أمد/ بعد الإعلان عن الاتفاق بين حركة حماس وإسرائيل بشأن وقف إطلاق النار الفوري، وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، دون وضوحٍ مماثلٍ حول مصير الأسرى الفلسطينيين، ومع بقاء ما يزيد على (٥٣٪) من مساحة قطاع غزة تحت السيطرة والاحتلال الإسرائيلي المباشر، يحق لنا أن نتساءل بهدوءٍ وعمق:
أين النصر الذي يتحدثون عنه؟
وأي هزيمةٍ لحقت بإسرائيل إذا كانت قد حققت معظم أهدافها الميدانية والسياسية، بينما ما زال الشعب الفلسطيني يعيش بين الركام والتشريد والدمار؟
الانتصار لا يُقاس بخطابٍ عاطفي، ولا بشعارٍ مرفوعٍ فوق أنقاض المدن، بل يُقاس بما يتحقق للشعب من حريةٍ وسيادةٍ وكرامةٍ وأمنٍ واستقرار.
وإذا كان ثمن هذا الاتفاق هو تثبيت واقع الاحتلال وتقويض ما تبقّى من وحدة الأرض والشعب، فإن ما جرى لا يمكن وصفه إلا بأنه إعادة تدويرٍ للهزيمة في ثوب النصر المزعوم.
لقد دُفع الشعب الفلسطيني في غزة أثمانًا باهظة، في الأرواح والمنازل والمستشفيات والمدارس، ليجد نفسه في النهاية أمام مشهدٍ يعيد إنتاج المعاناة ذاتها تحت مسمياتٍ جديدةٍ وشعاراتٍ جوفاء.
إن ما يحدث اليوم ليس نصرًا وطنيًا، بل نتيجة طبيعية لمنطق الفصائلية والانقسام، الذي يقدّم المصالح الضيقة على المصلحة الوطنية العليا.
إن النصر الحقيقي هو ما يحرر الإنسان قبل الأرض، ويوحّد الصف الفلسطيني، ويعيد الاعتبار لمشروعٍ وطنيٍ جامعٍ لا يخضع للوصاية ولا للمزايدة.
أما ما دون ذلك، فهو مجرد هدنةٍ مؤقتةٍ تحت راية الاحتلال، تُسوَّق على أنها نصرٌ إلهي.
ويبقى السؤال الأهم:
هل سنبقى نُعيد الخطأ ذاته في كل دورةٍ من دورات الدم والدمار، ثم نُقنع أنفسنا بأننا انتصرنا؟
أم آن الأوان لنعيد تعريف النصر، ونعيد بناء مشروعنا الوطني على قاعدة الحقيقة لا الوهم، والكرامة لا الدعاية، والوحدة لا الانقسام؟
على أية حال ربما تعبت غزة، نعم ربما تعبَت غزة من الحرب، لكنها لم تتعب من الحلم…
الحلمُ بالحرية التي لا تُؤخذ بالشعارات، بل تُصانُ بالوحدة والوعي والصدق مع الذات.
فالنصرُ الحقيقي، حين يجيء، لن يُعلَن بخطابٍ حماسيٍّ ولا بنداءٍ فصائلي، بل ستكتبه وجوه الأطفال حين ينامون آمنين، وتغنيه الأمهات حين لا يسمعن صفير الطائرات.
ذلك هو النصر الذي ننتظر…
نصرُ الإنسان على الوهم، والوطن على الانقسام، وفلسطين على العدو والنسيان.
د. عبد الرحيم جاموس
الرياض / السبت
11/10/2025 م
…………………………………
قراءة تحليلية واقعية وذات أبعاد سياسية لمقال الدكتور عبد الرحيم جاموس
(الانتصار لا يْقاس بخطاب عاطفي….)
ا. د. عادل جوده
يقدم الدكتور عبد الرحيم جاموس في مقاله رؤية نقدية عميقة للخطاب السائد حول مفهوم النصر في السياق الفلسطيني الراهن مع التركيز على التبعات العملية لاتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل
ينطلق الكاتب من سؤال جوهري حول حقيقة النصر المزعوم في ظل غياب الشروط الأساسية له والتي تتمثل في الحرية والكرامة والسيادة ويشير إلى التناقض الواضح بين الخطاب العاطفي والواقع الميداني حيث تتحقق إسرائيل من معظم أهدافها بينما يستمر الاحتلال الإسرائيلي المباشر لأكثر من نصف قطاع غزة ويبقى مصير الأسرى الفلسطينيين غامضا
يحلل الكاتب بنية الاتفاق الحالي ويرى أنه ليس سوى إعادة إنتاج للمأساة تحت مسميات جديدة حيث يؤدي إلى تثبيت واقع الاحتلال وتقويض وحدة الأرض والشعب الفلسطيني ويصف هذا الواقع بأنه إعادة تدوير للهزيمة في ثوب النصر المزعوم مما يسلط الضوء على الفجوة بين الخطاب السياسي والشعب الذي يدفع الثمن الباهظ
ينتقل التحليل إلى نقد البنية السياسية الفلسطينية الداخلية ويشير إلى أن هذه النتائج هي محصلة طبيعية لمنطق الفصائلية والانقسام الذي يقدم المصالح الضيقة على المصلحة الوطنية العليا مما يفاقم الأزمة ويحول دون تحقيق النصر الحقيقي
يعيد الكاتب تعريف النصر بأنه لا يتحقق بالخطابات والشعارات بل يتحقق عندما يتحرر الإنسان وتتوحد الصفوف ويعاد الاعتبار للمشروع الوطني الجامع بعيدا عن الوصاية والمزايدة ويؤكد أن أي اتفاق لا يحقق هذه الشروط ليس سوى هدنة مؤقتة تحت راية الاحتلال
يختتم الكاتب برسالة أمل مؤكدا أن غزة لم تتعب من الحلم بالحرية الحقيقية التي لا تتحقق بالشعارات بل تصان بالوحدة والوعي والصدق مع الذات ويصور النصر الحقيقي من خلال مشاهد إنسانية محضة كوجوه الأطفال الآمنة وأغاني الأمهات في غياب صفير الطائرات
تتميز هذه الرؤية التحليلية بواقعيتها وربطها العضوي بين الأبعاد السياسية والاجتماعية والإنسانية وتكشف عن عمق الأزمة البنيوية في المشروع الفلسطيني مع الإصرار على إمكانية التغيير عبر مراجعة نقدية شاملة تعيد تعريف المفاهيم وتبني استراتيجيات واضحة قائمة على الوحدة والحقيقة والكرامة