه بوزيلوف” رئيس قسم في الشباك قضى معظم خدمته في مناصب ميدانية عملياتية وكباحث :تواجه إسرائيل واحدة من أكثر المهام حساسية وتعقيدا في تاريخها وهي: “آخر التطورات على الساحة الجيوسياسية، وانهيار المفهوم الإيراني، وهزيمة حزب الله في لبنان، وسقوط نظام الأسد، أما حماس فلقد أدرك حزب الله وإيران أنها ورطتهما في حرب أضعفتهما استراتيجياً فلقد ذهبت الحرب مع إسرائيل بجهود إيران خلال عقدين هباءً، مما أدى إلى خسارة سوريا في النهاية..”
“البروفيسور كوبي مايكل” نائب المدير العام ورئيس القسم الفلسطيني في وزارة الشؤون الإستراتيجية. نشر 20 كتابًا ودراسة وأكثر من 100 مقال وفصل في كتاب يشير الى تأثير ماحصل بسورية على الوضع الاقليمي: “إن سقوط نظام الأسد في أيدي تحالف المتمردين السنة هو حدث تاريخي، ومغير حقيقي لقواعد اللعبة.. انه ثورة إقليمية وعالمية.”
“ومع هذا تواجه إسرائيل تهديدين حقيقيين.. الأول: ترسيخ عناصر جهادية على طول حدودها في منطقة هضبة الجولان، والثاني هو عدم استقرار المملكة الهاشمية. وينبغي أن يكون الاستعداد العسكري، من بين أمور أخرى، من الصحيح دراسة سبل تعميق التعاون مع الأقلية الكردية التي تسيطر على حوالي 20% من الأراضي السورية.” “ويجب التعامل مع تصريحات الجولاني بحذر شديد. ومن المهم أن نتذكر أن هذه العناصر هي عناصر جهادية وسلفية؛ إن التجربة المؤلمة لما بدا وكأنه إضعاف واعتدال لحماس في قطاع غزة قبل 7 اكتوبر يجب أن تبقى محفورة في وعينا طوال الوقت.”
سورية يحيطها الطامعون من كل جانب وتنظر اليها القوى العظمى انها مغلاق الحروب ولكن في سورية لا يسقط التاريخ عن صهوة الجغرافيا ويظل الشعب يشحنه بكل معاني النبل والكرامة والعزة .. ان الله غالب على أمره.