بعيداً عن الأوهام: الحقائق المريرة وراء المشهد السياسي في فلسطين. وجهه نظر!!!!
أمد/ في قلب هذا الصراع المحتدم، حيث يتشابك القديم بالجديد، والتاريخ بالواقع، تبرز حقيقة قاسية لا يمكن تجاهلها. الحقيقة التي يتجنب الجميع مواجهتها، هي أن الوضع لن يتغير نحو الأفضل طالما بقي بنيامين نتنياهو في السلطة في إسرائيل، وطالما استمرت حركة حماس في حكم غزة. على مدى عقود، تعاقبت الحكومات، وتغيرت السياسات، لكن شيئاً لم يتغير جوهرياً. هذه الحقيقة المريرة تشكل العمود الفقري لواقعنا الذي لا يمكن تحريكه أو تغييره بمجرد الأمنيات.
بنيامين نتنياهو، الذي يُعتبر من أكثر السياسيين دهاءً في تاريخ إسرائيل، يعرف كيف يسيطر على مجريات الأمور. إنه ليس مجرد رئيس وزراء، بل هو مهندس في صياغة الأزمات واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية شخصية وحزبية. على مدى سنوات حكمه، استطاع نتنياهو أن يحول الصراع الإسرائيليالفلسطيني إلى أداة لتعزيز سلطته. كلما اشتدت الضغوط عليه داخلياً، لجأ إلى تصعيد التوتر مع الفلسطينيين أو افتعال أزمة جديدة، ليعزز موقفه ويظهر كحامي حمى إسرائيل.
وفيما يتعلق بالانتخابات الأمريكية المقبلة، لن يترك نتنياهو أي مجال للشك في مواقفه. لن يفعل شيئاً يمكن أن يساعد الحزب الديمقراطي على الفوز، بل سيسعى بكل قوته لتعزيز علاقته بالجمهوريين. بالنسبة له، بقاء إدارة صديقة في البيت الأبيض أهم بكثير من أي مكاسب قد يجنيها الفلسطينيون. بل ربما يسعى لتعميق الفجوة بين الحزبين الأمريكيين، من خلال إثارة المزيد من الفوضى في المنطقة.
على الجهة الأخرى من الصراع والحرب الدائره فى غزه ووالتى تجاوزت العشره أشهر ويوم الذى اقترب من الشهر الحادى عشر تقف حركة حماس، التيكانت قبل الحربتد تفرض سيطرتها على غزة حماس التي نشأت كمقاومة سابقا أصبحت اليوم سلطة تحكم، وفرقٌ شاسع بين المقاوم والحاكم. بين المصلحة الوطنية ومصلحة البقاء، اختارت حماس البقاء. فبدلاً من أن تسعى لتحقيق الوحدة الفلسطينية، أو التفاوض على حلول قد تُخرج غزة من عزلتها، استمرت في التمسك بالسلطة والخروج من المازق الذى كانت فيه وحاله الجمود هربت إلى الأمام بحرب لا تعرف نهايتها ولم تقدر نتائجها ومهما كانت التكلفة. هذه النزعه المتشددة تزيد من تعقيد المشهد، وتجعل من أي أمل في حل سياسي مستقبلي ضرباً من الخيال. وخصوصاً وان حماس تفاوض بمعزل عن السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينيه والتى هم الإطار الشرعى للثمتيل الفلسطيني فى كل المحافل الدولية.
أما على الصعيد الإقليمي والدولي، لا يوجد بطل يمكن أن يقلب الطاولة لصالحنا. العالم بأسره يعيش في حالة من الفوضى العارمة، حيث تتفكك التحالفات، وتشتعل الحروب والنزاعات في كل زاوية. منذ الحرب العالمية الثانية، لم يشهد العالم هذا القدر من الاضطراب واللاتوازن. الدول الكبرى مشغولة بصراعاتها الخاصة، من الحرب في أوكرانيا، إلى صراع النفوذ في آسيا، والحروب الأهلية في الشرق الأوسط. في خضم هذا الفوضى، أصبحت قضيتنا الفلسطينية مجرد نقطة صغيرة في بحر من الأزمات العالمية المتفاقمة.
المعطيات الدولية بائسة بشكل يبعث على الإحباط. الأطراف الدولية التي كانت تُظهر لنا دعماً، باتت تستخدم قضيتنا كورقة ضغط أو مساومة في صراعاتها الخاصة. منذ عقود، ونحن نسمع وعوداً فارغة، ونشهد اتفاقيات لم تُطبق، وقرارات أممية لم تجد طريقها للتنفيذ. هذه القوى الدولية، التي تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان والعدالة، قد أظهرت بوضوح أنها غير جادة في دعمنا، وأننا بالنسبة لها مجرد ورقة تفاوضية لا أكثر.
وفي حين يتوهم البعض أن إيران قد تكون هي المنقذ، يجب أن ندرك أن الرهان على إيران لا يختلف كثيراً عن الرهان على الأعراب. إيران، رغم خطابها الثوري وتحدياتها لإسرائيل، ليست إلا دولة تسعى لتحقيق مصالحها الإقليمية الخاصة. كل تحرك تقوم به مرتبط بحسابات دقيقة للمصالح والنفوذ، وليس بالضرورة لنصرة الفلسطينيين بل واعتقد انها لن تقوم بحرب مع إسرائيل وستقوم برد مخجل ومحدود حت تحفظ ماء وجهها فقط كما أن التجارب السابقة مع العرب علمتنا أن وعودهم كثيراً ما تكون مجرد كلمات جوفاء لا تسندها أفعال حقيقية.
في نهاية المطاف، الحقيقة المرة التي يجب أن نواجهها هي أن مستقبلنا يظل رهينة لأطراف لا تعير قضيتنا الاهتمام الكافي، سواء كانت هذه الأطراف دولية أو إقليمية. نتنياهو سيظل في السلطة مادام يجد في بقائه مصلحة، وحماس ستبقى تحكم غزة طالما ظلت الأوضاع الراهنة كما هي. العالم منشغل بأزماته الخاصة، وإيران والعرب لا يمكن الاعتماد عليهم بشكل جاد.
والسؤال الذي يطرح نفسه نحن كفلسطنيين نعيش دوما الواقع المرير: هل من مخرج؟
إزاء هذا الواقع المظلم، يجب أن نتساءل: هل هناك مخرج؟ قد يكون الحل في إعادة النظر في استراتيجياتنا وتحالفاتنا، ولكن قبل كل شيء، علينا أن نتحرر من أوهام التغيير السريع أو الحلول السحرية. الطريق طويل وشاق، والتحديات أكبر مما نتخيل، لكن الأمل الحقيقي يبدأ من إدراك الحقائق كما هي، وليس كما نرغب أن تكون.
بدون هذا الإدراك، سنظل ندور في حلقة مفرغة، نبحث عن مخرج في متاهة من الأوهام والخيبات، بينما يستمر الواقع في فرض نفسه علينا يوماً بعد يوم.