بشار الأسد.. ليس شيطاناً ولا ملاكاً
أمد/ كأصحاب كلمة وأهل رأي وحكمة..
لا يليق بنا أن نُوقّع لأحدٍ على بياض
و لا يجب أن نسكت عن أمر يستحق الكلام
كما لا يحق لنا الخوض فيما يخوض فيه الخائضون، أو نُجدِّف في اتجاه الموج على غير هدى، أو نرضخ لضغوط الجماعة ونتبع سلوك القطيع.
قبل عشرين عاماً وقعت تحت ناظريّ وثيقة نشرتها إحدى الصحف المصرية المستقلة في ذلك الوقت الذي أعقب مباشرة دخول قوات التحالف إلى بغداد في 2003، و سأكتفي من تلك الوثيقة بعنوانها “خطة ضرب سوريا”
و كانت الخطة تتبع نهجاً مشابهاً إلى حدّ كبير للنهج الذي اتبعوه في خطة ضرب العراق، لذا فإن عملية سقوط نظام الأسد لا يمكننا اعتبارها سريعة او مفاجئة، ولكنها كانت مُربِكة.
و نحن في كل الأحوال نؤيد ثورات الشعوب من أجل الحرية و الحياة الكريمة، ولكن علينا قبل أن نخطو الخطوة أن نعرف أين نضع أقدامنا.
إن أكبر جرائم نظام الأسد هي تلكم الاعتقالات غير المبررة وانتهاج سياسة العنف حدّ القتل والتعذيب الوحشي للمعارضين السوريين غير المسلحين.
أمّا تلك الجماعات المسلحة التي جاءت إلى سوريا من كل حدبٍ وصوب؛ والممولة من شتى الجهات وبمختلف صنوف المال الملوث، فنحن هنا لسنا معنيين بالنسج على منوالهم أو الرقص على طبولهم.
لقد كان بشار الأسد في بداية تسعينيات القرن الماضي هو أبعد الشخصيات في عائلة الأسد عن دوائر السلطة والحكم، عندما تم استدعاؤه من خارج البلاد وهو المتخصص في طب الأسنان ليسد ثغرة في النظام خَلّفها رحيل باسل الأسد بن الرئيس حافظ الأسد المُفاجئ، و لقد تبنى بشار الأسد في ذلك الوقت مهمة الإصلاح، ومحاربة الفساد الذي كان واضحاً في نهاية حكم أبيه حافظ.
وأظنني قد استحسنتُ اداءه الجديّ في ذلك الوقت ” عقد التسعينيات” فقد كان صارماً ومهيباً حدّ أن أحد وزراء حكومة والده عندما عَلِم عبر الهاتف أن بشار الأسد اكتشف فساده وأنه في طريقه إليه للقبض عليه ومحاسبته، قام ذلك المسئول الفاسد بإنهاء حياته بالانتحار قبل أن يصله بشار، و لم يكن بشار وقتها في سدّة الحكم ولا أظنه كان متطلعاً لأنْ يخلف أبيه في الحكم أو مستعداً له.
لذا فعندما رحل الرئيس حافظ الأسد لم نلحظ أي ترتيبات مسبقة من قِبَل بشار وعائلة الأسد بدلالة أن بشار الأسد لم يَسعَ قبيل رحيل والده لاستيفاء شروط الترشح للحكم، و لكن قادة حزب البعث العربي الاشتراكي، كان لديهم بلا شك سيناريوهات وترتيبات، ولقد ارتؤوا أن يحسموا الأمر بترشيح بشار الأسد لخلافة أبيه في منصب قيادة الحزب ورئاسة الجمهورية العربية السورية، ولا أظن انه كان متاحاً لبشار الرفض، بل رضخ لضغوط قادة الحزب الذين قاموا على الفور بإجراء تعديلات دستورية ليستوفوا شروط ترشح بشار للرئاسة ومن أهمها شرط العمر، فلم يكن بشار وقتها قد أكمل الأربعين. بل و لم يكن متزوجاً، حتى أنهم أنجزوا أيضاً مهمة زواج بشار في غضون أيام قليلة.
وإن شئت الحكم على العشر سنوات الأولى من حكم بشار الأسد ، فقد لفت نظري و بحق مواصلة اصلاحاته، و خاصة نهوضه بالاقتصاد السوري حدّ أن سوريا في ذلك الوقت كانت الدولة العربية الوحيدة من بين الدول غير النفطية التي ليس عليها ديون خارجية لأي جهة، مما أعطاها حرية واستقلالية القرار، ولعل هذا ما مَكّنها من البقاء على نهجها في المقاومة وإعلان الممانعة ورفض التطبيع مع المحتل الاسرائيلي، أو الدخول معه في أي مفاوَضات أو إبرام اتفاقيات على غرار كامب ديفيد و أوسلو ووادي عربة.
و لقد كان لسوريا على صعيد الانتماء القومي توجهات عربية قومية واضحة ومعلنة، و لقد كانت كلمة “عربية” داخلة ضمن مكونات اسم أي مؤسسة سورية حتى اسم الجمهورية السورية الدستوري كان مسبوقاً بوصف “العربية”.
فالجمهورية هي: ” الجمهورية العربية السورية”. والجيش هو: “الجيش العربي السوري”. والتليفزيون هو: “التليفزيون العربي السوري”.
حتى كادت كلية الطب في دمشق تسمى: ” الطب العربي السوري”، و لِمَ لا؟ وسوريا هي البلد العربي الوحيد الذي يُدَرّس علوم الطب باللغة العربية.
ولكن ممّا يأخُذه العرب على نظام الأسد الأب والابن أنهم ناصروا الجمهورية الايرانية في حربها مع العراق، كما أن عائلة الأسد عليهم ملاحظات وشبهات في شأن تعاطيهم مع قضية الجولان السوري المحتل، وليس هنا مجال الإفاضة في الحديث، ولكن سألخص الموضوع في ذكر أن هناك قول مأثور عن نظام الأسد عندما كانوا يسألونه عن خططه في شأن تحرير الجولان فقد كان النظام يكرر دائماً مقولة: إننا نسعى أولا إلى تحقيق “التوازن الاستراتيجي ” مع اسرائيل، و بتكرار ذلك المصطلح، أصبح المعارضون يتندرون به يطلقون عليه ” التوازن البَطّيخي”. وللأسف بقى النظام الأسدي بالحكم أكثر من نصف قرن من الزمان ولم يتحقق ذلك ” التوازن البَطّيخي”، وها قد رحل النظام أخيراً مُخَلِّفاً، بدل الاحتلال الواحد احتلالات عديدة، وهذا هو أقوى مآخذي على النظام.
وطالما أتيت على ذكر أقوى مآخذي، فلا يفوتني أن أذكر أقوى نقاط إشادتي شخصياً بنظام الأسد وهي وقوفه إلى جانب المقاومة الفلسطينية في غزة طوال فترة حكمه وحتى اليوم الأخير، فلقد كانت سوريا طريق إمداد حقيقيّ فاعلٍ لكل جماعات المقاومة والإسناد بالذخائر والسلاح، وكانت الأرض السورية طوال الوقت تمثل عمقاً استراتيجياً للمقاومة وحاضنة لرجالها و ملاذاً في زمنٍ عزّت فيه أيادي العون والمساعدة، واحتضان المقاومة.